لماذا عاد اسم الإمارات من جديد إلى القائمة الأوروبية السوداء؟

General view of Dubai's cranes at a construction site in Dubai, UAE December 18, 2018. REUTERS/Satish Kumar
ميشال توب: سيتعين على دبي يوما ما أن تخفض سقف طموحاتها (رويترز)

خلال سبتمبر/أيلول 2018، ورغم التسريبات المروعة بشأن تورطها في التحايل وغسل الأموال على مستوى عالمي، بدت الإمارات العربية المتحدة بعيدة كل البعد عن المحاسبة، وفقا لموقع إخباري فرنسي.
 
ويتساءل الكاتب ميشال توب في تقريره بموقع "أوبينيون إنترناسيونال": "بعد مضي ستة أشهر، عاد اسم الإمارات من جديد للائحة الأوروبية السوداء، لكن لماذا -ولكم من الوقت- سيبقى اسمها على هذه اللوائح؟

وللرد على هذا لتساؤل، يمضي الكاتب فيقول "في الحقيقة، من المنتظر أن يُتناول هذا الموضوع خلال مؤتمر سيعقد في الرابع من أبريل/نيسان القادم أمام الجمعية الوطنية الفرنسية". 
 
ووفقا للكاتب، سيشارك في هذا المؤتمر كل من النائب في البرلمان الفرنسي سيباستيان نادو، والصحفي في قناة "بي آف آم تي في" وإذاعة فرانس أنتير أنتوني بيلانجي، ورجل الأعمال والروائي صاحب كتاب "دبي، ثمن النجاح" نبيل مالك، والمهندس الفرنسي بيير-لويس فيرن الخبير في الشأن الإماراتي الذي قضى في الإمارات نحو عشر سنوات.

وذكّر الكاتب بالقرار الدولي الذي اتخذ سنة 2010 لتعزيز مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي وغسل الأموال على نطاق عالمي، مبينا أن بعض الدول اتخذت تدابير واهية في هذا الصدد، في حين لم تلتزم دول أخرى باتخاذ أي إجراءات، مثل الإمارات.
 
ويفيد الكاتب بأن الإمارات -وبالنظر إلى موقعها المتميز- تستغل تدخلها في النزاعات الإقليمية مع حليفتها السعودية من أجل الإفلات من العقاب.

ويؤكد أن إدراج اسم الإمارات من جديد على اللائحة السوداء هو بمثابة فرصة مهمة للاتحاد الأوروبي لتجميل صورته قبل بضعة أشهر من عقد انتخابات البرلمان الأوروبي، التي ستكون حساسة للغاية.
 
ويذكّر ميشال توب بقرار الاتحاد الأوروبي -بعد كرّ وفرّ- إدراج الإمارات في 12 مارس/آذار الجاري ضمن قائمته السوداء الجديدة بالدول التي تمثل ملاذات ضريبية.

سبب الإدراج
وبعد أن كان اسم الإمارات شُطب منذ سنة تقريبا من هذه اللائحة، يتساءل عن سبب إدراجها من جديد؟

وللرد على ذلك، يقول الكاتب إن الحقيقة هي أن ظاهرة التهرب الضريبي وغسل الأموال بدأت تأخذ بعدا جيوسياسيا.

ويذكّر الكاتب في هذا الصدد "بأوراق دبي" التي سرّبتها مجلة "لونوفل أوبسرفاتور" في تقرير لها نشر في الخامس من سبتمبر/أيلول 2018. فما علاقة تلك الأوراق بالتهرب الضريبي؟
  
ويلفت إلى من بين رؤوس الأموال المتهمة بالتهرب الضريبي "مجموعة هيلين"، التي تتخذ من الإمارات مقرا لها.

ويضيف أن "مجموعة هيلين" تعرف جيدا كيف تختار عملاءها، حيث تتعامل مع أثرياء عالم المال والصناعة، خاصة الفرنسيين منهم، علاوة على أغنياء عالم الرياضة، ناهيك عن تعامل هذه المجموعة مع متنفذين روس وبعض الأرستقراطيين.
 
وعن سبب اتخاذ الاتحاد الأوروبي قرار إدراج دبي على لائحة الملاذات الضريبية، يبين الكاتب أن الأوروبيين مهتمون بأكثر من مئتي عميل بمجموعة هيلين في الإمارات وبملايين اليوروهات المهربة ضريبيا، خاصة في أوروبا.

ويضيف أنهم يحاولون كشف الدور الذي تلعبه الإمارات في هذه القضية، إذ إنه للوهلة الأولى لا يظهر أي سبب يدعو هذا البلد إلى منح امتيازاته لمجموعة هيلين حصرا.

الأموال القذرة
ويؤكد الكاتب أن الأوساط "المطلعة"، على خلاف عامة الناس، تعرف فعلا أن دبي ليست مجرد مدينة حديثة في قلب الخليج العربي، يراها البعض جنة سياحية تتباهى بفخر بفنادقها الفخمة وأبراجها العالية.

ويدفعه ذلك للتساؤل: لماذا الانتظار إلى حدود عام 2019 لإدراك حقيقة أن الإمارات العربية المتحدة هي منصة حقيقية لغسل الأموال القذرة، على نطاق واسع، أو ربما واسع جداً؟

من المؤكد أن موقف السلطات الإماراتية، الذي يراوح بين الغطرسة والأكاذيب والتستر، قد أسهم في اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراره.

وكما أشار المحامي وليام بوردون، رئيس جمعية شيربا التي تحارب التهرب الضريبي، وقّعت دبي على جميع الاتفاقات ضد غسل الأموال والتهرب الضريبي، مثل توقيعها على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عام 2000.

ويبرز الكاتب -في هذا الصدد- أن وليام بوردون أشار في سبتمبر/أيلول 2018 إلى أن "الاعتقاد بأن العقوبات يمكن أن تكبح جماح دبي يظل إلى حد الآن مجرد وهم". مع ذلك، وضع الاتحاد الأوروبي الإمارات في قائمة الملاذات الضريبية في 12 مارس/آذار 2019. لكن، ماذا حدث في هذه الأثناء؟ يتساءل الكاتب.

الواقع، أن هذه ليست المرة الأولى لأن دولة الإمارات أُدرجت بالفعل على القائمة السوداء عام 2017، قبل أن تُحذف منها بعد تقديم التزامات ووعود لم تف الدولة بها أبدا.

لهذا، كانت الفرصة جيدة للغاية بالنسبة لاتحاد أوروبي تنتقده شعوبه بشدة، لدرجة أن استمراريته بدت مهددة، لإظهار قوته والبرهنة على قدرته على حماية بلدانه، خاصة من خلال مكافحة التهرب الضريبي وغسل الأموال القذرة للمواطنين الأوروبيين.

"مصائب قوم"
من جانبها، اعتبرت الإمارات التدابير الدولية التي اتخذتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2010، ومآسي البنوك السويسرية، بمثابة فرصة سانحة لاستقطاب رؤوس الأموال، بما في ذلك تلك التي اكتسبت بالحيل، وجذب الكثير من الأغنياء الجدد من مختلف أنحاء العالم.

وليست دبي منتجة للطاقة، كما لا تدين "لاس فيغاس" العالم العربي بنموها المذهل لسياحتها فقط، بل أصبحت مركزًا دوليا لغسل الأموال غير المشروعة، أو "آلة غسيل عالمية للمال القذر"، وفقا لما أورده بوردون.

وخلص الكاتب إلى أنه من الآن فصاعدًا، سيتعين على دبي تغيير برنامج غسل الأموال الخاص بها، أو المخاطرة باختلال هذه الآلة. ويوما ما، سيتعين عليها دفع تكاليف تجديد أبنية أكثر من فرعونية ممولة دون غاز أو نفط، أو التفكير في خفض سقف طموحاتها بشكل كبير.

المصدر : الصحافة الفرنسية