شرق وغرب.. مستشرقون تشيك تميزوا في دراسة الأحرف والمخطوطات الشرقية القديمة

نسخة من القرآن الكريم تزين متحف نابرستك وتعود للقرن 19 (الجزيرة نت)
نسخة من القرآن الكريم تعود للقرن الـ19 معروضة في متحف نابرستك في العاصمة التشيكية براغ (الجزيرة)

براغ – يلاحظ المتجول في المتاحف التشيكية، تحفا تاريخية ومخطوطات عديدة من حضارة بلاد الرافدين والعالم الشرقي القديم، أصبحت جزءا من تاريخ التشيك منذ عصر نهضتها القومية.

ويعكف خبراء تشيك على دراسة هذا التراث القيم -بما في ذلك مخطوطات الأحرف والكتابة المسمارية (طريقة كتابة استعملت لعدة لغات منها السومرية والأكدية في العراق القديم)- متسلحين بخبرات علمية وشغف لكشف أسرار الثقافات القديمة، مستخدمين مهارتهم في دراسة النقوش واللغات العريقة.

وفي تسعينيات القرن الماضي، تطور علم الأحرف والمخطوطات القديمة في التشيك بفضل جيل من المستشرقين البارزين، واليوم يتم البحث في هذا المجال في 3 مراكز، هي: معهد الشرق الأدنى القديم بجامعة تشارلز الشهيرة، ومعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم التشيكية، ومتحف نابرستك للحضارات الأفريقية والآسيوية.

نبض بأسرار الزمن

في جولة للجزيرة نت في متحفي العاصمة براغ الوطني ونابرستك، يبدو الغموض والتشوق سيد الموقف، خاصة أثناء تفقد محتويات تكشف أسرار الماضي المبثوثة في المخطوطات القديمة مكتوبة بالأحرف المسمارية، حيث تنبض بأسرار الزمن وتروي قصة لغة قديمة منقرضة.

***صورة طولية للاستخدام الداخلي فقط*** مدخل متحف نابرستك براغ المعني بعلم الاحرف القديمة في الشرق الاوسط والادنى وافريقيا وامريكا اللاتينية (الجزيرة نت)
مدخل متحف نابرستك براغ المعني بعلم الأحرف القديمة في الشرق الأوسط والأدنى وأفريقيا وأميركا اللاتينية (الجزيرة)

ويدفعك تأمل القطع الفريدة والنادرة في المتحف للتساؤل: كيف بدأت اللغة الحيثية المشهورة في القرن الثالث قبل الميلاد؟، فثمة لوحة يعرضها المتحف يغطيها غبار التاريخ القديم وتعكس جهود العلماء لفك رموز هذه اللغة المندثرة، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من فهم تاريخنا وتطور اللغات عبر العصور.

وبسطت حضارة الحيثيين (1600-1178 قبل الميلاد) سيطرتها على الأناضول وشمالي سوريا، وكانت ندا للحضارات المعاصرة لها في بلاد الرافدين ومصر وبلاد فارس.

ربط الماضي البعيد بالحاضر

رئيس البعثة التشيكية للآثار والبحث في الحضارات القديمة بافيل أونديركا، يقول إن البروفيسور التشيكي يوستن فاتسلاف براشيك (1852-1924) أسس علوم رموز الحضارات القديمة، في حين تلميذه العالم التشيكي بيدرجيخ هروزني (1879-1952) هو بالفعل مؤسس علم الأحرف والخطوط المسمارية كفرع علمي مستقل.

ودرس بيدرجيخ هروزني المخطوطات والآثار في المتحف البريطاني بعد انضمامه لجامعة برلين عام 1901، واستطاع فك شفرة رموز اللغة الحيثية في عام 1915 وأدرجها ضمن الفصيلة الهندو-أوروبية للغات بعد تحليل دقيق. وبفضل رصد آثار الحيثيين وتحويل الكتابات والرسوم، كشف عن روابط لغوية مشتركة بين الثقافات عبر العصور والأزمان.

وثيقة من الاناضول قرن 16 (الجزيرة نت )
مخطوطة من الأناضول تعود للقرن الـ16 (الجزيرة)

وفي حديثه للجزيرة نت، يكشف البروفيسور أونديركا عن مغامرات البروفيسور هروزني في استكشاف حضارات غرب القارة الآسيوية، خاصة الحضارتين البابلية والسومرية في وادي الرافدين، حيث قام برحلة بحث ممتدة ومتنوعة، ووثق نتائجها في أكثر من 350 بحثا ودراسة متخصصة.

وفي عام 1919، اعترف العلماء حول العالم بالبروفيسور هروزني كمؤسس لعلم مستقل أطلق عليه اسم "علم الحيثية"، وبين العامين 1924-1925، تحقق حلمه بعد اكتشافه أرشيفا من مخطوطات لتجار قدماء في بلاد الشام الذين هاجروا إلى آسيا الصغرى في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد. ومن خلال تلك المخطوطات، تبين ارتباطها بالعلاقات التجارية بين سوريا وآسيا وشمال وادي الرافدين في ذلك العصر السحيق، الذي شهد نشاطا دؤوبا في التجارة.

ويختم أونديركا حديثه بالقول إن محتويات متحف نارستيك والمتحف الوطني في براغ يستقطبان -بأرشيفهما النادر- اهتمام الجمهور والطلاب الذين يدرسون الاستشراق بجامعة كارل، حيث يتم عرض مجموعة نادرة من المخطوطات التي عثر عليها الباحثون التشيك أمثال البروفيسور هروزني وتلميذه لوبور ماتوش الذي عين أستاذا عام 1952، ومن ثم أصبح متخصصا في علم الحضارة الآشورية بجامعة كارل التشيكية، وارتبط اسمه بأول مؤلف تشيكي حول قواعد اللغة الأكادية وتفسيراتها العلمية.

***صورة طولية للاستخدام الداخلي فقط*** منظر المتحف الوطني في براغ الذي تم الترحيب بالجزيرة نت وقدم المعلومات_
المتحف الوطني في براغ (الجزيرة)

تعاون مثمر بين الغرب والشرق

قبل

وهنا في جمهورية التشيك، يقول كروباتشيك، تتم متابعة هذا التطور المهم للحضارة الإنسانية من خلال مجالات دراسة متقدمة لمصر القديمة (علم المصريات) وحضارات الشرق الأدنى (الشرق الأوسط).

***صورة طولية للاستخدام الداخلي فقط*** محتويات في متحف نابرستك براغ (الجزيرة نت)
قطع قديمة بمتحف نابرستك في العاصمة براغ (الجزيرة)

ويشير كروباتشيك في حديث للجزيرة نت، إلى دور البروفيسور بيدرجيخ هروزني الذي تولى رئاسة جامعة تشارلز في براغ عام 1940، وشارك في تأسيس معهد الاستشراق التشيكي عام 1927، واعتبر تاريخ ميلاده من بين التواريخ الثقافية العالمية لليونسكو تقديرا لدوره في إثراء الثقافة العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك، كان تلميذه جوزيف كليما (1909 – 1989) من أبرز العلماء في مجال الاستشراق وتاريخ القانون المسماري للشرق الأدنى القديم. وكان له خلفية قانونية؛ إذ عمل محاميا شطرا كبيرا من حياته، واستفاد من هذه المعرفة في ترجمته لقانون حمورابي الشهير، أقدم عمل قانوني في تاريخ البشرية، ونشرها في براغ عام 1954.

علاوة على ذلك، طبّق كليما المعرفة الاستشراقية والقانونية في أعمال مثل قانون الميراث البابلي القديم، مما أظهر تناغما بين المجالين وإسهاما قيما في فهم تاريخ المنطقة وتراثها القانوني.

***صورة طولية للاستخدام الداخلي فقط*** مدخل جامعة تشارلز الشهيرة التشيكية في وسط براغ (الجزيرة نت )
مدخل جامعة تشارلز التشيكية وسط براغ (الجزيرة)

ويضيف كروباتشيك، الذي درس اللغة العربية في جامعة الأزهر بالقاهرة، وهو رئيس قسم العلوم الإسلامية بجامعة تشارلز سابقا، أن جمعية الاستشراق التشيكية تأسست عام 1958، واشتهرت بمشروعها الذي يحمل اسم "شرق غرب"، حيث أقامت تعاونا وثيقا مع منظمة اليونسكو لتبادل القيم الثقافية بين الحضارات الغربية والشرقية.

وبالإضافة إلى ذلك، يضم معهد الاستشراق في جامعة تشارلز في براغ أكثر من 40 باحثا علميا متخصصا في مختلف الفروع، بدءا من التاريخ القديم وصولا إلى اللغات والفلسفة والأدب، إذ يجيد كل باحث على الأقل إحدى اللغات الشرقية إضافة إلى اللغات العالمية، مما يمكنهم من الاستفادة من المصادر الأصلية والمتخصصة.

ويسهم التعاون المشترك مع المؤسسات العلمية والأكاديمية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى في تبادل الخبرات والمواد العلمية والأبحاث، ما يساهم في تعزيز التقارب بين الثقافات وفهم تاريخها وحاضرها.

المصدر : الجزيرة