الأمن الغذائي بقطر.. قصص نجاح في وجه الحصار

الاكتفاء الذاتي في قطر من الألبان وصل إلى 106%

تمر اليوم 5 يونيو/حزيران، الذكرى السنوية الثالثة للحصار الذي فرضته كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين على قطر، وفيها تثار تساؤلات أبرزها: كيف سعت دول الحصار لكي تحرم قطر من امتلاك غذائها؟ وكيف استطاعت قطر تغيير هذه المعادلة لتصبح بعد هذه السنوات الثلاث الأولى عربيا في مجال الأمن الغذائي.

فالحصار الجائر الذي تعيشه دولة قطر منذ سنوات تحوّل من محنة إلى منحة، ومن أزمة إلى فرصة تمسّك بها القطريون لتحقيق اكتفائهم الذاتي وأمنهم الغذائي، الذي بات ركنا أساسيا من أركان الاستقلال الاقتصادي للدولة، وركيزة مهمة لتأمين استمرار العيش الكريم لشعبها ومقيميها.

وأولت قطر منذ اليوم الأول للحصار اهتماما خاصا بالأمن الغذائي، باعتباره من الأمور المهمة والحيوية، وذلك من خلال خطط الإنتاج المحلي أو الاستيراد، وتنويع مصادره، وكذلك من خلال التخزين الإستراتيجي، مع التأكيد على توفر هذه الاحتياجات الغذائية بتكلفة مناسبة وجودة عالية في مختلف الظروف.

يقول مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة البلدية والبيئة الدكتور مسعود المري إن قطر كانت لديها إستراتيجية للأمن الغذائي قبل الحصار بمعطيات مختلفة، ولكن بعد الحصار تطلب الأمر وضع إستراتيجية أخرى حسب المعطيات الجديدة.

ويؤكد المري أن قطر بعد الحصار تمكنت من تنويع مصادر الاستيراد في فترات قياسية، معتمدة على وضعها الاقتصادي الجيد، والدور الكبير الذي لعبته شركة حصاد الرائدة في مجال الاستثمار الغذائي.

إنجاز عربي ودولي

وحققت قطر إنجازات كبيرة في مجال الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي نتيجة تنفيذ العديد من المشروعات الإستراتيجية الوطنية، التي تمثلت في زيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي، مما أسهم بدوره في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي في عدد من السلع المختلفة، وفقا للمري.

واحتلت دولة قطر المرتبة الأولى عربيا في مؤشرات تحقيق الأمن الغذائي، كما قفزت إلى المركز 13 عالميا، وذلك حسب مؤشر الأمن الغذائي العالمي الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2019، والذي يعتمد على ثلاثة مؤشرات فرعية، هي: قدرة المستهلك على تحمل تكلفة الغذاء، وتوافر الغذاء، وسلامة وجودة الغذاء.

ويعتبر المري أن الأمن الغذائي يشكل أولوية عمل لحكومة دولة قطر، وهو مؤشر حيوي يعبر عن فعالية وكفاءة السياسات الحكومية والتنموية والاقتصادية والبيئية، وكونه رافدا مهما للاقتصاد الوطني.

ومفهوم الأمن الغذائي -حسب منظمة الأغذية الزراعية الخاصة بالأمم المتحدة- هو حصول كل فرد من أفراد المجتمع على حاجته من الغذاء السليم ذي النوعية الجيدة بشكل مستقر، حتى يتمكن من عيش حياته بشكل صحي.

أما حسب منظمة الصحة العالمية، فمفهوم الأمن الغذائي يعني توافر عدد من المعايير المهمة من أجل إنتاج، وصنع، وإعداد وتوزيع الأغذية الآمنة والصحية بالشكل المناسب لاستهلاك البشر.

مواصفات عالمية

ومن هذا المنطلق، اهتمت قطر بالعمل على تحقيق إستراتيجية الأمن الغذائي لمواطنيها والمقيمين على أرضها، ضمن المواصفات العالمية المعتمدة التي أقرتها المنظمات الدولية على اختلاف مسمياتها، حيث تسعى جاهدة للعمل على ترسيخ الأمن الغذائي واستدامته لجودة حياة المجتمع.

وحظي قطاع الصناعات الغذائية بالأولوية خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما أثمر طفرة كبيرة وأسهم في تأمين السوق من الاحتياجات الضرورية، خاصة أن هذا القطاع يحوي ثمانين مصنعا، يمثل 9% من إجمالي عدد المصانع في قطاع الصناعات التحويلية.

وتم طرح العديد من المشاريع الإستراتيجية الزراعية على القطاع الخاص، من أهمها مشاريع الاستزراع السمكي بالأقفاص العائمة في البحر، وإنتاج الخضراوات باستخدام تكنولوجيا البيوت المحمية، واستزراع الروبيان، وإنتاج الأعلاف المركزة، وإنتاج الأسمدة العضوية، وإنتاج ألبان الإبل، وإنتاج الأعلاف من مياه الصرف الصحي المعالج.

البيوت المحمية وسيلة قطرية لتنمية الزراعة (الجزيرة)

رفع المخزون الإستراتيجي

وقعت وزارة التجارة والصناعة مؤخرا عقودا مع 14 شركة كبرى متخصصة في القطاع الغذائي بالدولة، وذلك لرفع المخزون الإستراتيجي من السلع الغذائية الأساسية، وهو ما يسهم بشكل كبير في توفير المخزون الإستراتيجي المطلوب بالدولة.

ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة حصاد الغذائية محمد السادة أنه منذ اليوم الأول للحصار لعبت الشركة دورا مهما في توفير كل ما يحتاجه السوق القطري من مواد غذائية أساسية بشكل عاجل، بعدما قامت على الفور بالتنسيق مع أكثر من عشر دول تتميز منتجاتها بالجودة العالية، ووصلت أولى شحنات هذه المنتجات إلى المحلات التجارية في اليوم التالي للحصار، ومن ثم تم توفير السلع بشكل يومي.

ويقول السادة للجزيرة نت إن قطر أخذت على عاتقها أن يكون مصطلح الأمن الغذائي من أول اهتماماتها، والذي يشير إلى وجوب توفر الغذاء للأفراد من دون أي نقص، حتى يتحقق الأمن الغذائي فعليا عندما تتكون لدى الفرد قناعة بأنه لا يخشى الجوع والتعرض له، والتأكيد على السعي المطلق من أجل منع حدوث نقص في الغذاء مستقبلا أو انقطاعه إثر أي ظروف طارئة أو غيرها من المشاكل التي تقف عائقا في وجه توافر الأمن الغذائي، كما حدث في بداية أزمة الحصار.

ويوضح أن شركة حصاد وسعت محفظتها الاستثمارية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، التي شملت مضاعفة الإنتاج المحلي في أهم القطاعات الغذائية التابعة لها، وتمويل تطوير الأسواق المركزية لتكوين منصات تسويقية متكاملة، وكذلك إنشاء عدد من الشركات المحلية، بالإضافة إلى الاستحواذ على حصص في كبرى الشركات الغذائية العالمية، وذلك لدعم احتياجات السوق المحلي، والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي لدولة قطر.

الصوبات الزراعية وسيلة لزيادة الإنتاجية (الجزيرة)

مصانع كبيرة

وفي إطار جهودها لدعم الاقتصاد، قامت شركة حصاد بتدشين شركة محاصيل للتسويق والخدمات الزراعية، كإحدى الشركات التابعة لها، لدعم المزارعين المحليين من خلال تسويق إنتاجهم، وذلك بهدف زيادة حجم وجودة الإنتاج المحلي ورفع عبء عملية التسويق عن المزارعين.

وأنشأت الشركة أكبر مصنع للتمور بقطر، ويقوم بإنتاج ما يقارب 3500 طن سنويا، كما قامت بتطوير إستراتيجيتها الاستثمارية والاستحواذ على حصص في كبرى الشركات الغذائية العالمية، مثل شركة "صن رايز فودز إنترناشيونال"، أكبر شركة حبوب وبذور زيتية عضوية في العالم، وهي مملوكة لشركة "ترياكي أجرو" التركية، وكذلك الاستثمار في قطاع الأسماك في سلطنة عُمان، في "الشركة العالمية للإنتاج البحري"، الذي سيستهدف السوق المحلي والأسواق العالمية.

وارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي في قطر بالنسبة للخضراوات من 20% عام 2017 إلى 27% في مارس/آذار الماضي، وكذلك التمور من 84% إلى 86%، والأعلاف الخضراء من 44% إلى 54% والألبان ومنتجاتها من 28% إلى 106%، والدجاج الطازج من 50% إلى 124%، واللحوم الحمراء من 13% إلى 18%، وبيض المائدة من 14% إلى 28% حتى مارس/آذار الماضي.

المصدر : الجزيرة