شعار قسم مدونات

الإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان

 

تشوه خطير أصاب الفطرة الإنسانية في مقتل، وسيكون له عواقب وخيمة على البشرية جمعاء، في ظل الصمت غير المسبوق على القتل الجماعي والإعانة على سفك الدماء ومباركته والرضا به والصمت عليه.

وفي الوقت الذي يبتعد فيه الكثيرون عن الدين الحق وعن دوره في إصلاح وتقويم النفس البشرية، وينزعون نحو الحديث عن القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع أصحاب الديانات والملل والنحل المختلفة، نجد الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وبخاصة العربي والمسلم.

 

الإعلام وسفك الدماء

وسائل الإعلام المختلفة أسهمت وبشكل كبير في تشويه الكثير من القيم الإنسانية، وأفرغتها من مضمونها، ودور هذه الوسائل تحول من التوعية والتثقيف والدفاع عن حقوق الإنسان إلى وسيلة وأداة لانتهاكها في أماكن كثيرة من العالم، وتمثل ذلك في إطلاق الاتهامات بدون دليل على أفراد وكيانات ومنظمات ودول، ويكفي مثلا أن تتهم أيا من هؤلاء بالإرهاب لتكسب تعاطفا شعبيا وتأييدا دوليا للقيام بأعمال عدائية ووحشية تنتهك حقوق الإنسان وتنتهك سيادة الدول.

ووسائل الإعلام في الغرب وفي الشرق تعمل ليل نهار على قلب الحقائق وتشويه صورة الآخر، خاصة إذا كان مسلما متمسكا بدينه، فقد وجدنا من يغني "تسلم الأيادي" للسفاحين والقتلة، الذين قتلوا في ساعات معدودة المئات من الأبرياء، ووجدنا من يتهم إخواننا الروهينغا في بورما بأنهم إرهابيون، في الوقت الذي يتعرضون فيه لانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان على يد البوذيين وحكومة ميانمار.

ووسائل الإعلام المعاصرة أسهمت وبشكل كبير وخطير في نشر العنف في المجتمع، وذلك من خلال الترويج للألعاب الإلكترونية، التي تقوم على القتل والعنف وإيذاء الآخرين وقتلهم بطرق بشعة، والعنف المفرط المنتشر في وسائل الإعلام وفي الأعمال الفنية المختلفة أدى إلى شيوع العنف داخل الأسرة.

والعنف الذي يتعرض له الأفراد داخل الأسرة أدى بدوره إلى انتشار مظاهر العنف، التي نشاهدها في الشوارع والمدارس والجامعات وغيرها من الأماكن العامة.

 

تراجع التعاطف مع الضحايا

الخطر الذي نتحدث عنه، ويهدد البشرية، هو تراجع التعاطف مع الضحايا والمستضعفين وأصحاب القضايا العادلة، ومن المفارقات أن تصدر في بعض الدول قوانين تُجرم التعاطف مع دول أخرى بحجة أنها تدعم الإرهاب، وهناك أيضا تهمة التعاطف مع بعض التنظيمات، ويعتقل بسببها الكثير من الأبرياء، الذي لم يرتكبوا جرما بحق الآخرين.

وتراجع التعاطف والصمت على القتل وانتهاك حقوق الإنسان نجده بصورة واضحة في الموقف من ضحايا الثورة السورية، ونجده في الموقف من المآسي التي يتعرض لها المسلمون السنة في العراق، ونجده في الصمت على مقتل المئات والآلاف من مسلمي الروهينغا في ميانمار، وتهجيرهم من ديارهم وإحراق قراهم على يد قوات الجيش، ونجده في الموقف من قتل الصهاينة للفلسطيين بدم بارد، ونجده في الصمت على عمليات القتل خارج نطاق القانون، والتي تقوم بها قوات الشرطة في عدد من الدول العربية.

 

التدين والإنسانية

الدعوات المتزايدة للانفكاك عن الدين، الذي ارتضاه الله عز وجل للناس وهو الإسلام، والحديث عن القيم الإنسانية بمعزل عن الشرائع السماوية، أوصل البشرية إلى ما تُعاني منه الآن من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، فعلى الرغم من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل أكثر من 7 عقود، وصدور العشرات من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ إلا أن هذه الحقوق لا تزداد إلا انتهاكا وتجاوزا من الدول الكبرى ومن يسير في فلكها من الأنظمة القمعية المستبدة.

وكلما ابتعد الإنسان عن الدين الحق كلما ازدادت الوحشية والقسوة في التعامل مع الآخرين، وذلك نظرا لغياب الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر، وغياب الضوابط الأخلاقية التي تضبط حركة الإنسان في الكون، وتضبط علاقته مع الآخرين بعيدا عن المصالح الدنيوية والصراع على المكاسب العاجلة، وإن كانت على حساب الآخرين.

والدين والشرائع السماوية جاءت لصيانة الإنسانية والحفاظ عليها من التشوه والانحطاط الأخلاقي، ومن الأمور التي عُنيت بها الشرائع السماوية حرمة النفس الإنسانية، يقول الله عز وجل (مِن أَجلِ ذَٰلِكَ كَتَبنَا عَلَىٰ بَنِي إِسرَٰٓءِيلَ أَنَّه مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَاد فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعا) [المائدة: 32].

والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا قيمة النفس البشرية التي كرمها الله عز وجل، فقد كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما إنهما من أهل الأرض؛ أي من أهل الذمة، فقالا "إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال أليست نفسا". صحيح البخاري: 1312.

والبشرية اليوم بحاجة للإسلام الذي يُؤكد على ضرورة المعاملة الإنسانية لجميع البشر، والعودة للمنهج السماوي، الذي يضمن الحفاظ على الإنسانية، ويمنعها من الانزلاق نحو الهاوية التي ليس لها قرار.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.