"الغنم تتطلع لأعلى".. خيال روائي تنبأ بأزمة المناخ قبل 50 سنة

بعض القراء الأوائل لرواية الكاتب البريطاني جون برونر "الغنم تتطلع لأعلى" قدموا تحليلا قاتما يفيد بأن جهود النشاط البيئي في ذلك الوقت كانت عديمة الجدوى، في حين يعتقد كثير من القراء أن الرواية دعوة للعمل والتحرك.

The Sheep Look Up Novel by John Brunner
أحداث رواية "الخراف تتطلع لأعلى" تدور في عام غير محدد في المستقبل القريب إذ أدت الأنشطة البشرية إلى تدمير شامل للبيئة (الجزيرة)

يعدّ الروائي البريطاني جون برونر (1934-1995) من أوائل المدافعين عن البيئة بالأدب، إذ قدمت روايته "الغنم تتطلع لأعلى" (1972) رؤية قاتمة لمآلات النظام البيئي المتضرر بشدة من ظاهرة تغير المناخ.

وفي مقاله الذي نشره موقع ذا كونفيرذيشن (the conversation) الأسترالي، قال الكاتب دان تايلور إن مؤلف روايات الخيال العلمي الراحل تنبأ في روايته التي كتبها منذ 50 سنة، بحدوث كارثة بيئية من خلال انتشار الضباب الدخاني في المدن واندلاع الحروب وتلوث المياه وتلف المحاصيل وهطول الأمطار الحمضية، فضلا عن تطرقه لتفشي جائحة الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية وانخفاض متوسط العمر المتوقع والخصوبة البشرية وانقراض العديد من السلالات الحيوانية، من بين الكثير من المواضيع الأخرى.

لا مزيد من الأبطال

ويوضح الكاتب أن برونر -الذي فقدت معظم كتبه المطبوعة، واتهم الناشرين بالتآمر عليه- ومن خلال أسلوب تجريبي يتسم بتوقعات كئيبة، ودون الاستعانة بشخصيات تجسد أدوار الأبطال أو حتى الأشرار، تطرق إلى انهيار النظام البيئي في الولايات المتحدة خلال 12 شهرا، ولا سيما بعد أن قضى التلوث على إمدادات المياه والغذاء، مستشهدا بدعوات أوستن ترين الذي كان يجسد دور خبير بيئي في الرواية، يسعى لإقناع الآخرين بأنه ينبغي على المجتمع التحرك لحماية السلالة البشرية، لكن دعواته تلْقى تجاهًلا في كامل الرواية.

ومن خلال هذه الرواية، يمجّد برونر -الحائز على جائزة "هوغو" لأفضل رواية عن روايته "الوقوف على زنجبار"- شجاعة النشطاء في مجال العدالة المناخية، مؤكدًا على أنه ينبغي عدم تجاهل نداءاتهم لحماية البيئة، والاستجابة لتحذيراتهم من خلال العمل على التخفيف من حدة تأثير البشرية على ظاهرة الاحتباس الحراري.

وينبّه الكاتب إلى أن الدول الغربية أضحت تلجأ للاستعانة بمصادر خارجية للتخفيف من التلوث الذي نحدثه في الأراضي البعيدة، موضحًا أن الوقت قد حان للتوقف عن الاستعانة بمصادر خارجية لمعالجة هذا الملف الشائك، كما جاء في المقال.

الفشل في التحرك لإنقاذ العالم

ويشير الكاتب إلى أن برونر كتب روايته في نفس العام الذي نشر فيه نادي روما -وهو مجموعة دولية تضم صناع السياسة والاقتصاديين وقادة الأعمال- تقريرًا مثيرًا للجدل حول التحديات التي تقف أمام ارتفاع النمو الاقتصادي، حيث استخدموا الخوارزميات ليحذروا من أن هذا الكوكب يفتقر إلى الموارد لتحقيق التوقعات الحالية للاستهلاك البشري والنمو.

ويلفت الكاتب إلى أنه منذ أوائل الستينيات، برزت مؤشرات على أن السلوك البشري المتهور تسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، موضحًا أن من بين المؤلفين الذين كانت لديهم نظرة استشرافية حول ما ينتظر المستقبل البشري، المؤلفة وعالمة الأحياء الأميركية راشيل كارسون (1907-1964) التي تحدثت في كتابها الذي كان بعنوان "الربيع الصامت" عن مخاطر تلوث البيئة، إضافة إلى تقرير اللجنة الاستشارية للعلوم الأميركية الذي تم إرساله سنة 1965 إلى الرئيس الأميركي آنذاك ليندون جونسون الذي تطرق للموضوع ذاته.

من جانب آخر، يقول الكاتب إن برونر ألقى نظرة ثاقبة في روايته "الغنم تتطلع لأعلى" على تبعات فشل الرأي العام في التحرك للتصدي لكارثة تتكشف أبعادها، حيث قالت إحدى شخصيات روايته: "هكذا سيكون المستقبل، ما لم نتمكن من درء مخاطره"، وهو ما توضحه التوقعات الأخيرة في أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والذي قال: "بينما أن الحاضر قد يكون واقعًا يمكن تحمله، فإن المستقبل لن يكون كذلك".

الجهات المؤثرة على الخيال العلمي

ويشير الكاتب إلى أن بعض القراء الأوائل لرواية برونر قدموا تحليلًا قاتمًا يفيد بأن جهود النشاط البيئي في ذلك الوقت كانت عديمة الجدوى، في حين يعتقد الكثير من القراء أن الرواية تمثل دعوة للعمل والتحرك. وبحسب تايلور، فقد استخدم برونر الخيال العلمي كشكل من أشكال النقد الاجتماعي والسياسي، وهو أسلوب كان حديثًا نسبيًّا في ذلك الوقت.

ويستطرد تايلور مرجحًا أن من الصعب إدراك أهمية التوقعات المجردة حول الانبعاثات والجفاف والتلوث، لافتًا إلى أن الأبحاث تظهر أن الروايات الخيالية قامت بدور حاسم في مساعدتنا على فهم القضايا الاجتماعية المعقدة.

ويرى الكاتب أن الروايات القصصية تساعد على التعرف على عواقب القرارات التي نتخذها بشأن التحرك للتصدي لكارثة معينة من عدمه، وتأثير ذلك الخيار على مستقبلنا، مبينا أن علماء النفس والأطباء لاحظوا ظهور أزمة نفسية جديدة ترتبط بتغير المناخ تعرف باسم "القلق المناخي" أو "القلق البيئي" التي تتجلى بإصابة الشخص بنوبات من القلق والذعر والاكتئاب.

ويستشهد تايلور بدراسة استقصائية عالمية حديثة شارك فيها قرابة 10 آلاف شاب، قالت إن 75% منهم كانوا يشعرون بالخوف من المستقبل، وإن 59% كانوا يشعرون بالقلق الشديد بشأن تغير المناخ.

ويؤكد الكاتب أن الباحثين والنشطاء كشفوا أن التركيز على العمل الجماعي من شأنه أن يخفف من حدة القلق، ويضع حدّا لهذه الأزمة النفسية الناشئة.

ماذا ينتظرنا؟

ويبين الكاتب أن بعض تنبؤات برونر القاتمة لم تصبح واقعًا ملموسًا تمامًا، فعلى الرغم من حدوث تغييرات بيئية دراماتيكية وخطيرة، لكن في الوقت ذاته أُحرز تقدم في فهم ماهية الكارثة التي تنتظر البشرية، مشيرًا إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الخمسين لتأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذكرى الثلاثين لقمة ريو دي جانيرو للأرض.

ويختم تايلور مقاله بأنه تم تحقيق بعض الإنجازات المهمة للحد من التلوث، بدءًا من بروتوكول مونتريال ووصولًا إلى اتفاقية باريس لعام 2015، فضلا عن تعالي الأصوات التي تطالب بإحداث تغيير عاجل من شأنه التصدي لتغير المناخ.

المصدر : ذا كونفرسيشن