محاولات لحماية آثار كييف ولفيف.. الحرب الروسية تهدد التراث الثقافي الأوكراني

إلى الغرب من العاصمة الروسية، في وسط مدينة لفيف بغرب أوكرانيا، غُلّفت التماثيل المستوحاة من الأساطير الإغريقية والرومانية بأقمشة مشمعة وواقية من الحريق، في محاولة حثيثة لحمايتها من هجوم محتمل ولصون التراث الثقافي الغني من الحرب المدمرة.

تمثال ملفوف بجوار كنيسة مريم العذراء المعروفة أيضا باسم الكاتدرائية اللاتينية في لفيف غربي أوكرانيا (الفرنسية)

تضم أوكرانيا 7 مواقع للتراث العالمي بما في ذلك كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، التي تحتوى على فسيفساء فريدة ولوحات جدارية من أوائل القرن الـ16، ودير بيشيرسك لافرا الأرثوذكسي الذي يعود إلى عام 1051. ويعدّ الحي القديم بأكمله في لفيف، الذي يعود تاريخه إلى القرن الـ13، أحد مواقع التراث العالمي.

وتتزايد المخاوف على تراث أوكرانيا المادي والثقافي في حين يدخل القتال أسبوعه الثالث، وتسقط القذائف بجوار مواقع تاريخية ودينية وتراث ثقافي ثمين لا يقدر بثمن.

ويرى مؤلف كتاب "المسروقات الجميلة: النهب السوفياتي للكنز الفني في أوروبا" أن السيناريوهات الأكثر رعبا تشمل تضرر مراكز المتاحف الكبرى مثل كييف وأوديسا؛ إذ تضم العاصمة الأوكرانية (كييف) مجموعات ذات أهمية دولية، ويضم متحف الكنوز التاريخية لأوكرانيا نحو 56 ألف قطعة، بما في ذلك مجموعة ذهبية شهيرة من القرن الرابع قبل الميلاد، ويحتوي المتحف الوطني للفنون في كييف على مجموعة فنية رائعة.

كييف

قال فيدير أندروشوك، مدير المتحف الوطني للتاريخ في أوكرانيا في كييف، إنه كان يحاول حماية المتحف من الهجوم أو النهب مع اثنين من زملائه، وكتب في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى أكاديمي سويدي، نقلها موقع صحيفة "الغارديان" (the guardian) البريطانية "يقع المتحف في وسط منطقة تراث ثقافي غني بالقرب من 3 كنائس رائعة، لكنه قريب أيضا من بعض الأهداف المحتملة؛ "جهاز الأمن وقوات الحدود الأوكرانية".

وتمثل الآثار المعرضة للخطر "قرونا من التاريخ من العصر البيزنطي إلى العصر الباروكي"، وتعدّ ضمن مواقع التراث العالمي المدرجة على لائحة منظمة اليونسكو، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وقال بيان صادر عن منظمة الفنون العالمية التابعة لمتحف "غيتي" إن القوات الروسية بدأت تدمير التراث الثقافي الأوكراني بما في ذلك متحف إيفانكيف على بعد نحو 50 ميلا شمال كييف، الذي كان يضم "الفنون الشعبية الأوكرانية الثمينة".

وأضافت غيتي "التراث الثقافي المادي للعالم هو تراثنا المشترك، ويتسم بالهوية والإلهام للبشرية جمعاء. التراث الثقافي لديه القدرة على توحيدنا وهو حاسم لتحقيق السلام.. كما أنه غالبا ما يكون هدفا للحرب، وهي طريقة أخرى لتدمير المجتمع والاستيلاء عليه من خلال محو ذاكرته".

وأكدت أن "العديد من الاكتشافات التي عُثر عليها في أوكرانيا في القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 موجودة بالفعل في أفضل متحفين روسيين. وهناك أيضا أدلة على أن قطعا من الحفريات الأثرية في شبه جزيرة القرم قد أرسلت إلى متحف الإرميتاج في سان بطرسبورغ".

وكانت هناك "تعليمات راسخة تعود إلى الحقبة السوفياتية بشأن ما يجب أن تفعله المتاحف في حالة النزاع المسلح، لإزالة الأشياء وإخفائها بترتيب معين من الأولوية والتوثيق. وتكمن المشكلة في كيفية القيام بكل هذا مع ضيق الوقت والموارد".

وغردت وزارة الخارجية الأوكرانية في وقت سابق بشأن فقدان 25 عملا للفنانة الشعبية ماريا بريماتشينكو فى المتحف، "لقد صنعت روائع مشهورة عالميا، كما أن موهبتها الخاصة أسرت بابلو بيكاسو"، وتقديرا لإسهاماتها في مجال الفن الشعبي، أعلنت منظمة اليونسكو-هيئة الأمم المتحدة للثقافة والتراث عام 2009 عام بريماتشينكو.

وفي رسالته الإلكترونية، قال أندروشوك إن 4 متاحف في فينيتسا، وجيتومير، وسومي، وتشيرنيهيف "تمكنت من حماية معارضها الرئيسة ففي فينيتسا، ويستخدم مبنى المتحف الآن جزئيا للنازحين"، مضيفا "حتى الآن لم أسمع أن أيا من المتاحف المذكورة تعرض للنهب أو الهجوم".

وأردف "ليس هناك ما يضمن عدم نهب التراث الثقافي الأوكراني ونقله إلى المتاحف الروسية، بخاصة أن كييف لها مكانة خاصة في تفسير بوتين للتاريخ الروسي وجذوره".

لفيف

وإلى الغرب من العاصمة الروسية، في وسط مدينة لفيف بغرب أوكرانيا، غُلّفت التماثيل المستوحاة من الأساطير الإغريقية والرومانية بأقمشة مشمعة وواقية من الحريق، في محاولة حثيثة لحمايتها من هجوم محتمل ولصون التراث الثقافي الغني من الحرب المدمرة.

ويتوسط الساحة المركزية في مدينة لفيف -التي يسكنها 700 ألف شخص- تمثال الإله نبتون مع 3 منحوتات أخرى مستوحاة من الأساطير اليونانية والرومانية، لكن لم يعد يظهر من تمثال نبتون إلا الرمح الثلاثي، لأن التمثال مغلف، على غرار تماثيل الإلهة أمفيتريت والإلهة ديانا والإله أدونيس.

وتنتشر في المدينة مجموعة من الأفراد الحريصين على حماية التراث الثقافي الغني الذي حمل اليونسكو على إدراج المدينة في قائمتها للتراث العالمي.

ويقف وراء هذه الخطوة أندري ساليوك، مدير "جمعية حماية الآثار"، الذي يعمل في فترات السلم على توعية السكان والسلطات بضرورة حماية التراث، لكن ساليوك روى لوكالة "فرانس برس" قائلا "حين بدأت المرحلة الساخنة من الحرب، قال لي مؤرخ متخصص في تاريخ الفن إننا عند وقوع قصف، قد نفقد الزجاج المعشق".

وتابع ساليوك المولع بالتراث في حديث في مكتبه الذي تكسو جدرانه أعلام أوكرانية وشعارات الفرق العسكرية التي تقاتل في شرق البلاد "لم ننتظر حتى تتخذ الحكومة أي خطوة أو حتى يطلب أحد تمويلا. أمّنت المال وجمعنا فريقا واشترينا المواد"، مشيرا إلى مساعدة بعض المانحين.

عمال ينقلون قطعة فنية في متحف أندريه شبليتسكي بلفيف ضمن إجراءات للحفاظ على المقتنيات (أسوشيتد برس)

وإلى جانب أندري ساليوك، يشارك مرممون للقطع الفنية، ومقاولو بناء أيضا نصحوا بالمواد التي يجب استخدامها لحماية النوافذ الزجاجية الملونة في العديد من كنائس المدينة.

مقتنيات حساسة ولا مساعدات

يشرف الرجل الأربعيني أندري بوتشيكفا -أحد هؤلاء المرممين- على تركيب الألواح العازلة لحماية الزجاج المعشق في كاتدرائية انتقال العذراء التي يعود تاريخ بنائها إلى نهاية القرن الـ14.

ويقول وهو يراقب الرافعة التي تحمل الألواح "نحن مدركون جيدا أننا لسنا قادرين على حماية (الزجاج) من استهداف مباشر، لكننا نحاول حمايته قدر الإمكان من أي ضرر طفيف، أكان حريقا أو موجة صدم أو شظايا صغيرة".

وعلى أحد جوانب الكاتدرائية، غلفت منحوتة ضخمة تمثل القبر المقدس بالأغطية الواقية، تحت مراقبة ليليا أونيشتشنكو، مسؤولة حماية التراث الثقافي في بلدية لفيف.

وتقول أونيشتشنكو البالغة من العمر 66 عاما "كرست كل حياتي لحماية التراث الثقافي و(…) لا أريد أن تدمر نتائج عملنا في الحرب".

وفي كنيسة أرمينية، تم تفكيك مذبح خشبي عائد للقرن الـ14 ومرمم حديثا، ونقل من أجل حمايته "مثلما حدث في الحرب العالمية الأولى".

وحسب ليليا أونيشتشنكو، وضعت متاحف المدينة مقتنياتها في مأمن لحمايتها.

وبعد البدء بحماية "المقتنيات الأكثر حساسية"، يأمل أندري ساليوك الآن الانتقال إلى المرحلة التالية.

ويقول "يسألنا الناس عما سنفعل بالتحف الفنية داخل الكنائس. سنفرح بمساعدتهم والتنسيق معهم، لكن لا يمكننا القيام بكل شيء بمفردنا".

المصدر : الجزيرة + الفرنسية + غارديان