الصراع التجاري بين الدول.. هل ماتت التجارة الحرة؟

USA and China flag print screen on arm wrestle with world map background.United States of America versus China trade war disputes concept. - Image
الصفقة التجارية المنتظرة بين أميركا والصين تُكذّب ما ذهب إليه ترامب من أن الحروب التجارية جيدة وسهلة الفوز (غيتي)

سيطر الصراع على التجارة على العناوين الاقتصادية في عام 2019، لذلك من المدهش أن العام انتهى مع تقدم كبير في ثلاث اتفاقيات تجارية، كل واحدة منها تروي قصة مختلفة عن نظرتها لكل من الاقتصاد العالمي والعلاقات بين الأمم.

وفي تقريره الذي نشره "موقع معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالية"، قال الكاتب دافيد أورين إنه إلى جانب الصفقة التي أبرمت بين الولايات المتحدة والصين، فازت إدارة دونالد ترامب باتفاق من الديمقراطيين لإجراء تغييرات على الصفقة التجارية المنقحة مع المكسيك وكندا.

وأضاف الكاتب أنه على الجانب الآخر من العالم، حدد اجتماع لمسؤولي رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تاريخ 13 مارس/آذار 2020 لتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، سواء قررت الهند العضو المتمرّد المشاركة أم لا.

وبيّن الكاتب أن الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي كانت تهدف إلى ضم دول الآسيان العشر، بالإضافة إلى الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان ونيوزيلندا وأستراليا، كاتفاق محدود لخفض التعريفات الجمركية على المواد غير المثيرة للجدل، تحوّلت منذ بدء المفاوضات في عام 2012 إلى اتفاقية اقتصادية تشمل الخدمات والاقتصاد الرقمي والاستثمار الأجنبي والملكية الفكرية وإدارة سلسلة التوريد.

اتفاقية المرحلة الأولى
كشف الكاتب عن أن "المرحلة الأولى" من الصفقة بين الولايات المتحدة والصين تُكذّب التغريدة الجريئة للرئيس دونالد ترامب في أوائل عام 2018، التي تفيد بأن "الحروب التجارية جيدة وسهلة الفوز".

في الحقيقة، وافقت الولايات المتحدة على هذه التسوية الجزئية، لأن الحرب التجارية كانت تفرض تكلفة عالية بشكل غير مقبول على المزارعين الذين كانوا حاسمين في فوز ترامب عام 2016.

وتوفر الصفقة للقطاع الزراعي الأميركي بعض المكاسب، ربما على حساب موردين آخرين بما في ذلك أستراليا والبرازيل. كما أنها تضع حدا لإمكانية التصعيد الكبير في حرب التعريفات وتتضمن التراجع الجزئي لبعض التعريفات.

وأفاد الكاتب بأن الدوافع وراء الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة كانت مختلطة، بما في ذلك الرغبة في تضييق العجز التجاري الأميركي، والاعتقاد بأن الصين كانت تتنافس بشكل غير عادل بسبب دور الدولة في اقتصادها، والاستيلاء الصيني على التكنولوجيا الأميركية، والمنافسة الإستراتيجية العامة بين القوى الراسخة والقوى الناشئة حديثا.

بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الصفقة بعض وسائل الحماية الإضافية للتكنولوجيا، ولكنها تترك هذه المشاكل دون حلول.

وبينما فشلت الصفقة في معالجة المخاوف الأساسية للولايات المتحدة، فإنها تبقى أحادية الجانب تماما، مع كل التنازلات التي قدمتها الصين. فهي تعكس إيمان الإدارة الأميركية بأنها ستربح صفقة أفضل عن طريق ممارسة قوتها على الشركاء التجاريين على أساس ثنائي، وليس من خلال منظمة التجارة العالمية، وفق الكاتب.

وأورد الكاتب أن الصفقة تتضمن آلية لتسوية المنازعات، وهو أمر مثير للسخرية بالنظر إلى أن الولايات المتحدة أجبرت هيئة استئناف المنازعات التجارية التابعة لمنظمة التجارة العالمية على الإغلاق عن طريق استخدام حق النقض في جميع تعيينات القضاة الجدد.

مصلحة أميركا
على النقيض من ذلك، فإن البديل الجديد لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية يتسق مع قواعد منظمة التجارة العالمية، يقول الكاتب.

ورغم أن دونالد ترامب قد ألغى اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية خلال الحملة الانتخابية، فإن الصفقة المحدثة (اتفاق نافتا الجديد) مع كندا والمكسيك كانت تعديلا وليس إعادة كتابة.

وأشار الكاتب إلى أن كندا والولايات المتحدة وافقتا على فتح بعض أسواق الألبان الخاصة بهما، بينما يُطلب صنع 75% من السيارات من محتواها في المنطقة التجارية للتمتع بتجارة دون رسوم جمركية.

كما أن هناك فصولا جديدة حول الملكية الفكرية والتجارة الرقمية، تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ الأصلية التي رفضتها إدارة ترامب، وتعكس هذه الفصول مصالح شركات التكنولوجيا الأميركية.

واقتنع الديمقراطيون والنقابات الأميركية بدعم الصفقة من خلال إنشاء لجنة للتحقق من مدى التزام المكسيك بمعايير العمل وعبر تعزيز المعايير البيئية، وقد تؤدي اعتراضات المكسيك على مراقبة معايير العمل الخاصة بها إلى إلغاء الصفقة، وفق الكاتب.

وفي حين أن البنود العمالية تعكس سياسة وقائية أميركية جديدة، فإن الصفقة تُظهر أن إدارة ترامب والديمقراطيين والحركة العمالية الأميركية تقبل جميعها بأن الاتفاقات المتسقة مع منظمة التجارة العالمية يمكن أن تكون موجهة لخدمة المصلحة الوطنية لأميركا.

‪الكاتب يعتقد أن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية الجديدة تتسق مع قواعد منظمة التجارة العالمية‬ (رويترز)
‪الكاتب يعتقد أن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية الجديدة تتسق مع قواعد منظمة التجارة العالمية‬ (رويترز)

اتفاقية الشراكة
وأضاف الكاتب أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التجارية التي لا تشمل الولايات المتحدة تُظهر أن شعلة التجارة الحرة لا تزال متقدة في المنطقة الآسيوية.

لم تصدُر تفاصيل بعد، لكن من المفهوم أن 95% من البضائع المتاجر بها في المنطقة التي تمثل ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي، ستكون في نهاية المطاف معفاة من التعريفات الجمركية.

في الأصل، يطلب الفصل المتعلق بالاستثمار من الأعضاء تحديد القطاعات التي سترحب فيها اقتصاداتها بالاستثمار الأجنبي، مع افتراض أن كل شيء آخر مقيد.

ويتطلب الإصدار الأخير من البلدان تحديد القطاعات المقيدة، مع افتراض أن كل شيء آخر مفتوح للاستثمار الأجنبي.

وذكر الكاتب أن الفصول الخاصة بتسهيل التجارة والخدمات صُممت لتقليل الحواجز البيروقراطية التي تحول دون ممارسة الشركات للتجارة والعمل خارج الحدود.

في الواقع -يضيف الكاتب- كان قرار الهند في نوفمبر/تشرين الثاني بالانسحاب من الاتفاقية بمثابة ضربة لآمال مناصريها الذين كانوا يأملون في أن تحصل البلاد على ما يكفي من القوة للتعويض عن ظهور السياسة الوقائية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

كانت الهند -يتابع الكاتب- على وشك إبرام اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، لكنها شعرت بالقلق من أن تُثبت الشركات الصينية قدرتها التنافسية أمام نظيراتها الهندية.

وأورد الكاتب أنه إلى جانب الأهمية الاقتصادية التي تتميز بها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، فهي تتمتع أيضا بأهمية إستراتيجية.

وبحسب الكاتب، تستخدم اليابان وكوريا الجنوبية القيود التجارية كأسلحة في نزاعهما حول مدى ندم اليابان على فظائع الحرب، وستضع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة حدا لذلك من خلال ربط كليهما بإطار عمل تجاري مفتوح جديد.

كما أن اتفاقية التجارة الإقليمية الرسمية التي تربط اليابان والصين من شأنها أن تعزز الروابط الاقتصادية التي تكون عرضة للاضطرابات القومية.

قبل كل شيء، تُظهر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة أن رابطة الآسيان ليست مجرد اتفاق بين دول متباينة ولكن قريبة جغرافياً. فقد كانت الآسيان القوة الدافعة وراء اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، حيث صاغت ما يحتمل أن يصبح مكونا مهما لدى الهيكل المؤسسي للتجارة العالمية.

المصدر : مواقع إلكترونية