شيء من تاريخ انهيارات النفط.. عندما أصبح خشب البراميل أغلى من الذهب الأسود

A 3D-printed oil pump jack is seen in front of a displayed stock graph and
أسعار النفط هبطت إلى مستويات قياسية عبر التاريخ كتلك التي بلغتها في وقتنا الحاضر (رويترز)

عندما نزلت أسعار النفط لمدة أسابيع بسبب تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، وقرارات السعودية بإغراق الأسواق؛ لم تكن تلك المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.

وفي تقريره الذي نشرته صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية؛ قال الكاتب جونزالو توكاري في الوقت الذي انخفض فيه السعر المرجعي لبرميل النفط في أوروبا بأكثر من 70% بين 2 و31 مارس/آذار الماضي، كان المتخصصون يدركون جيدا ما قد ينتج عن ذلك مستقبلا. فهل شهد العالم مثل هذا الانهيار في أسعار النفط سابقا؟

الوقت الحالي

سيسجل يوم 20 أبريل/نيسان 2020 كأول يوم يبلغ فيه سعر نفط أميركا الشمالية المعروف باسم "خام غرب تكساس" للعقود الآجلة سعرا سلبيا (نحو ناقص 38 دولارا )، وذلك منذ بدء عمليات البيع المستقبلية للنفط عام 1983. في حين بلغت أسعار خام برنت أقل من 17 دولارا في ذلك الشهر؛ بسبب حرب الأسعار بين السعودية وروسيا، التي رفعت المعروض النفطي لمستويات قياسية، في مقابل تراجع حاد للطلب نتيجة تداعيات فيروس كورونا على الأنشطة الاقتصادية.

وعادت الأسعار إلى الارتفاع من جديد بعدما دخل اتفاق "أوبك بلس" لخفض الإنتاج حيز التنفيذ بداية من مايو/أيار الماضي. واتفقت "أوبك بلس" على خفض الإنتاج نحو عشرة ملايين برميل يوميا، بما يعادل 10% من إنتاج النفط العالمي في مايو/أيار ويونيو/حزيران، ثم تقليص التخفيضات لاحقا.

وتعقد "أوبك بلس" مؤتمرا عن بعد في وقت مبكر غدا الخميس لمناقشة سياستها، بدل موعد أصلي يحل الأسبوع القادم، وفق رويترز.

 1860.. انهيار أميركي

وأفاد الكاتب بأن عام 1860 شهد انهيار سعر برميل النفط في الولايات المتحدة بشكل أكثر حدّة مما كان عليه في مارس/آذار الماضي.

فقد انخفضت الأسعار بنسبة 80% تقريبًا على امتداد كامل أشهر السنة، واستمرت الأزمة ليتجاوز انهيار الأسعار 98%، إذا أخذنا بعين الاعتبار الصفعة التي تلقاها سوق النفط في العام التالي.

ولعل المختصين -كما يضيف الكاتب- لم يُبالغوا عندما أكدوا أن خشب البراميل كان يساوي أكثر مما يحتويه من "الذهب الأسود"، لأن العالم لم يسبق له أن شهد مثل هذا الانهيار في أسعار النفط حتى سنة 1931.

وأردف الكاتب أن التفسير الرئيسي لأزمة 1860 يكمن في تصميم المخترع والصناعي إدوين دريك تقنية استخلاص النفط الخام الرائدة، وقد اعتمد منافسوه هذه التقنية من دون أي تردد.  كما لم يمنع انخفاض أسعار النفط ولا التضخم المرتفع في بداية الحرب الأهلية الأميركية في أبريل/نيسان سنة 1861 دريك من مواصلة العمل على تقنية استخلاص النفط. ويندهش العالم اليوم من أن دريك لم يسجل براءة اختراعه، لذلك من غير المفاجئ أنه توفي مفلسا.

وأشار الكاتب إلى أن إعادة هيكلة قطاع النفط المتواضع آنذاك كانت هائلة، لدرجة أنه عام 1863، ورغم زيادة الطلب وتفضيل استخدام النفط على الكحول في إنتاج الكيروسين؛ بدأ الإنتاج ينخفض. وبناء عليه، أفلست العديد من الشركات، ولم تعرف شركات أخرى حتى كيفية تجنب فيضان الآبار.

أزمتان قبل القرن العشرين

وحتى القرن العشرين، شهد العالم أزمتين حادتين في ما يتعلق بهبوط سعر النفط الخام، ولكنهما لم تكونا بنفس حدة أزمة 1860 وماتلاها.

وحدثت الأزمة الأولى سنة 1866، نتيجة تضاعف اكتشاف أماكن نفطية في ولاية بنسلفانيا، حيث أصبح الإنتاج أسرع بكثير من الطلب. كما تأثرت أسعار النفط بالتضخم الذي بدأ سنة 1864، وتعزز أكثر بداية من 1865، وهي السنة الأخيرة من الحرب الأهلية الأميركية.

وذكر الكاتب أن روبرت ماكنالي وثّق تفاصيل الانخفاض المدوي الثاني (الأزمة الثانية) في أسعار النفط المشار إليه سابقا في كتابه "تقلبات أسعار النفط الخام"، بين عامي 1890 و1892.

في الأثناء، حاول جون دافيسون روكفلر، الذي كان يسيطر على معظم شركات التكرير وخطوط الأنابيب الرئيسية في أميركا من خلال "ستاندرد أويلس"، تجنب الأزمة بالتنسيق مع منتجي النفط في بنسلفانيا، ثم المنطقة النفطية الرائدة في العالم.

ورغم أن هذه الأطراف تمكنت من خفض إنتاجها بأكثر من 25%، فإن ذلك لم يكن كافيا؛ فقد استمر التحالف لمدة عام واحد فقط حتى عام 1888، وانخفضت الأسعار بشكل كبير بعد فترة وجيزة.

بين عامي 1890 و1892، انهار سعر برميل النفط بسبب حروب الأسعار بين الولايات المتحدة وروسيا، وخفض الواردات التي فرضها الركود القاسي للقوى الأوروبية، بدءا بفرنسا عام 1889.

لقد كانت بداية للأزمة التي ضربت الولايات المتحدة عام 1893، عندما انهارت سوق الأسهم، وعلقت مئات البنوك المدفوعات، وفي ظل وجود ملايين العاطلين عن العمل بدأ الكساد الذي لم ينته حتى عام 1897.

 الإنتاج أكثر من الطلب

بيّن الكاتب أن أسعار النفط الخام ارتفعت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، لكن مع تسجيل إنتاج متزايد في تكساس، وكاليفورنيا، وأوكلاهوما انهارت السوق عام 1929. بعد ذلك بدأ تشغيل حقل نفط جديد ضخم في تكساس عام 1930، وزادت احتمالات حدوث كساد كبير طويل الأمد عام 1931.

لقد كان سعر برميل النفط حينها أقل بنسبة 80% مما كان عليه قبل عشر سنوات فقط، وتجاوزت كميات النفط ما كان الناس والشركات يرغبون في شرائه بكثير.

ولحماية القطاع، الذي يمثل أحد المصادر الرئيسية للعمالة والاستقلالية الجيوإستراتيجية والازدهار الوطني، تلاعب فرانكلين روزفلت في الأسعار من خلال تقييد الإنتاج، والحد من المنافسة بين المشغلين ومصانع النفط في ولايات مختلفة، وتعزيز كفاءة تقنيات الاستخراج من خلال اللوائح التي من شأنها تحسين ربحية الآبار على المدى الطويل، كما يقول الكاتب.

oil
خلال عام 1986 هبطت أسعار النفط إلى عشرة دولارات للبرميل (غيتي)

نكسات إضافية

وأوضح الكاتب أن الحلقة التالية في سلسلة انهيارات النفط الخام تتمثل في النكسة التي حدثت بين عامي 1981 و1986.

وتعود هذه النكسة إلى الأزمات النفطية في السبعينيات وبداية الحرب بين العراق وإيران عام 1980، وهما منتجان ومصدّران رئيسيان للذهب الأسود.

وقتها بدأ الانهيار الشديد للبرميل في أبريل/نيسان 1981، قبل ثلاثة أشهر فقط من بدء الركود في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل البطالة تقفز إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ الكساد الكبير.

وأفاد الكاتب أيضا بأنه في عام 1986 -بعد عام من زيادة السعودية بشكل غير معقول الإنتاج لتوسيع حصتها في السوق- انخفض سعر البرميل بنسبة 75% تقريبا (الأسعار هبطت من 27 دولارا إلى عشرة دولارات)

وبدءا من عام 1992 إلى عام 1997، شهد سعر برميل النفط تراجعا ساحقا مرة أخرى (انخفضت الأسعار إلى أقل من 16 دولارا)، ويرجع ذلك أساسا إلى ثلاثة عوامل:

يرتبط العامل الأول بالطريقة التي تضخم بها السعر خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980-1988)، آنذاك كان كل من العراق والكويت من كبار المنتجين والمصدرين، وبين عشية وضحاها تغيرت كل المعطيات.

ويتمثل العامل الثاني في التأثير المشترك لحرب الخليج الثانية لتحرير الكويت 1991 وعودة الصادرات الكويتية إلى مستويات ما قبل الحرب، وذلك عام 1994.

والعامل الثالث تعلق بالأزمة قصيرة المدى ولكنها مدمرة بالنسبة لجنوب شرق آسيا في عامي 1997 و1998 (تراجعت أسعار النفط من نحو 37.7 دولارا إلى 10.4 دولارات)، وقتها انخفض إجمالي الناتج المحلي لكوريا الجنوبية بنسبة 5.5%، وتضاعفت البطالة بمعدل ثلاث مرات، رغم أن اقتصادها استعاد الثروة المفقودة عام 1999.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإسبانية + رويترز