بالصور.. تعرف على قلعة باشطابيا الأثرية في الموصل

يرجع تسمية باشطابيا إلى اللغة التركية وفق المصادر التاريخية، وتتألف من مفردتي "باش" (رئيسي) و"طابيا" (برج) وتعني البرج أو القلعة الرئيسية، وسميت بهذا الاسم لأنها تقع في أعلى نقطة في الموصل القديمة

قلعة باشطابيا في الموصل
قلعة باشطابيا لعبت دورا مهما في تصدي أهالي الموصل لحصار نادر شاه عام 1743 (الجزيرة)

الموصل- تعدّ قلعة باشطابيا -الواقعة في الجانب الأيمن من مدينة الموصل في محافظة نينوى شمال العراق على ضفة نهر دجلة الأيسر- من المعالم الأثرية الأصيلة التي تمثل هوية المدينة وما تزال شاهدة على الكثير من الأحداث التاريخية.

يرجع تسمية باشطابيا إلى اللغة التركية -وفق المصادر التاريخية- وتتألف من مفردتي "باش" (رئيسي) و"طابيا" (برج) وتعني البرج أو القلعة الرئيسية، وسميت بهذا الاسم لأنها تقع في أعلى نقطة في الموصل القديمة (الجانب الأيمن) على ارتفاع 75 قدما من مستوى سطح البحر من جهة اليابسة و150 قدما من جهة نهر دجلة.

وقد أنشأ الخليفة الأموي مروان بن محمد القلعة بين عامي 126 و128هـ، وبنى الحمدانيون سور الموصل عام 180هـ، ثم تعرضت القلعة للهدم على يد أبي الحارث أرسلان بن عبد الله المظفر البساسيري (المملوك التركي لأمير البويهيين في العراق بهاء الدولة البويهي) عام 450هـ، وأعاد أمير حلب والموصل شرف الدولة العقيلي إعمارها عام 474هـ.

وكانت القلعة الحصن الشرقي للدولة الأتابكية، وقد هدمت في حملة قائد المغول هولاكو عام 660هـ وفي حملة تيمورلنك عام 726هـ، وأُعيد إعمارها في عهد الوالي بكر باشا إسماعيل الموصلي مع سور الموصل عام 1625م، وأضاف لها برجا عاليا وتم ترميمها وإعمارها في عهد والي الموصل حسين باشا الجليلي 1743م.

الخليفة الأموي مروان بن محمد أنشأ القلعة بين عامي 126 و128هـ  (الجزيرة)

حصار الموصل

ومن الشواهد الحاضرة في أذهان سكان نينوى أن القلعة لعبت دورا مهما في التصدي لحصار "نادر شاه" للموصل عام 1743م، وكانت مركزا لقيادة المعركة من جانب أهل الموصل بقيادة حسين باشا الجليلي بعد أن حاصر القائد الفارسي نادر شاه الموصل بأكثر من 300 ألف مقاتل.

وأحاط نادر شاه بقلعة الموصل وسلّط ما يقارب 200 مدفع على المدينة ظلت تقصفها ليلا ونهارا، لتتّحول بذلك إلى حصن منيع، وهذا ما أفشل محاولات نادر شاه في احتلالها، وقد تم رفع الحصار عن المدينة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1743م بعد توقيع الصلح.

وكان يحيط بالقلعة سور آخر غير سور المدينة، كما يقول الباحث التاريخي الموصلّي ميسر محمد الحاصود، ولها بابان للدخول والخروج، أحدهما يؤدي إلى الميدان الذي أمامها ويسمى باب القلعة والثاني يؤدي إلى النهر ويسمى باب السر.

تحكي قلعة باشطابيا -وغيرها من مواقع أثرية وحضارية يرجع تاريخ البعض منها إلى مئات السنين قبل الميلاد وأخرى بعد الميلاد- قصة الحضارة والإنسان الذي سكن هذه المواقع وعمّرها، لتدلنا على ما قدمته للبشرية من ثروة عمرانية وحضارية وثقافية ما تزال خالدة حتى اليوم.

قلعة باشطابيا في الموصل
الجهات الحكومية في نينوى تسعى لتحويل قلعة باشطابيا إلى مزار سياحي (الجزيرة)

لؤلؤة الموصل

وتعرّضت باشطابيا للإهمال الحكومي بالإضافة الى أنها تضررت كثيرا نتيجة العمليات العسكرية التي شهدتها المحافظة بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة عام 2014، وما رافق عمليات تحريرها عام 2017، فضلا على أنها كانت شاهدة على انتهاكات تنظيم الدولة ضدّ سكان الموصل.

سعت الجهات الحكومية خلال عام 2013 إلى تحويل القلعة لموقع سياحي؛ إلا أن سيطرة التنظيم على المدينة عام 2014 أبطلت المشروع، وفقا لمصعب محمد جاسم مفتش الآثار في مفتشية آثار نينوى، وبعد تحريرها تم إعداد الخطط والدراسات اللازمة بكشف تخميني مُتكامل لصيانة ما تبقى منها بشكل لا يؤثر على القيمة الأثرية لها.

القلعة ستُستثمر كمنطقة سياحية ضمن مشروع كبير جدا أطلق عليه "لؤلؤة الموصل"(الجزيرة)

وستُستثمر قلعة باشطابيا كمنطقة سياحية لاستقبال الزوار والسائحين ضمن مشروع كبير جدا أطلق عليه "لؤلؤة الموصل" وتشمل هذه المنطقة القلعةَ، إضافة إلى مزار الإمام يحيى أبو القاسم بتصميمه المعماري الإسلامي الفريد من نوعه الذي تم تجريفه بالكامل من قبل التنظيم مع كنيسة الطاهرة الكلدان وهي من أقدم كنائس المدينة، وأيضا بناية "قره سراي" الأثرية.

وستُشكل هذه المعالم الأربعة البارزة منطقة سياحية مهمة لمحافظة نينوى، وهي بمثابة تحوّل تاريخي وثقافي لها، وفق وصف جاسم للجزيرة نت، الذي أكد دخول المشروع مرحلته الأولى، لتكون بقعة جذب مهمة للسائحين مستقبلا.

المخرج محمد المهدي 13
المهدي عبّر عن أمنيته أن تصبح القلعة مزارا سياحيا ومركزا لاستضافة النشاطات والمهرجانات الفنية (الجزيرة)

عنوان الموصل

أما المخرج التلفزيوني والسينمائي محمد المهدي الذي أخرج عدّة أفلام عن القلعة فيصفها بأنّها عنوان الموصل الشاخص ورمز الصمود والتحدّي التي وقفت بوجه أشرس هجوم وحصار بقيادة نادر شاه، وهو من أصعب ما واجهه سكان المدينة إلا أنهم بقوا صامدين، فكسروا برفضهم الاستسلام شوكة الشاه بالانتصار عليه.

ويعبر المهدي عن أمنيته بأن تصبح القلعة مزارا سياحيا ومركزا لاستضافة النشاطات والمهرجانات الفنية المتنوعة فيها لتعريف العالم بها، لتكون رسالة جريئة للعالم بأنّ نينوى -رغم النكبات والمآسي التي وقعت عليها- تنهض في كل مرّة طالما أن نهر دجلة يجري فيها بتحليق النوارس فوقها وهي ترتل آيات الجمال.

لكن المهدي يشكو إهمال الجهات المعنية للقلعة على مدى السنوات الماضية بسبب السياسات الخاطئة المتبعة والتجاذبات السياسية التي انعكست سلبا على تطوّر آثار وثقافة البلد، داعيا وزارة الثقافة والآثار -وهي المعنية بالتراث والحضارة والسياحة- للاهتمام بها أكثر.

ويؤكد المخرج الموصلّي ان مدينته لا تغطى بغربال وتاريخها معروف للباحثين والمثقفين، وهي صاحبة ثقل تاريخي جغرافي على مختلف الحقب والأزمان، في إشارة منه إلى فشل محاولات تنظيم الدولة لمحو هويتها التاريخية والثقافية والفنية والعلمية المعروفة بها.

الاعلامية فاتن أل علي الجزيرة 2
آل علي: القلعة عانت الإهمال الأكبر بعد دخول تنظيم الدولة إلى الموصل وتعرُّض المناطق القريبة منها للقصف (الجزيرة)

لكن الإعلامية الموصلية فاتن آل علي تبدو بحالة أكثر إحباطا ويأسا بعد فقدان القلعة ملامحها التاريخية والتي لم يبق منها سوى بعض الأحجار والجدران المتهالكة التي قد تنهار هي الأخرى مع الأيام بعد أن كانت مَعلما مهما يجذب كثيرا من السائحين من حول العالم.

وترى آل علي أن باشطابيا عانت الإهمال الأكبر بدخول تنظيم الدولة إلى المدينة وتعرّض المناطق القريبة منها للقصف مما أدّى إلى أضرار فيها، متسائلة -في حديثها للجزيرة نت- عن سرّ تجاهل الجهات المعنية للآثار وعدم تطويرها رغم أنها مفتاح المدينة للانفتاح الخارجي مع الدول وتبادل الثقافات المختلفة، إلا أن واقع باشطابيا الآن محزن ومقلق جدا لما تُعانيه من إهمال وتجاهل كبيرين.

آل علي: القلعة من المعالم الاثرية المتبقية في الموصل بعد أن خسرت الكثير من مواقعها على يد تنظيم الدولة (الجزيرة)

وتؤكد أن القلعة من المعالم الأثرية الأخيرة المتبقية في الموصل بعد أن خسرت الكثير من المواقع الاثرية على يد التنظيم، ولها مكانة كبيرة في نفوس أهلها لما تحمله من ملامح أرضهم وأصولها ويستذكرون بها تاريخهم وأهميتها ودورها الكبير والمهم في حماية المدينة من حصار نادر شاه إلى أن أجبرته على رفع الحصار.

وبحسب تقارير إعلامية، فقدت محافظة نينوى نحو 90% من معالمها الأثرية بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها وعمليات تحريرها من التنظيم عام 2017.

المصدر : الجزيرة