بين الأدب والصحافة والسياسة.. أنيس منصور صاحب "200 يوم حول العالم"

نظرا إلى ثقافته الواسعة و إجادته لغات مختلفة، قدّم منصور للمكتبة العربية ترجمات مختلفة؛ نقل نحو 9 مسرحيات و5 روايات إلى اللغة العربية، وترجم 12 كتابا لكبار الفلاسفة الأوروبيين.

الكاتب المصري الراحل أنيس منصور
الراحل أنيس منصور من جيل الصحفيين المخضرمين والكتاب والأدباء الذين طبعوا الحياة الثقافية في مصر على مدار عقود (مواقع التواصل)

القاهرة – "وفي اللحظة التي هبطت فيها أرض مطار القاهرة، كانت شفتاي في قدمي، فقبلت أرضا حبيبة عزيزة، وكانت هذه القبلة هي في الوقت نفسه نقطة البداية والنهاية في وقت واحد.. فمن هنا بدأت دورتي حول الأرض مبتدئا بالهند، وهنا انتهت دورتي حول الأرض قادما من إيطاليا".

في عام 1963 صدرت الطبعة الأولى من الكتاب الشهير "200 يوم حول العالم" للكاتب الصحفي أنيس منصور، لتلقى حفاوة كبيرة من القرّاء والأدباء مثل طه حسين وكامل الشناوي ولويس عوض وحتى المشير عبد الحكيم عامر، لتكون هذه الرحلة التي استمرت 228 يوما حول العالم أشهر ما كتب في الأدب العربي الحديث في أدب الرحلات.

أثرى أنيس منصور -الأديب الفيلسوف والمفكر الصحفي المترجم- المكتبة العربي بعشرات المؤلفات، ساعده على ذلك إلمامه بلغات متعددة منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها، إذ ترجم أعمالا وكتبا أدبية أجنبية.

أدب الرحلات

ويحكي أنيس منصور في مقدمة الطبعة الـ24 للكتاب أن وزارة التعليم عرضت عليه أن يكون الكتاب مقررا على الطلبة مقابل مبلغ مالي كبير، لكنه رفض العرض.. "إنني أفضل أن يختارني القارئ على أن أكون مفروضا عليه.. أن أكون متعة وراحة له على أن أكون واجبا مفروضا عليه".

كان "200 يوم حول العالم" باكورة أعمال أدب الرحلات التي اشتهر بها منصور، فأصدر كتبا متتالية في هذا النوع من الأدب مثل "اليمن ذلك المجهول"، "أطيب تحياتي من موسكو"، "بلاد الله خلق الله"، "غريب في بلاد غريبة".

يقول منصور إن "هناك 3 أنواع من الرحلات، أن تسافر، وأن تقرأ الكتب، وأن تقرأ كتب الرحلات".

منصور مع السادات_مواقع التواصل
انتقد أنيس منصور لتأييده موقف السادات من مبادرة السلام والتطبيع مع إسرائيل (مواقع التواصل الاجتماعي)

ميلاده

ولد منصور في 18 أغسطس/آب 1924 في مدينة شربين بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم في صغره، فساعده ذلك على نبوغه في دراسته، ليكون صاحب الترتيب الأول لطلاب الثانوية العامة على مستوى مصر كلها.

في كتابه "عاشوا في حياتي" يحكي منصور عن طفولته ونشأته، وكيف أثر حفظه للقرآن الكريم كاملا في سن التاسعة على ثقافته، ويشير إلى شغفه بحفظ قصائد الشعر العربي والأجنبي، وتعلمه العديد من اللغات الأجنبية.

درس منصور في قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وعمل أستاذا في القسم نفسه، وتفرغ بعد سنوات للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم حتى 1976، ليترأس مجلس إدارة دار المعارف، ويصدر مجلة الكواكب ومجلة أكتوبر وغيرها.

معان كبيرة بلغة سهلة

يحكي منصور-في حديث تلفزيوني- أن اهتمامه الأساسي هو العلاقات الإنسانية، ويعترف بتكرار نفسه في كتاباته لأن أعظم المفكرين لديهم مجموعة من المعاني ويضعهم في ظروف مختلفة، في محاولة لتوضيح نفسه للآخرين، وأن متعته أن يعبر عن معان صعبة بلغة سهلة، وهو ما تعلمه خلال تدريسه لطلبة الجامعة وتقديمه المنهج العلمي لهم بأسلوب بسيط.

حافظ منصور على عمود صحفي يومي في الصفحة الأخيرة من جريدة الأهرام بعنوان "مواقف" على مدار عقود، كان يقدم فيه أقوالا مأثورة عن العلاقات العاطفية والاجتماعية أشبه بتغريدات تويتر في العصر الحديث، ويحكي نوادر من حياته أو حياة المشاهير، أو يثير مختلف القضايا الفكرية والفلسفية والسياسية ويحكي مواقفه مع المشاهير من رموز الفن والسياسة والأدب.

تنوع مؤلفاته

تميز منصور بلغته السهلة القريبة من الناس، وغزارة معلوماته وسعة اطلاعه، ومزجه بين تفاصيل حياته الشخصية وعاداته وبين تقديم الموضوعات المختلفة في كتبه ومقالاته، كما تنوعت إصداراته بين أنماط شتى من الأدب؛ من القصة والرواية والمذكرات واليوميات وحتى كتابة المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية وأشهرها "من الذي لا يحب فاطمة" للفنان أحمد عبد العزيز، و"غاضبون وغاضبات" للفنان شريف منير.

كذلك أصدر منصور مجموعة من أشهر الكتب التي تناولت عالم ما وراء الطبيعة، واصفا الظواهر الخارقة وعوالم الأشباح والأرواح والكائنات الفضائية في كتب مثل "أرواح وأشباح"، "الذين هبطوا من السماء"، "الذين عادوا إلى السماء"، "لعنة الفراعنة"، وكلها كتب حققت نجاحا كبيرا وأعيد طبعها مرارا.

حصل منصور على كثير من الجوائز الأدبية؛ أبرزها جائزة الدولة التشجيعية في مصر عن كتابه "200 يوم حول العالم " عام 1963، وجائزة الدولة التقديرية في 1981، وجائزة مبارك في 2001، والدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة، وجائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري، وشيّدت له محافظة الدقهلية تمثالا في مدينة المنصورة.

ونظرا إلى ثقافته الواسعة و إجادته لغات مختلفة، قدم منصور للمكتبة العربية ترجمات مختلفة؛ نقل نحو 9 مسرحيات و5 روايات إلى اللغة العربية، وترجم 12 كتابا لكبار الفلاسفة الأوروبيين، ومن أشهر ما ترجمه منصور "الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم" كما نشره باللغة العربية عن كتاب من تأليف مايكل هارت، وهو موسوعة لأشهر 100 شخصية في التاريخ الإنساني.

صديق السادات

كان منصور أحد أقرب الصحفيين المقربين من الرئيس أنور السادات، كما كان الكاتب المفضل للرئيس السابق حسني مبارك، وفقا لجريدة الأهرام.

ووفقا لجريدة أخبار اليوم، ظل السادات يتابع مقالات أنيس منصور على مدى سنوات، حتى قابله مصادفة في مصعد أخبار اليوم، فأثنى على مقالته، ولم يلبث أن طلب منه كتابة مذكراته.

عدّ منصور السادات صديقه المقرب، و أنهما يفكران بالأسلوب  نفسه، وكان من أكثر من أيّدوه في اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما كان واحدا من 3 شاركوا في صياغة خطاب السادات أمام الكنيست، وهو الموقف الذي انتقده كثيرون.

ويحكي منصور -في حديث صحفي في المصري اليوم- أن السادات أرسل له طائرة خاصة نقلته من المملكة السعودية -حيث كان يؤدي العمرة- إلى تل أبيب، حتى يكون معه في زيارته التاريخية إلى القدس.. "كان شعورا مختلفًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أدركت وقتئذ أنه حدث تاريخي قلما يتكرر، العالم كله كانت أنظاره صوب طائرة الرئيس السادات وهو ينزل منها، حتى الفيلسوف الوجودي سارتر أوقف سيارته أمام مقهى في باريس ليرى نزول السادات".

ويروي منصور أن السادات كان يحب المشي معه خصوصا في حقول قريته ميت أبو الكوم، ويضيف أنهما قضيا ذات مرة وقتا طويلا في السير معا والتحدث، حتى توقف السادات فجأة ونظر إلى ساعته ونظر فيها قائلا "إيه ده يا أنيس، تعرف أننا بنمشي بقالنا 3 ساعات، ولا حسيت".

ويحكي أنيس منصور -في حديث تلفزيوني- عن مدى الحرية التي أتيحت للصحافة في عهد السادات في مقابل عصر مبارك عندما كان رئيسا لتحرير مجلة أكتوبر، إذ لم يتدخل السادات في المقالات المنشورة في حين كان مبارك يتصل به أحيانا للتعليق على مقالات منشورة "بوصفه مواطنا مصريا".

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2011 رحل منصور عن عالمنا عن عمر ناهز 87 عاما بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد، تاركا عشرات الكتب في مختلف المجالات وأثرا لا يمحى في عقول كثيرين في أرجاء العالم العربي من الذين تأثروا بقصصه وحكاياته وفلسفته.

المصدر : الجزيرة