شعار قسم مدونات

هل يمثل تسريح العمال الحل للأزمة الناتجة عن الجائحة؟

blogs كورونا

في سنة المجاعة بالمدينة في عهد الفاروق عمر بن الخطاب قام الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه بجلب قافلة من الغذاء والدواء على حسابه الخاص إلى المدينة ورغم محاولة التجار شرائها منه بأضعاف الأضعاف أصر على تقديمها مجانا لسكان المدينة الجائعة حتى لا يبقى الناس تحت رحمة التجار الجشعين وتقربا إل الله. تلك هي الأخلاق الإسلامية الصافية التي تدفع الأغنياء إلى أن يكونوا في خدمة الناس وفي عونهم لا سيوفا مسلطة على رقابهم تهددهم بالجوع والتشرد.

 

إن عثمان بن عفان كان مقتنعا تمام الاقتناع أن المال الذي يملكه ليس في الحقيقة إلا مال الله وما هو إلا متصرف فيه طبق قواعد أخلاقية وإنسانية شرعها الله نفسه في القرآن الكريم. ومن خلال تلك التشريعات في التصرف في الثروة حلل الله البيع وحرم الربا وفرض الزكاة كحق للفقراء في مال الأغنياء الذي هو في الأصل مال الله وشجع الجميع غنيّا وفقيرا على الصدقات وفعل الخيرات. ولذلك كان التضامن والتعاون هو الأساس الذي بنى عليه الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم مجتمعهم.

  

أما اليوم وفي ظل الأزمة الحالية المتمثلة في جائحة كورونا وما نتج عنها من إغلاق كبير فإن الأغنياء قد أغلقوا أبوابهم على أنفسهم وتركوا الفقراء لمصيرهم دون أخذ بأي قيمة أخلاقية أو إنسانية ودون النظر والتأمل في أن ما يمتلكونه من ثروة إنما هو نتاج عمل هؤلاء وأنه لا نماء لتلك الثروة إلا بهم. فتخلّي الأغنياء عن الفقراء إنما تخلّ عن نماء ثرواتهم وازدهارها. إن العمال في النهاية هم منتجو الثروات وهم صانعوا الأمم القوية والعظيمة وبُناة الحضارة الحقيقيين وكل تخلّ عنهم أنما هو تدمير للحضارة والتقدم.

  

حل الصحابي الجليل عثمان بن عفان وطريقة الفاروق عمر بن الخطاب في التضامن مع مواطنيه لدرجة الجوع معهم هو الحل الأفضل للخروج من التأثيرات السلبية لجائحة كورونا

إن ما يشهده العالم من تسريح كبير للعمالة وما يعنيه من انتشار البطالة والفقر والجوع إنما هو تخلّ عن كل إمكان لتقدم المجتمعات وتطورها وهو تخلّ عن مبدأ أساسي في المجتمعات القوية والعادلة وهو مبدأ التضامن والتعاون. وخاصة تخلّ عن الأخوة الإنسانية والدينية مقابل التمسك بقيم الأنانية وحب الذات. إن الأغنياء والحكومات التي يسيرونها ويتحكمون فيها قرروا التخلي عن دورهم الاجتماعي والأخلاقي وترك الشعوب تواجه مصيرها لوحدها. إنهم بذلك يتناسون أو لا يدركون أن هذا التخلي ستكون له نتائج كارثية على الوحدة المجتمعية وأن ثورة الجياع لن تترك ثروة الأغنياء.

 

إن الحل الأخلاقي والإنساني للوضع الناتج عن الجائحة (العمال ليس لهم دور في حدوثها) إنما تحمل الدول لمسؤوليته الأخلاقية والإنسانية وواجباتها الدينية في كفالة المجتمع وحمايته لحين مرور الجائحة وعودة الحياة إلى طبيعتها. فما ستبذله الدول من مال خلال الجائحة لن يكون ذا قيمة أمام ما ستخسره في الاضطرابات والثورات والانتفاضات الاجتماعية.

 

على منظري الاقتصاد أن يعيدوا النظر في تصوراتهم التي تستهدف في الغالب (خاصة في المجتمعات الرأسمالية) الطبقة العاملة وأن يدركوا أن تلك الطبقة إنما هي المحرك الحقيقي لإنتاج الثروة وليس رأس المال فرأس المال دون عمالة متخصصة ومتقنة لعملها لا يمكنه أن ينتج شيئا. فالثروة هي نتيجة لجهد العمال وكفاحهم من أجل حياة أفضل لهم ولأبنائهم. فالدول والمجتمعات تتقدم وتزدهر بجهد وجهاد عمالها فهم الثروة الحقيقة لها.

 

إن الحل السهل هو التسريح (هو دليل على جبن رأس المال) ولكن الحل الحقيقي يتمثل في التضحية الآنية من قبل الدول والأغنياء بجزء يسير من الثروة للحفاظ على سلامة الوضع الاجتماعي وصلابته وهي تضحية بسيطة أمام ما قدمه العمال سابقا لازدهار المجتمع ونمو ثروة الأغنياء وهو الضامن أيضا للعودة السريعة للاقتصاد لوضعه السابق قبل الجائحة وربما لأفضل من ذلك فالعمال سيزداد ثقتهم في قوة العمل وصلابة التضامن المجتمعي وتلك الثقة ستكون الدافع لمزيد الإنتاج وبالتالي لمزيد تنمية ثروة المجتمع عموما (الاقتصاد الصيني بدأ يتعافى لأن الدولة لم تتخلى عن عمالها) . إن تضحية الدول والأغنياء بجزء من الثروة حفاظا على الوضع الاجتماعي للعمال إنما هو تضحية ظرفية من أجل ربح دائم ومستمر.

  

أما تخلي الدول عن وظيفتها الاجتماعية وتخلي الأغنياء عن التضامن مع عمالهم فلن ينتج إلا الاضطرابات والانتفاضات والثورات الاجتماعية التي ستكلف الجميع غاليّا وربما تؤدي في بعض الأحيان إلى حروب أهلية مدمرة لن يستفيد منها أحد.

  

إن حل الصحابي الجليل عثمان بن عفان وطريقة الفاروق عمر بن الخطاب في التضامن مع مواطنيه لدرجة الجوع معهم هو الحل الأفضل للخروج من التأثيرات السلبية لجائحة كورونا. لقد حان الوقت لتثبت الدولة أنها في خدمة المجتمع لا في خدمة أصحاب الثروة والجاه. وأن يثبت أصحاب الثروة أنهم يقدرون جهد عمالهم بمأزرتهم والتضامن معهم عند الأزمات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.