شعار قسم مدونات

البرازيل على أبواب انتخابات رئاسية مصيرية

كومبو ل رئيس البرازيل الحالي جايير ميسياس بولسونارو و الرئيس الأسبق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا
من (اليمين) الرئيس البرازيل الحالي جايير بولسونارو و الرئيس الأسبق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا (وكالات)

بعد نحو أسبوع بدءا من اليوم -أي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول هذا العام- تشهد البرازيل الانتخابات الرئاسية الأهم في تاريخها على الأرجح.

وتكتسب انتخابات العام الحالي هذه الأهمية القصوى بسبب حدة الاستقطاب والاحتدام داخل الرأي العام.

ويتنافس في هذه الانتخابات عدة مرشحين للفوز بالكرسي الرئاسي للعهد القادم الذي يمتد لـ4 أعوام، تبدأ في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2023. والمواجهة الأبرز هي بين رئيس الجمهورية الحالي جايير بولسونارو، ذي الميول اليمينية المتشددة، من جهة، وبين الزعيم اليساري التاريخي، والرئيس الأسبق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا.

وما يجعل هذه الانتخابات فريدة ومصيرية؛ هو ما سبقها من أحداث في الأعوام الأربعة الماضية. حيث بدأت الأزمة السياسية الراهنة في البلاد حين حُكم على الزعيم "لولا دا سيلفا" بالسجن وصودرت حقوقه السياسية والانتخابية، مما حال بينه وبين خوض الانتخابات الرئاسية لعام 2018.

بعد أكثر من سنة وبضعة أشهر أمضاها في السجن، تم إخلاء سبيل "لولا دا سيلفا" أخيرا. وفي مرحلة لاحقة، أبطلت المحكمة الفدرالية العليا كل مفاعيل قضيته.

ورغم كل ما شاب محاكمة "لولا دا سيلفا" من ثغرات قانونية وقضائية، ورغم التسييس الواضح والفاضح لقضيته، فإن المحكمة الفدرالية العليا قدمت غطاء إدانة الزعيم التاريخي وسجنه والحيلولة دون خوضه الانتخابات الرئاسية الماضية.

وبعد أكثر من سنة وبضعة أشهر أمضاها في السجن، تم إخلاء سبيل "لولا دا سيلفا" أخيرا. وفي مرحلة لاحقة، أبطلت المحكمة الفدرالية العليا كل مفاعيل قضيته، وبالتالي اعتبرت باطلة ولاغية كل الأحكام السابقة التي صدرت بحقه. وبهذا استعاد الزعيم اليساري التاريخي حقوقه السياسية، مما خوّله لخوض الانتخابات الرئاسية لهذا العام.

ويرى عالم الاجتماع والباحث البرازيلي "جيسيه سوزا" أن محاكمة "لولا دا سيلفا" وسجنه كانا عقابا أنزلته به النخب المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد بسبب الإصلاحات المهمة التي أجراها في أثناء فترة حكمه لولايتين رئاسيتين متتاليتن من العام 2002 وحتى العام 2010.

وفق "جيسيه سوزا"، استخدمت هذه النخب الطبقة الوسطى البرازيلية كرأس حربة في الحرب الشعواء ضد "لولا دا سيلفا"، عبر التعبئة غير المسبوقة في وسائل الإعلام، التي ساهمت بشكل مصيري في محاكمته وإدانته، وبعد ذلك في فوز وصعود "بولسونارو" إلى كرسي رئاسة الجمهورية.

ولم تغفر النخب السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، ومعها الطبقة الوسطى الواقعة تحت تأثير الحملة الإعلامية الشعواء، لم تغفر للزعيم "لولا دا سيلفا" إطلاقه حراكا اجتماعيا غير مسبوق في تاريخ البرازيل أدى إلى صعود أبناء الطبقات المسحوقة درجات في السلم الاجتماعي، بواسطة تحسين مستواهم الاجتماعي والمادي وإتاحة الفرص لهم للتعلم وارتياد الجامعة.

وقررت هذه النخب تشويه سمعة "لولا دا سيلفا"، ووجدت في بعض أفراد الجسم القضائي انحيازا مفضوحا وتواطؤا غير خاف، وإلى هذا وذاك، أدت اتجاهات من الطبقة الوسطى في جنوب وجنوب شرق البلاد دور الدمية في يد هذه النخب. وقد أدى الإعلام أدى دوره بشكل مدروس ودقيق في تهيئة الأرضية لإتمام سجن "لولا دا سيلفا".

تُلقى على عاتق الرئيس الأسبق "لولا دا سيلفا" مسؤولية ثقيلة وجسيمة لكنها ليست مستحيلة، وهي التغلب على الرئيس الحالي "جايير بولسونارو" في الانتخابات القادمة.

وتَلقى الزعيم "لولا دا سيلفا" خلال مدة سجنه الدعم والتضامن والتأييد من قيادات ومثقفين لهم وزنهم على الساحتين الدولية والمحلية، وذلك إما عبر زيارته شخصيا في زنزانته في مقر الشرطة الفدرالية في مدينة كوريتيبا بولاية بارانا، جنوب البلاد، أو عبر إرسال رسائل التضامن له وكتابة المقالات والإدلاء بتصريحات فحواها إدانة الذين أدانوا "لولا دا سيلفا" واعتباره معتقلا سياسيا مظلوما وليس سجينا يستحق العقاب. ومن المتضامنين معه نجد أسماء مثل البابا فرانشيسكو والمثقف الكبير نعوم تشومسكي. وغني عن الذكر تأييد زعماء اليسار في أميركا اللاتينية للزعيم "لولا دا سيلفا".

وتُلقى على عاتق الرئيس الأسبق "لولا دا سيلفا" مسؤولية ثقيلة وجسيمة لكنها ليست مستحيلة، وهي التغلب على الرئيس الحالي "جايير بولسونارو" في الانتخابات القادمة. وهذا الرئيس يمثل اليمين المتشدد في البرازيل وينتهج خطا سياسيا مواليا لكبار الرأسماليين والإقطاعيين ومعاديا للطبقات المسحوقة والمستضعفة وحتى للطبقة الوسطى التي كانت لها اليد الطولى في صعوده. وهو الرئيس الذي فاز بالانتخابات رغم خطابه المثير للجدل، والذي ينم عن خط سياسي غير مناصر للمرأة، بالإضافة لموقفه السلبي تجاه الأقليات العرقية والدينية وغيرها.

وكان وباء كوفيد-19 القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بشعبية بولسونارو. حيث اندهش العالم حين شاهد هذا الرئيس يسخر من توصيات منظمة الصحة العالمية، وكذلك لا نغفل عن الإشارة إلى السياسات البيئية الكارثية التي اتسم بها عهد "بولسونارو"، حيث زادت نسبة الحرائق في غابات الأمازون، وبلغ تغول الإقطاع الزراعي مبلغا مخيفا في تهديده لما تبقى من المساحات الخضراء في أكبر غابات العالم الاستوائية.

تشير استطلاعات الرأي إلى الاحتمال الكبير لفوز "لولا دا سيلفا" في الانتخابات بفارق مريح من الأصوات.

وتشير استطلاعات الرأي إلى الاحتمال الكبير لفوز "لولا دا سيلفا" في الانتخابات بفارق مريح من الأصوات. وقد ساعد على صعود أسهمه؛ انضمام عدد غير قليل من المثقفين والفنانين البرازيليين إلى معسكره، والذين يساهمون في التعبئة الانتخابية لصالح القائد التاريخي لحزب العمال، ويشاركون بشكل فعّال في الحملة الانتخابية. وليس مفاجئا ارتداد عدد غير قليل من مناصري "بولسونارو" السابقين، وذلك إذا أخذنا بعين الحسبان السياسات الاقتصادية والمالية التي أرهقت كاهل الطبقات الفقيرة والوسطى بغلاء الأسعار والتضخم والبطالة.

ومن المفارقات العجيبة في صعود "بولسونارو" كانت التأييد الذي حظي به من قبل قطاع واسع من الجالية العربية. وذلك رغم أن منافسه الأبرز حينها كان الأكاديمي من أصل لبناني "فرناندو حداد"، والذي خاض المنافسة بديلا من الزعيم "لولا دا سيلفا"، الذي كان في سجنه حينذاك.

بالإضافة إلى ذلك، نذكر التأييد العلني الذي أعطاه "بولسونارو" لإسرائيل منذ بدايات صعوده. حيث جاهر "بولسونارو" بذلك التحالف، وذلك بموازاة قاعدته الجماهيرية المكونة من "الإنجيليين الجدد".

إن حدة الانقسام والاستقطاب تجعل من هذه الانتخابات بمكان عال من الأهمية والمفصلية التاريخية. إما أن تدفن التجربة اليمينية المتطرفة بكل تضاعيفها، وإما أن تعود بشكل أقوى. أما اليسار، الممثل بالزعيم "لولا دا سيلفا"، فإن مهمة غير سهلة أبدا تنتظره في حال فوزه.

وإن الوفاق سيكون البند الأول على جدول أعمال الرئيس "لولا دا سيلفا". والمهمة الأخرى الكبيرة هي إعادة اللحمة والوئام إلى المجتمع المنقسم على ذاته والمصاب بشرخ غير مسبوق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.