في أميركا اللاتينية.. الأموات خارج الحجر الصحي في عيدهم

epa08794257 A woman prays in front of her Day of the Dead altar, in Tehuantepec, Mexico, 02 November 2020. Mexico culminated the three-day national mourning decreed by President Andres Manuel Lopez Obrador in honor of the people who died of...
المكسيكيون يكرّمون أقاربهم وأحباءهم الراحلين في يوم الموتى الذي يعد فرصة للتفكير في معاني الحياة والموت (وكالة الأنباء الأوروبية)

كان مقرّرا أن يرافق الأكاديمي المكسيكي فرناندو لوبيس عائلته إلى المقبرة في الثاني من الشهر الحالي نوفمبر/تشرين الثاني الموافق لعيد الأموات في المكسيك وأميركا اللاتينية عامة.

لكن جائحة كورونا التي ما زالت تفترس ضحاياها حتى اليوم حالت دون زيارة أمواتهم. فقد قررت الحكومة إغلاق المقابر في ذلك اليوم في عدد كبير من الولايات المكسيكية. لكن لا بأس، الأموات يأتون في موعدهم في هذا اليوم من كل عام، غير خاضعين لقوانين الحجر الصحي.

هيّأت عائلة لوبيس المذبح جيّدا. وضعت صور أحبابها من الموتى، ووضعت الأطعمة التي يفضلونها، وقبل الثالثة عصرا رُفع المذبح وأُزيلت العطايا منه، بتوصية من الجد الذي أخبرهم أن أمواتهم جاؤوا ورحلوا.

ودأبت العائلة على تنظيف مقابر أمواتها قبل أيام من العيد، وفي يوم العيد كانت تضع على مقابرهم زهور "السيمباسوتشيتل". أطفال العائلة وغيرهم من أطفال الحي كانوا يخرجون للعب في الشارع مطالبين البالغين بحصتهم من حلوى "الجماجم"، وهي نوع من السكاكر يعدّ خصيصا لذلك اليوم.

يقول لوبيس للجزيرة نت "لم أر الأطفال في الشارع، واختفت مظاهر الاحتفال، على الأقل في الحي الذي أقيم فيه. لقد اعتدنا على عزل أنفسنا في هذه الجائحة، واقتصر الاحتفال على وضع المذبح والهدايا داخل المنازل".

تبدأ الاحتفالات عادة في الـ31 من أكتوبر/تشرين الأول وتستمر حتى الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تكون زيارة الأموات لأهلهم. وباتت احتفالات الـ31 من أكتوبر مرتبطة أكثر بعيد الهالوين، وهو ربطٌ لا يحبّذه البعض بوصفه ثقافة مختلفة عن الثقافة المحلية.

يوم الموتى والهالوين

الكاتب المكسيكي ميغيل مالذوناذو قال للجزيرة نت تعليقا على احتفاء بعض المكسيكيين بعيد الهالوين "إن الهالوين يُفقد الموت قدسيته ومعناه، في حين أن الاحتفال بعيد الأموات يعكس احترام الناس لأسلافهم وأجدادهم وللموت عامة، وهو يحمل معاني أعمق وأكثر حضارة من الهالوين، وهو أبعد من مجرد احتفال، إنه محاولة لفهم الحياة والموت".

ربما تؤكد الأناشيد التي توارثتها الأجيال من السكان الأصليين في المكسيك ما قاله مالذوناذو، فعلى سبيل المثال لا الحصر ينشد السكان الأصليون من "الماساتيكوس" من مدينة أواخاكا في يوم عيد الأموات، وعلى لسان ثمرة تُقدّم ضمن المأكولات في عيد الأموات:

قليل، قليل من الماء والعرق ينتظر الناس، بالعظمة أبناء العالم.

هنا وجدتُ رجلا خدشته الشجرة، كان ملتصقا بها، ملتصقا بحجر وضعوه في فمي ذلك اليوم.

سيكون الذنب ذنبي، إن لم أركع في هذا العالم.

هنا قدمني أبناء العالم عطيّة، وأنا لا أطلب منهم شيئا حينما أصل إلى بيوتهم وأحييهم.

هنا وجدت الثمرة ذات الأشواك وقد قُطفت في هذا العالم.

لا بد من أنً أبناء هذا العالم يحبونني كثيرا.

هنا وجدت الرجل المخدوش ملتصقا بالشجرة. وجدت بيذرو ملتصقا بصخرة، كان يعاني هناك تحت المطر والريح. هذا ما حدث معه.

الذنب ذنبي إن لم أنمُ، إن لم أقدّر الماء والعرق في هذا العالم.

سأفرح.. سأبتهج.

حينما أنمو وتنتشر الاحتفالات على هذه الأرض.

لا يمكننا أن نأكل دون دفع الثمن. الماء والعرق الذي تركه لنا الأبناء في الأعلى. هكذا قالت لي جدتي من العالم السفلي. أبناء الأرض يتكلمون كثيرا.

"أنتِ من ستفرح وتُخفف من كرب العالم".

"سيكون ذنبك إن لم تطلبي من أبناء الأرض مباركتهم".

"أبناء الأرض أيضا يتكلّمون كثيرا".

"ستفرحين وتخففين من حزن أي موقف، وأنا لن أعود إلى أي مكان في العالم".

هكذا قالت لي جدتي من العالم السفلي.

من يعلم غدا أو بعد غد إن كان سيظل صامتا ووحيدا هذا المكان؟

فسيكون احتفالا، ميدانا. احتفال ما نقوم به في هذا العالم.

حسنا.. سأجيء إلى هذا العالم لأنحني أمام باب بيت أطفال العالم.

الذنب ذنبي لو لم أنمُ ويزدد طولي، وإن لم يصبح أخضرَ ما وضعه في فمي أبناء هذه الأرض.

سأنمو وأكبر حينما يريدونني لأيِّ من مناطق الموت.

في العتمة والليل سأصل لأيٍّ من مناطق الموت.

سأركع على ركبتي وأزحف، سوف أتوسل وأصلي من أجل أبناء العالم، حينما أصل لأيٍّ من مناطق الموت.

هكذا قالت لي جدتي من العالم السفلي: "أنتِ مأمورة أن تحيّي جميع أبناء العالم". هكذا قالت لي جدتي من العالم السفلي.

أما تزامن عيد الأموات مع الهالوين فيعود لما أحدثه الإسبان الذين غزوا قارة أميركا اللاتينية من تغييرات في تاريخ عيد الأموات ليصبح قريبا من تاريخ الاحتفالات الكاثوليكية بعيد القديسين وجميع الأرواح، في إطار محاولات تغيير ديانة السكان الأصليين للمسيحية والتخلص من طقوسهم الوثنية.

طقوس شعبية

ومع هذا فإن تغيير التاريخ لم يثنِ السكان الأصليين و"المستيسو" (وهم خليط الأوروبيين والسكان الأصليين) عن ممارسة الطقوس المعتادة في ذلك اليوم منذ آلاف السنين. ولذا نرى خليطا من الطقوس التي تستخدم الرموز الدينية المسيحية إلى جانب الوثنية. فالمذبح أصلا رمز مسيحي، لكن الطعام المقدم في انتظار الموتى هو تقليد وثني.

وحتى ألوان الصلبان المنصوبة في المقابر تعكس أعمار المتوفين، فالأزرق والأخضر للمتوفين من الشباب، والأسود للكهول، والأبيض للأطفال. وكان السكان الأصليون يستخدمون الأحجار ويلوّنونها للتدليل على ذلك، واليوم استبدلت الصلبان بها.

"حاصدة الأرواح" هو اسم آخر لعيد الأموات في المكسيك، بيد أن حصد الأرواح كان على أشدّه منذ بداية الجائحة في معظم أرجاء الكون لا في المكسيك فقط.

وتنتشر طقوس الاحتفال به في عموم قارة أميركا اللاتينية، لكن العيد هذا العام كان مختلفا، إذ لم تشهد المقابر ازدحاما كما في الأعوام السابقة.

وفي نيكاراغوا، ورغم أن الحكومة لم تطبق أبدا نظام الحجر الصحي، بل اعتمدت على تحمل المواطنين مسؤوليتهم في الحفاظ على أرواحهم بارتداء الكمامات والمحافظة على التباعد الجسدي، فقد لوحظت قلّة أعداد زائري المقابر مقارنة بالأعوام السابقة.

فرَق المارياتشي كانت موجودة في المقابر لتعزف للموتى أغانيهم المفضلة مقابل أجر مادي زهيد، وعروض لتشجيع أهل الميّت على استئجارهم.

هذا الاحتفاء بالميت وزيارته في ذلك اليوم ليس مقصورا على أهل البلاد، فقد استغل الفلسطيني أسامة أبو شهاب هذا اليوم لزيارة قبر عمه صدقي محمد أبو شهاب الذي توفي في نيكاراغوا عام 1962، بمجرد وصوله إليها من فلسطين مع شاب آخر قُتِلَ خلال مشاجرة عبثية، ودُفنا في هذه المقبرة قبل أن تنشئ الجالية الإسلامية مقبرة خاصة بها.

ويظهر القبران يتيمين في مقبرة غريبة، مسجونين في قفص غريب، يخلوان حتى من شاهد قبر أو اسم. قبران شاحبان محاطان بصلبان ملونة، يعكسان غربة الموت كما غربة الحياة.

المصدر : الجزيرة