شعار قسم مدونات

قراءة فوقية في الانتخابات العراقية

ما وراء الخبر- لماذا أجل البرلمان العراقي جلسة تتعلق بالانتخابات؟
ما وراء الخبر- لماذا أجل البرلمان العراقي جلسة تتعلق بالانتخابات؟ (الجزيرة)

 

بعد قرابة عامين من الاحتجاجات التي أسقطت حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وما رافقها من عمليات قمع وتكميم للأفواه وترهيب للناشطين وقتل مباشر وتهديد وخطف وتغييب للمحتجين، ما زالت الحكومة العراقية غير جادة وواضحة في مسؤولياتها في محاسبة المقصرين والكشف عن القتلة وتقديمهم للعدالة وحصر السّلاح بيد الدولة وسط تقاعس حكومي واضح.

يأتي هذا بعد عام على حكومة الكاظمي التي ما زالت الأمور فيها تجري وفق السيناريو السابق، واحتجاجات 25 مايو/أيار أتت بنفس السلوك المتوارث للحكومة السابقة في القمع والقتل. في أكتوبر/تشرين الأول 2021، من المتوقع أن يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع لإجراء انتخابات مبكرة، وسط توقعات بترحيلها إلى موعدها النيابي منتصف عام 2022، وعلى ما يبدو فإن هناك ترتيبا في الأروقة السياسية لتمديد فترة حكومة الكاظمي شريطة ضمانات أخرى، وسط شكوك ومخاوف من نزاهة الانتخابات وانتشار السلاح المنفلت والمال السياسي وعمليات التزوير التي رافقت انتخابات عام 2018.

ومع ذلك، فإن قوى تشرين فضلت الخيار القائم على مقاطعة العملية الانتخابية والمشاركة في نظام سياسي قائم على تكميم الأفواه وتصفية الخصوم، معللة ذلك بعدم أهلية الجو الانتخابي العام لإجراء انتخابات نزيهة تحقق تطلعات الرأي العام والجمهور، كما أنها لا ترغب في إعطاء الشرعية للانتخابات القادمة بهذا السيناريو كقراءة فوقية.

يتزايد الجدل في العراق بشأن آلية عمل الأمم المتحدة في مراقبة الانتخابات المبكرة المزمع تنظيمها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإمكانية تحقيق شرط الإشراف الأممي عليها، خصوصا في ظل اعتراض بعض زعماء التيارات السياسية. وكانت مطالب المحتجين العراقيين خلال انتفاضة أكتوبر 2019، تتمحور حول إشراف الأمم المتحدة على العملية الانتخابية، حيث يرون أن الرقابة المحلية التي مورست في الانتخابات السابقة لن تؤدي إلى ضمان نزاهة العملية الانتخابية المقبلة.

إن إحدى المناقشات الرئيسية التي دارت حول الانتخابات المبكرة هي درجة مشاركة الأمم المتحدة، حيث دعا العديد من النخب السياسية إلى دور رقابي للأمم المتحدة، وهو دور محدود النطاق ويمكن أن تكون له عواقب غير مقصودة.

فهم الانخراط في الانتخابات في العراق

في البداية، لنوضح معنى ونطاق خدمات الانتخابات التي تقدمها الأمم المتحدة. هناك 8 أنواع من المساعدة الانتخابية التي يمكن أن تقدمها الأمم المتحدة لدولة عضو، 3 منها نادرة مقابل أشكال أكثر شيوعا للمساعدة الانتخابية هي المساعدة الفنية، والمراقبة، ولجان الخبراء، والدعم التشغيلي للمراقبين الدوليين، والدعم في خلق بيئة مواتية. والمساعدة الفنية هي واحدة من أكثر أشكال الخدمات الانتخابية للأمم المتحدة شيوعا، وقد تم تقديمها لأكثر من 100 دولة عضو، بما في ذلك العراق. الإشراف والتنظيم والتصديق على الانتخابات هي الأشكال النادرة للخدمات الانتخابية للأمم المتحدة.

في 16 شباط /فبراير، شددت الممثلة الخاصة للأمين العام في العراق جينين بلاسخارت أمام مجلس الأمن الدولي على أهمية انتخابات أكتوبر المقبلة، وطالبت بالرد على طلب بغداد مراقبة الانتخابات من قبل البعثة الأممية. استشهدت بلاسخارت بالأزمات المترابطة في العراق، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية، وتهديد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) المستمر، والتوترات الاجتماعية، بما في ذلك القمع الأخير للاحتجاجات العامة في إقليم كردستان العراق. وأكدت الممثلة الخاصة في تقريرها السابع حول الاستعدادات والعمليات الانتخابية، أنه بغض النظر عن رد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن "الانتخابات ستكون بقيادة عراقية ومملوكة للعراقيين في جميع الأوقات".

فهم الحدود

إذا قبلت الأمم المتحدة طلب المراقبة، فإنها ستلبي طلب الحكومة العراقية، ولكن السؤال الأبرز: هل ستلبي أهداف الجمهور العراقي؟

تكمن الإجابة في أوجه القصور المتأصلة في مراقبة الانتخابات، والتي -على الرغم من كونها جوهرية- يمكن التوسط فيها من خلال صنع السياسات الاستباقية. مراقبة الانتخابات هي بالضبط لها هدف محدود بطبيعته لمراقبة كل جزء من العملية الانتخابية، وجمع المعلومات وتحليلها، وتقديم بيان نيابة عن الأمين العام حول جودة الانتخابات وإجرائها. لا يمكنها التدخل في العملية أو التخفيف من الغش في يوم الانتخابات.

قد تلجأ الكيانات السياسية العازمة على الغش إلى تزوير المحاكم والهيئات الإدارية وقمع الإعلام وأشكال أخرى من التلاعب قبل الانتخابات. لهذا السبب، تفضل منظمات المراقبة مزيجا من المراقبة الطويلة المدى وبعثة تقييم ما قبل الانتخابات، بينما تفضل النخب السياسية -لأسباب واضحة- المراقبة في يوم الانتخابات فقط.

مع اقتراب الانتخابات العراقية، بدأت تظهر علامات التلاعب الإستراتيجي، بما في ذلك تراجع حرية الصحافة والمجتمع المدني، فضلا عن ترهيب النشطاء. من الأهمية بمكان ألا يتأخر قرار توظيف بعثات المراقبة حتى يتمكنوا من التقاط بيئة ما قبل الانتخابات في جمع البيانات الخاصة بهم.

إشراف أم مراقبة؟

قالت بلاسخارت ممثلة الأمين العام الأممي بالعراق إن "الأمم المتحدة لا تحل محل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في إجراء الانتخابات المقبلة، وسنعمل على مراقبة الانتخابات، ودورنا المراقبة والمعاينة"، مشيرة إلى أن الحكومة قدمت طلبا لمجلس الأمن الدولي لغرض حماية نزاهة العملية الانتخابية "وسيتم ذلك بعدة طرق".

وأكدت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي أنهم مستعدون لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وأن دور الأمم المتحدة يتمثل في إبداء المساعدة في إجرائها، وقد رفدت المفوضية بعدد من الخبراء الذين سيمدون العمل الانتخابي بالمشورة الفنية والإدارية، وقالت إن المفوضية طلبت من فريق المنظمة في البلاد "يونامي" رفدها بالخبراء الدوليين للنهوض بالعملية الديمقراطية والارتقاء بعملها نحو الأفضل بما يضمن نزاهة الانتخابات، خاصة أن المفوضية طبقت ما ورد بقانون المفوضية رقم (31) لسنة 2019، في الفصل الثالث من المادة العاشرة والفقرة رابعا التي تضمنت اعتماد المراقبين الدوليين.

تقول الغلاي: وجهت 71 دعوة منها 52 دعوة لسفارات عربية وأجنبية؛ لمراقبة العملية الانتخابية، وكذلك 19 منظمة دولية، وهناك تلبية لهذه الدعوات. وأشارت إلى أن القصد هو رصد العملية الانتخابية بإيجابياتها وسلبياتها، في حين يقوم فريق المراقبة الدولية برفع تقريره إلى جهاته التي ينتمي إليها، ولا يحق له التدخل في الانتخابات، خاصة أن المفوضية هيئة مهنية مستقلة محايدة تتمتع بالشخصية المعنوية الإدارية والمالية وتخضع لرقابة مجلس النواب.

في وقت سابق، أكدت المرجعية العليا في النجف الأشرف في 13 سبتمبر/أيلول 2020، أن "الانتخابات المبكرة ليست هدفا بحد ذاتها وإنما هي المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن الذي يعاني منه البلد نتيجة لتراكم أزماته سياسيا واقتصاديا وأمنيا وصحيا وخدميا وغير ذلك.. لا بد من أن تجرى وفق قانون عادل ومنصف بعيدا عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسية، كما لا بد من أن تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل إجرائها، ويتم الإشراف والرقابة عليها بصورة جادة بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة".

تأكيد المرجعية العليا واضح، فهي تطالب بإجراء الانتخابات المبكرة، وأن الموعد المبكر ليس هدفا، وإنما تصحيح مسار امتد طويلا لعدة سنوات شهدت تراكم أزمات ما زالت بانتظار حلول ومعالجات حقيقية، في ذات الوقت دعمت ضرورة توفر الإشراف والرقابة بصورة جادة بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة.

لا شك أن القوى السياسية لا تريد أن تحظى الانتخابات المرتقبة بإشراف خارجي ومراقبة حقيقية، لأنها تعلم علم اليقين أن الانتخابات لن تكون نزيهة بشكل مطلق وستشوبها مخالفات وخروق كسابقاتها، لذلك فهي تصر على رفض أي مراقبة دولية مخولة بالتحقيق. وجل ما تريده تلك القوى من المجتمع الدولي أن يبصم لها على النتائج النهائية التي ستسفر عنها الانتخابات من دون رصد ومتابعة وتوثيق ومساءلة.

طلب عراقي إلى مجلس الأمن

أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، عن توجيه العراق طلبا رسميا إلى مجلس الأمن للرقابة على الانتخابات المقبلة، وهو ما رأى مراقبون أنه سيثير حفيظة قوى سياسية. وقال حسين إن "الحكومة ماضية في إجراء الانتخابات التي تعد من أهم الأهداف في المنهاج الحكومي، وهي مستعدة لتوفير كل المتطلبات التي تقع على عاتقها، وتوفير الأجواء الآمنة لإجراء انتخابات نزيهة تلبي المعايير الدولية". وفي 27 مايو/أيار 2021، صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تمديد ولاية البعثة الأممية لمساعدة العراق (UNIraq) لعام آخر، مع التركيز على تعزيز قضايا مثل الحوار الوطني، بالإضافة إلى تقديم مساعدة انتخابية موسعة، ورحب بطلب الحكومة العراقية الحصول على "مشورة ودعم ومساعدة فنية انتخابية من الأمم المتحدة"، بما في ذلك دعم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كما شجع مشاركة المجتمع الدولي والاستجابة الإيجابية للدعوة للمراقبة الدولية، ووعد بتقديم الدعم.

لماذا نختار الانتخابات؟

تعتبر الانتخابات من أفضل الأدوات الديمقراطية التي حاول المفكرون تقديمها للمجتمعات، لإتاحة الفرصة للفرد بأن يساهم بشكل أو آخر في عملية صناعة القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كذلك تحديد الحاكم ومحاسبته .

من يذهبون باتجاه مقاطعة الانتخابات، ليسوا ضد الانتخابات كمفهوم ديمقراطي، بل ضد وجود مجموعة عناصر تشوه الديمقراطي، أهمها السلاح المنفلت وتزوير الانتخابات، فضلا عن أسباب كثيرة تتعلق بمفهوم الدولة وتعديل الدستور والقضايا المطلبية. وهذه وجهة نظر محترمة، لكن السؤال الأهم: من سينفذ هذه المطالب، هل ننتظر من القوى الموجودة بالضد من الدولة وهي تحت غطاء الدولة أن تسلم سلاحها بنفسها؟ أو أن تترك التزوير وهي تضع المفوضية في دائرة المحاصصة؟

 

الانتخابات قد لا تحل جميع المشاكل بصورة سريعة، لكن بالإمكان نمو القوى الوطنية بالانتخابات إذا كان قرارا شعبيا، وكلما كان الزخم أقوى، نمت هذه القوى بشكل أسرع. يتفق المراقبون على صعوبة التكهن بنتائج الانتخابات القادمة التي ستشهد ربما مفاجأة غير متوقعة بصعود وجوه جديدة وتواري وجوه معروفة عن الساحة السياسية، واللافت هنا أن الأغلبية العظمى من قيادات الخط الأول لن تشارك بهذه الانتخابات، والتي ستقود إلى حقبة جديدة لن نرى معها تلك القيادات في مجلس النواب، ويتراجع دورها بالتأثير على مجريات الأحداث ميدانيا، ويكتفي بعضها في محاولة التأثير من خلف الكواليس. نعتقد أن الحل الأمثل في إقناع الرأي العام والجمهور والمجتمع بمشاركة واسعة بالتصويت، يكون ركيزتها الشباب بين سن 18 و35 عاما، معتبرا أنه حتى لو حدث تزوير، فإن تأثيره سيكون نسبيا لا يتعدى 3%، كون الشباب يشكلون نحو 70% من السكان، ونرى أن خيار الذهاب نحو الانتخابات هو أفضل خيار في إصلاح العملية السياسية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.