2600 منتج "ممنوع" من الاستيراد بالجزائر.. هل يسكت الاتحاد الأوروبي؟

الحكومة الجزائرية ترفع الرسم الإضافي المؤقت على 2600 منتج أجنبي (الجزيرة)
الجزائر ستطبق رسوما جمركية تصل حتى 200% على الأصناف المستوردة التي تعرف نسبة إنتاج محلي يضمن تغطية السوق الوطنية (الجزيرة)

تستعد الحكومة الجزائرية إلى رفع حزمة المواد المستوردة الخاضعة للرسم الإضافي المؤقت من 998 إلى 2600 منتج، بعدما تمّ الشروع في إعادة تحيينها ودراستها بداية من شهر مايو/أيار 2019، وسيتم الكشف عن القائمة الجديدة بعد مصادقة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون قريبا، وفق ما أعلنه مؤخرا وزير التجارة، كمال رزيق، أمام لجنة برلمانية.

وأوضح رزيق للتلفزيون العمومي، في فبراير/شباط الماضي، أن فرض الرسم الوقائي الإضافي يأتي لكبح "العشوائية"، التي يعرفها نشاط الاستيراد، سواء من حيث صنف المنتجات أو الكميات المستوردة، معتبرا ذلك "مطية لتهريب العملة من خلال التضخيم في الفواتير".

وكشف الوزير حينها أنه سيتم تطبيق رسم جمركي من 100 و150 إلى 200% على كافة الأصناف المستوردة التي تعرف نسبة إنتاج محلي يضمن تغطية السوق الوطنية.

أما في حال وجود نقص في الإنتاج الوطني، فإن الرسم الوقائي يكون في نطاق 30 إلى 50%.

ولجأت السلطات الجزائرية إلى التضييق على التجارة الخارجية للتقليص من فاتورة الاستيراد إلى حدودها الدنيا، بعد تآكل احتياطي الصرف إثر تراجع أسعار النفط منذ نهاية 2014.

ويأتي الرفع الجديد لقائمة المواد الخاضعة للضريبة الإضافية، والذي يعني عمليا أنها صارت "ممنوعة" من الاستيراد وفق قواعد السوق التنافسية، ضمن تداعيات جائحة كورونا، التي أدت إلى انخفاض أكبر لسعر برميل النفط، كمصدر رئيس في الميزانية العامة للدولة.

ويعاني ميزان المدفوعات الجزائري من تنامي العجز، بفعل تراجع مداخيل صادرات المحروقات، حيث أعلن الديوان الوطني للإحصائيات، مطلع الأسبوع الجاري، عن تسجيل عجز تجاري بقيمة 7.6 مليارات دولار خلال السدس الأول من 2020.

الجزائر تضيق الخناق على التجارة الخارجية لتقليص فاتورة الإستيراد وتهريب العملة الصعبة (الجزيرة)
الجزائر تضيق الخناق على التجارة الخارجية لتقليص فاتورة الاستيراد ووقف تهريب العملة الصعبة (الجزيرة)

ماذا عن موقف أوروبا؟

يجزم مراقبون للشأن الاقتصادي في البلاد بأن قرار الحكومة الجزائرية -التي تحضر أصلا لمراجعة اتفاقها للشراكة مع الأوروبيين- سيثير اعتراض شركائها في الفضاءات الدولية والإقليمية، وعلى رأسهم "الاتحاد الأوروبي" كأول شريك تجاري لها، خاصة في ظل حالة الانكماش الاقتصادي مع الجائحة، حيث يبحث عن أسواق لسلعه.

ويتوقع متابعون أن الاتحاد الأوروبي لن يسكت حيال التوجه الطارئ، وقد يستعمل الكثير من الأوراق ضد الجزائر، بما فيها اللعب بورقة الأمن في الساحل الأفريقي.

لذلك ينصحونها بالقنوات الدبلوماسية التفاوضية لإقناع شركائها بخصوصية وضعها الحرج، عوض الخيارات "التعسفية الانفرادية"، على حد تعبيرهم.

يشار إلى أن الجزائر مرتبطة باتفاق للشراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ 2005، من أبرز محاوره حرية تنقل البضائع، وبلغ مع بداية سبتمبر/أيلول الماضي طور التفكيك الجمركي بإنشاء منطقة للتبادل الحر.

كما أكدت المديرية العامة للجمارك الجزائرية أن أهم المبادلات التجارية للجزائر تمت مع أوروبا خلال 2019، حيث قدرت بـ58% من الحجم الإجمالي للتجارة الخارجية، بقيمة 45 مليار دولار.

التحكيم الدولي

أكد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن عيّة، أن مضمون اتفاقية الشراكة الجزائرية مع الاتحاد الأوروبي هو إعفاء تدريجي لكل التعريفات الجمركية المفروضة على كل السلع الصناعية ومنتجات أخرى غذائية صناعية ومواد فلاحية ذات المنشأ الأوروبي عند دخولها إلى الجزائر مباشرة، مقابل استفادتها من الامتيازات الجمركية نفسها للسلع نفسها عند دخولها إلى دول الاتحاد الأوروبي، مع إضافة منتجات الصيد البحري.

عبد الرحمان عيّة الإتحاد الأوربي سيلجأ إلى التحكيم الدولي وإستعمال النفط والغاز ضد الجزائر (الجزيرة)
عبد الرحمن عيّة: الاتحاد الأوروبي سيلجأ إلى التحكيم الدولي واستعمال ورقة النفط والغاز ضد الجزائر (الجزيرة)

وقال عيّة للجزيرة نت إن إعداد قائمة للمواد الخاضعة للرسم الإضافي المؤقت إذا كانت تضم منتجات محل الاتفاقية يعد إخلالا ببنود الشراكة التي دخلت حيز التنفيذ فعليا وكليا في سبتمبر/أيلول 2020.

وأوضح أن وزارة التجارة الجزائرية لم تعلن عن تمديد التفكيك الكلي؛ إلا إذا كان هناك اتفاق سري، وهو ما قد يدفع بالاتحاد الأوروبي للتوجه إلى التحكيم الدولي.

في مقابل ذلك، يمكن للحكومة الجزائرية، بحسب المتحدث، أن تلجأ إلى رخص الاستيراد، على اعتبار أنها الآلية القانونية الوحيدة المقبولة عندما يتضرر طرف تجاري في إطار اتفاق دولي.

النفط والغاز

غير أن ذلك قد يلقى رفضا من دول الاتحاد الأوروبي التي قد تتخذ إجراءات مضادة، من أهمها تخفيض التزود بالغاز الطبيعي والبترول من الجزائر، وهو ما سيؤدي إلى تراجع المداخيل بالعملة الصعبة، التي تعد ضرورية لتمويل أزيد من 95% من المنتجات المستوردة، كما ستنخفض موارد الجباية (الضريبية) البترولية التي تعد إيرادات أساسية لتمويل الإنفاق الحكومي الداخلي، على حد تعبيره.

كما أن رخص الاستيراد يضر بالاقتصاد الوطني كثيرا -والكلام للخبير عيّة- بالنظر إلى ارتباط الجزائر من حيث التمويلات بالأسواق الخارجية في ظل ضعف الإنتاج الوطني، الذي لا يسمح بإحلال واردات المنتجات الأوروبية.

وأضاف أن المشكلة ليست في تدفق السلع الأوروبية فحسب؛ ولكن أصل المشكلة هو ضياع أموال مصدرها الرسوم والضرائب الجمركية، التي تعتبر حاليا ضرورية لتمويل ميزانية الدولة.

مصطفى بن بادة على الحكومة الجزائرية تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لإقناع الأوربيين بحساسية وضعها الداخلي (الجزيرة)
بن بادة: على الحكومة الجزائرية تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لإقناع الأوروبيين بحساسية وضعها الداخلي (الجزيرة)

الدبلوماسية الاقتصادية

يعد الوزير السابق للتجارة، مصطفى بن بادة، أنه من الطبيعي جدا محاولة الاتحاد الأوروبي الضغط على الجزائر لثنيها عن المضي في إجراءاتها الحمائية، "كون السوق الجزائرية وبأكثر من 40 مليون مستهلك تمثل متنفسا كبيرا للمؤسسات الأوروبية، خاصة في فترة الركود الكبيرة التي يعرفها اقتصاد القارة العجوز حاليا".

لكن الجزائر التي تعرف هي الأخرى أزمة اقتصادية حادة منذ 2014، زادتها تعقيدا جائحة فيروس كورونا المستجد، لا تملك خيارات كثيرة للمحافظة على نسيجها الاقتصادي الضعيف، يؤكد بن بادة.

وبرر في تصريح للجزيرة نت لجوء الجزائر إلى سياسات وقائية، لحماية مناصب الشغل المهددة وبعض المداخل الجبائية الضرورية لسد مصاريف الدولة الملحة.

وقال إن الجزائر يمكنها أن تلوح بورقة خطر تزايد الهجرة غير الشرعية على أوروبا، في حال تعرضت البلاد إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المؤدية إلى تدهور مستوى معيشة الجزائريين، لا سيما الشباب منهم.

ويقترح بن بادة على الحكومة الجزائرية تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، والتحضير لجولات حوار؛ بل مفاوضات قد تكون صعبة وشاقة، لإقناع شريكها الأوروبي، بجدوى التدابير المزمع اتخاذها، وأنها تصب في مصلحة الطرفين في نهاية المطاف.

المصدر : الجزيرة