شعار قسم مدونات

ضغائن الحرب

Blogs- syrian
يستيقظ بالليل سراً خائفاً بعدما اجتاحت الكوابيس أحلامه، ويقوم راجفاً يتفقد سرير طفليه الصغيرين النائمين كالملائكة يشد بالغطاء عليهما ويحتضن رائحتهم وهو خائفٌ من الا يستيقظ في الصباح، لربما يستيقظ فيلقي بقبلةٍ حارة من الخوف والفقد على جبينهم ويمضي ليطلب الرزق متخفياً بين الممرات الضيقة الخفية وهو يحدثُ نفسه أن يا أيتها الممرات الممتلئةُ بالذئاب متى أصل ويترقب بعينيه وأُذنيه جميع الأشكال والأصوات حوله، يسمع اسمه عند جميع المعابر وتصل ورقةً لباب منزله تطلب منه الرضوخ، يعيش في مدينته مسافراً لا يحمل جواز السفر وهويته لربما تُنسى إذا يوماً وجدو اسمه صدفةً إذا عبر.

        

تراودهُ الأحلام تارةً أن ثمة من يطرق باب منزله الجديد -الذي انتقل إليه بعدما أصبح منزله بلا نوافذ والجدران ممتلئةٌ بالثقوب- ثم أن يديه مقيدتان وأنه خلف القضبان ويبكي حرقةً ويستيقظُ يديه على عُنقه يحاول فك الحبال المقيدة بالأحلام وتارةً أخرى يرى بالأحلام أنه يركض هارباً وحيث يذهب للعمل قد عرفوا شكله فيمضي مهرولاً وراكضاً وفاراً لألى يأسر ما تبقى من عمره بين أحقادهم فيستيقظُ لاهثاً عطشاً ينظر يميناً وشمالاً يتفقد بعض الأمان الذي تبقى له.

         

وتارةً يحلم بالهروب ويرى نفسه يخترق جميع الحواجز، حيث يجرأ ويبتاع بيته وأرضه وكل ما يملك ليشتري حريته ليخرج من كوابيسه ويحرر نفسه وعندما يصل للنقطة التي سيضع قدميه فيها خارج الخط المعهود فإذا به مُحاصرٌ من جميع الأطراف ويستيقظ هنا أنفاسه تتقطع يقوم ليلقي بنظره من النافذة ويستنشق هواءً ملئٌ بالرصاص ويعود يُقبل طفليه ويحاول أن يغفو دون تلك الأحلام، يستيقظ في الصباح يرسم قبلةً مليئةً بالدموع على جبين أطفاله ويودعهم كالعادة خوفاً من ألا يعود، يوصي زوجته وصاياه يسلمها الأمانة كل يوم ويصلي ركعتين على نتيه الحفظ والأمان ويتلو آيات الراحة والاطمئنان ويعود ذاهباً لعمله وفي صدره جُعبةُ خوفٍ لا تنتهي.

          

تُحاصرك الحرب من جميع الجهات تسلبُ منك قوتك وروحك وتجعلك مُكبل القلب والعينين، كطفلٍ صغيرٍ تتهادى عند الاحتضان وتبكي حُرقة وألماً
تُحاصرك الحرب من جميع الجهات تسلبُ منك قوتك وروحك وتجعلك مُكبل القلب والعينين، كطفلٍ صغيرٍ تتهادى عند الاحتضان وتبكي حُرقة وألماً
  

قدر الله الجميل في ذاك اليوم أن الطريق استغرق وصوله الموعد واستقرب منزل والدته جلس في شرفة المنزل حيث كان يحب واحتسى قهوته الصباحيةُ برفقتها حدثها قليلاً وطلب الرضى كثيراً وطبع على يديها قبلة الرضا، سالت دموعه أمامها رغماً عنه، وارتجف جسده وارتعش أخذته في أحضانها لتشعره بالأمان رغم خوف العالم اجمع في صدره الا انه حينها شعر حقاً بالأمان … كان الزحام قد انتهى حينما أتى العمل أخبروه أنهم حضروا في غيابه وطلبوه شخصياً، حرفياً.. باسمه الرباعي وعمره وملامح وجهه وقالو لهم أنه مُسافر، وأصروا على حضوره، مُسافرٌ في أرضه هارباً في أرضه لا يحمل جواز سفر ولا هوية!

      
كان لديه بعض الخبز المجفف خبأه يوماً لينثره للعصافير، مُنع القمح عن التجار والأطفال جياع وهو يمسك على أمعائه وضع بعض الماء في إناء وأخرج الخبز ووضعه فوق الماء أصبح طرياً يؤكل ثم خرج قبل الظلام أخذ يجول الشوارع والطرقات عله يسترجع يوماً جميلاً مضى من الأيام، هنالك على جانب الطريق شارعٌ طويل كان يجلس فيه كبار السن يتناولون أطراف الحديث يحتسون القهوة ويشربون الشاي وطاولة الزهر أمامهم كانوا يتسامرون ويضحكون أصوات ضحكاتهم كانت تشعل الحي جمالاً تذكر كل شيء مرة واحدة أيقظه صوتٌ قريب كانفجار او شيء كذاك عاد به إلى حيث يقف نظر حوله فإذا بالحطام يسود المكان.

            

الطريق مظلم وتسود العتمةُ أرجائه أنين أصواتهم على الجدران والجدران قد ألمها الحنين، على تلك الأحجار منقوشة أمالهم ولكن الأحجار الآن تحت الركام، وضع يده على صدره وقرأ آيات الفتح والنصر والفرج، ونفخ بين يديه و ألقى بها إلى مدينته، وأكمل طريقه عله يجد من يشتري منه بعض الخبز لبيته عاد حاملاً بكلتا يديه خيبة وبين أضلعه حُزن، لم تتسع له الفرصة لسرد قصة لأطفاله قبل الخلود إلى النوم كانوا قد نُهكوا بكاءً حتى غلبهم النعاس.
          
فالحربُ كالحب تماماً تُحاصرك من جميع الجهات تسلبُ منك قوتك وروحك وتجعلك مُكبل القلب والعينين، كطفلٍ صغيرٍ تتهادى عند الاحتضان وتبكي حُرقة وألماً، ثم أنك تقف قوياً وكأنك جدارٌ صلب لم ولن تهزه صفاتُ الحياة! والحبُ كالحرب تماماً تجد نفسك تائهاً لا طريق تصل به إلى النهاية جميعها منعطفاتٌ تخذلك تقف عند منتصف الطريق لا أنت تستطيعُ الاقتراب ولا أنت قادرُ على الابتعاد!
   
هل أصبحت الحياة مجرد كابوس؟ أم أصبحت بعضُ أحلامٍ لا تتحقق؟ وكيف يسرق المرء من عمره ساعة من الأمل؟ وإلى أين يهربُ ويختبئ؟ ومن أين المفر؟ تُحاول الحياة أن تأخذ منك بعض ما منحتك يوماً بصفعة قوية توقظك ثم أنها تحاول استرداد روحك لتلقناها ما تبقى من جُرعاتٍ لم تؤخذ بعد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.