عبد بين الإمبراطوريات.. ميراث "الجنرال حسين" وتحولات تونس بين العثمانية والأوروبية

زي ضباط تونسيون حوالي عام 1840 من خريجي مدرسة باردو الحربية التي تخرج منها الجنرال حسين (ويكي كومونز)
زي الضباط التونسيين حوالي عام 1840 من خريجي مدرسة باردو الحربية التي درس فيها الجنرال حسين (ويكي كومونز)

عمران عبد الله

صدر حديثا عن دار نشر جامعة كولومبيا كتاب "عبد بين الإمبراطوريات.. تاريخ شمال أفريقيا العابر للإمبراطوريات"، لأستاذ التاريخ بجامعة برينستون محمد والدي، ويتناول فيه سيرة حياة "الجنرال حسين" الذي كان عبدا متعلما تعود أصوله إلى القوقاز وبلاد الشركس، قبل أن يُباع في الإمبراطورية العثمانية ويترقى في المناصب حتى ينال رتبة الجنرال العسكرية.

يروي الكتاب قصة النزاع على ثروة الجنرال بعد وفاته، ليحلل من خلالها الأبعاد "فوق الوطنية" لتاريخ شمال أفريقيا. ويضع المؤلف الجنرال حسين -الذي تنقل بين ضفتي المتوسط بين تونس زمن العثمانيين وفلورنسا الإيطالية- في السياق الدولي للصراع بين القوات العثمانية والفرنسية، من أجل السيطرة على البحر المتوسط، ويشرح كيف أثر هذا الصراع اجتماعيا وثقافيا على السكان.

ولا يعتبر المؤلف والدي هذا الجزء من العالم حدودا استعمارية بل مساحة مركزية تغيّر فيها الطموحات الإمبريالية المتداخلة مجتمعاتها المحلية الديناميكية، ويستكشف المؤلف كيف كان الشعور بالانتقال بين الحكم العثماني والهيمنة الاستعمارية الأوروبية في الحياة اليومية للمسلمين والمسيحيين واليهود في شمال أفريقيا.

وبالاعتماد على مجموعة واسعة من المصادر العربية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية، يُعَد "العبد بين الإمبراطوريات" محاولة لكتابة تاريخ الإمبراطوريات المتنافسة في شمال أفريقيا في القرن التاسع عشر.

غلاف كتاب
غلاف كتاب "عبد بين الإمبراطوريات.. تاريخ شمال أفريقيا العابر للإمبراطوريات" (الجزيرة)

وفاة مثيرة للجدل
وفي يونيو/حزيران 1887، توفي الجنرال حسين في فلورنسا الإيطالية، بعد أن أجبره الغزو الفرنسي لتونس على الرحيل منها ليصبح منفيا في إيطاليا على الضفة الشمالية للمتوسط، وأعقب وفاته نزاع حول ممتلكاته التي شملت هدايا من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ووزرائه، إلى جانب هدايا من الحكومات التونسية والفرنسية والإيطالية وممثّلي الجاليات المسلمة واليهودية في الشتات.

ويروي المؤلف في المقدمة تأثر رجال الدولة التونسية العثمانية باحتلال الفرنسيين لبلادهم عام 1881، مما وضع حدا لثلاثة قرون من الحكم العثماني، ويتناول كيف أثرت هذه الأحداث على صحة الجنرال حسين -الذي كان يبلغ من العمر ستين عاما حينها- في مدينة فلورنسا الإيطالية.

وفي الفصل الأول، يتناول المؤلف ذكريات حسين منذ طفولته وانفصاله عن والديه أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر، وكيف جرى بيعه عبدا قبل أن يترقى في المناصب، وفي الفصل الثاني يروي كيف بنى ثروته التي فقد الكثير منها ولم يترك سوى بعض الممتلكات المحدودة التي باعتها السلطات الإيطالية في المزاد بمبلغ متواضع، بينما بقيت له ممتلكات أكثر في تونس التي لم يسمح له بدخولها.

ويروي في الفصل التالي "التقاضي كأداة للتفاوض"، مشاركة حسين في مشروع الإصلاح العثماني في تونس، وكيف أسفرت النزاعات على ممتلكات الشخصيات التونسية عن دعاوى كبرى شملت الدول الأوروبية والعثمانية.

ويتناول الكتاب كيف أسهمت قضية ميراث الجنرال حسين في تغيير القواعد القانونية والممارسات الأرشيفية في تونس تحت الاستعمار، واستخدم الكاتب حياة حسين وتاريخ ممتلكاته وميراثه بعد وفاته كطريقة لتجاوز فهم التاريخ الحديث للمغرب الكبير من خلال منظور الاستعمار الأوروبي وحده، مبرزا الأبعاد المحلية والإمبراطورية التي تكمل الرواية الاستعمارية للتاريخ.

الجنرال حسين
وفي كتابه "تراجم المؤلفين التونسيين" الصادر عن دار الغرب الإسلامي، أورد المؤلف محمد محفوظ سيرة الجنرال حسين، ووصفه بالعالم العسكري والسياسي الذي دخل تونس في دولة الأمير مصطفى باشا وتربى في كنف الأمراء الحسينيين بقصر باردو، واعتنى الأمراء بتعليمه وظهرت عليه بوادر النجابة.

وتعلم حسين العلوم العسكرية بمدرسة المهندسين، ودرس العربية ولغات أوروبية، وترقى في سلك الجندية والإدارة إلى أن وصل إلى رتبة أميرالاي في دولة المشير الثاني محمد باي الذي كان والي تونس العثمانية من 30 مايو/أيار 1855 إلى 20 سبتمبر/أيلول 1859.

وأشار محفوظ في ترجمته لحسين إلى كفاءته في خدمة المصلحة العامة ونزعته الإصلاحية ورغبته في تمتين الروابط مع العثمانيين، وروى كذلك مرافقته للمشير الثالث محمد الصادق باشا باي في رحلته إلى الجزائر للقاء الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وكذلك مشاركته في صياغة عهد الأمان الذي اعتبر أول وثيقة دستورية عربية في حينه. 

ونال الجنرال حسين عام 1862 لقب "أمير أمراء" وأصبح "وزير استشارة" لدى الوزير خير الدين التونسي سنة 1874، وشارك إلى جوار خير الدين باشا في تطوير التعليم بجامع الزيتونة والمدرسة الصادقية وأصبح كذلك "مستشارا للمعارف"، وبعد وفاة قابض مالية الدولة التونسية في مدينة إيطالية عام 1869، سافر الجنرال حسين إلى المحاكم الإيطالية للمطالبة بحقوق تونس في تركته، وأدى انشغاله لبقائه في إيطاليا سنوات بسبب تشعب القضية، وقام خلال هذه السنوات برحلات إلى تركيا وإنجلترا وفرنسا التي التقى فيها كثيرا من أصدقائه التونسيين.

وبحسب كتاب تراجم المؤلفين التونسيين، فقد تزوج الجنرال حسين من ابنة الوزير الأكبر مصطفى خزندار، لكنه انفصل عنها ليتعرف إلى فتاة إيطالية من أسرة نبيلة ويتزوجها وينجب منها بنته فريدة، وقد أوصى بتربيتها تربية إسلامية، وفي آخر إيامه في إيطاليا كتب لوكيل أملاكه يعلمه بمرضه ويطلب منه السماح بالعودة إلى وطنه بعد أن دبت الخلافات بينه وبين الحكومة التي تلت استقالة الوزير خير الدين، لكنه لم يتمكن من ذلك وتوفي وحيدا في الغربة الأوروبية. 

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية