مرو مدينة سلجوقية باقية عبر الزمن في تركمانستان

دمر التتار مدن خراسان مثل نيسابور وبلخ وهرات ومرو، في القرن السابع الهجري، ومر ابن بطوطة بمنطقة ما وراء النهر إلى خراسان وقال إن بلخ ومرو خربتان، وانخفضت أهمية المدينة كثيرا بعد ذلك الدمار الهائل.

مقبرة عالم الدين الجليل يوسف الهمداني في قرية بيرمالي يعود تاريخها للقرن الـ 12 الميلادي (شترستوك)

تعتبر مدينة مرو التاريخية، جنوبي تركمانستان، أحد أهم المراكز الحضارية والثقافية في التاريخ الإسلامي التركي، حيث عاش هناك علماء وشخصيات هامة، بينهم سلاطين سلاجقة.

ورغم مرور قرون، ما تزال مرو محافِظة على الأبنية والأضرحة التاريخية فيها، فهي تحتضن العديد من المكتبات والأضرحة والقلاع والأبنية.

وتضم قلعة أرك التي تعد الأقدم في المنطقة والمبنية في القرن الخامس قبل الميلاد على مساحة 20 هكتارا، إذ ما تزال تحافظ على جدرانها المرتفعة 25 مترًا رغم مرور السنين.

وبالقرب من أرك تقبع قلعة غاور على طول كيلومترين ومساحة 400 هكتار تحيط بقلعة أرك.

وفي تصريح للأناضول، أوضح الخبير بالمنطقة مردان جمعة نازاروف أن مرو تقع على طريق الحرير التاريخي الذي لعب دورا مهمًا في تحويلها إلى مركز ثقافي.

وزاد "كان لطريق الحرير أثر كبير في التعرف على الثقافة الغربية وثقافات الشعوب المجاورة في مرو، واكتشاف العديد من الآثار العائدة لديانات مختلفة في الحفريات التي أجرت بقلعة غاور".

وتعد قلعتا الفتاة الكبيرة والصغيرة من الأماكن المفضلة زيارتها أيضًا في مدينة مرو الشهيرة بقلاعها، حيث يرجع خبراء صمودها حتى يومنا هذا رغم بنائها من طوب اللبن الخام، في القرن السادس، إلى أنه نتيجة للإتقان المعماري والهندسي في بنائها، بحسب نازاروف.

ومنطقة خراسان الكبرى منطقة تاريخية شملت شمال غرب أفغانستان الحالية وأجزاء من جنوب تركمانستان، ومنطقة خراسان الإيرانية ومن مدنها هرات ونيسابور وطوس (مشهد) وبلخ ومرو وغيرها.

مرو في معجم البلدان

ومر الرحالة والجغرافي ياقوت الحموي بمرو وأقام فيها عدة سنوت، وقيل إنه جمع مادة كتابه فيها، وذلك لاشتهارها بالعلماء وخزائن كتبها، وكان يتمنى أن يبقى فيها مدة أطول لولا خطر هجوم التتار عليها، وأسهب في الحديث عنها في كتابه "معجم البلدان" الذي دون فيه قائلا:

"هذه مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، نصّ عليه الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور مع كونه ألّف كتابه في فضائل نيسابور إلا أنه لم يقدر على دفع فضل هذه المدينة، والنسبة إليها مروزيّ على غير قياس، والثوب مرويّ على القياس، وبين مرو ونيسابور سبعون فرسخا ومنها إلى سرخس ثلاثون فرسخا وإلى بلخ مائة واثنان وعشرون فرسخا اثنان وعشرون منزلا، أما لفظ مرو فقد ذكرنا أنه بالعربية الحجارة البيض التي يقتدح بها إلا أن هذا عربيّ ومرو ما زالت عجمية ثم لم أر بها من هذه الحجارة شيئا البتّة، وأما الشاهجان فهي فارسية معناها نفس السلطان لأن الجان هي النفس أو الروح والشاه هو السلطان".

قلعة الفتاة الكبيرة بنيت بالطوب اللبن خلال العصر السلجوقي (شترستوك)

وقد دمر التتار مدن خراسان مثل نيسابور وبلخ وهرات ومرو، في القرن السابع الهجري، ومر ابن بطوطة بمنطقة ما وراء النهر إلى خراسان، وقال إن بلخ ومرو خربتان، وانخفضت أهمية المدينة كثيرا بعد ذلك الدمار الهائل.

وكتب الحموي عن مرو "كان السلطان سنجر بن ملك شاه السّلجوقي مع سعة ملكه قد اختارها على سائر بلاده وما زال مقيما بها إلى أن مات وقبره بها في قبّة عظيمة لها شباك إلى الجامع وقبتها زرقاء تظهر من مسيرة يوم، بلغني أن بعض خدمه بناها له بعد موته ووقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن ويكسو الموضع، وتركتها أنا في سنة 616 على أحسن ما يكون، وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور، وأقمت بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيبا إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم منه في شدة عظيمة قلّ من ينجو منه في كل عام، ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرّفد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها".

وتابع "فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني أو عتيق بن أبي بكر وكان فقّاعيّا للسلطان سنجر وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو ثم صار شرابيّا له وكان ذا مكانة منه".

وزاد الحموي "وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب، وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته، ومات المستوفي هذا في سنة 494، وكان حنفيّ المذهب، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته وخزانتان للسمعانيين وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها والخزائن الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك، وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلّد وأكثر بغير رهن تكون قيمتها مئتي دينار فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن، وكثيرا ما كنت أترنّم عند كوني بمرو بقول بعض الأعراب:

أقمريّة الوادي التي خان إلفها من الدهر أحداث أتت وخطوب

تعالي أطارحك البكاء فإننا كلانا بمرو الشاهجان غريب

ضريح الألوية

وتحتضن تربة مرو ضريحي الصحابيين الجليلين الحكم بن عمرو الغفاري وبريدة بن الحُصَيب الأسلمي، اللذين يعتبران من أكثر الأماكن التي يزورها شعب تركمانستان في عصرنا.

وأشار الخبير نازاروف إلى أن سكان تركمانستان يطلقون اسم "ضريح الألوية" على مكان دفن الصحابي الأسلمي، لكونه كان حامل لواء الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.

ولفت إلى إطلاق السلطان السلجوقي ملك شاه اسم "باب الألوية" على المدخل الشرقي لقلعة السلطان التي بناها في القرن الـ 11، بسبب الاحترام الذي يكنه للصحابة.

جانب من ضريح عالم الدين يوسف الهمداني في مرو (شترستوك)

كما تضم مرو ضريح عالم الدين الجليل يوسف الهمداني. ويعتبر المسجد الكائن قرب الضريح مقصدًا للمسلمين وخاصة في صلوات الجمعة والعيدين (الفطر والأضحى) فضلًا عن كون الضريح أحد أكثر الأماكن زيارة في المنطقة، وفق نازاروف.

وتاريخيًا، دخل الإسلام إلى مرو في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، وبقيت عاصمة لإقليم خراسان في عهد الخلافة الأموية.

وقد اكتسبت أهميتها أكثر عندما أعلن أبو مسلم الخراساني بدء العهد العباسي في مرو، فأعاد تأسيسها واستخدمها قاعدة ضد الأمويين.

وبعد استقرار العباسيين في بغداد، استمر أبو مسلم في حكم مرو كأمير شبه مستقل حتى اغتياله نهاية المطاف.​​​​​​​

المصدر : الجزيرة + وكالة الأناضول