شعار قسم مدونات

هل يفعل كورونا في العالم العربي ما لم تفعله الثورات؟!

blogs كورونا

مع مرور الوقت في ظل زمن كورونا والبحث في الموضوع من جوانب متعددة يبدو أن هذه المرحلة أقامت إنقسامية إيجابية لا كما تمت في زمن الاستعمار الغربي بل إنقسامية تؤسس لإستقلالية تنمي الاعتماد على ما تمتلكه الأوطان من رأسمال لا مادي ذلك أنه مبدأ التنمية والنجاح الكامل ولعل ما حققته بلدان شرق آسيا اليابان أندونيسيا ماليزيا في هذا السياق من تطور عظيم يعزى لإدراكها لأهمية الرأسمال البشري واستثمارها فيه بالشكل الصحيح.

مع جائحة الكوفيد 19 أصبحت الدول بمختلف درجات تطورها تكافح وتجابه الفيروس بما لديها من موارد مادية ولا مادية، بعد تبدد سياسة التكتلات الإقليمية والتحالفات وغيرها من أوجه التعاون التي كنا نسمع عنها جراء قوة الحدث فيروس عالمي قاتل، الحديث عن التعاون أو الإنسانية في الاتحاد الأوروبي لا يستقيم بعد ما عاشته إيطاليا من كارثة إنسانية دون أي إلتفاتة لها، لم نرى أي مساعدة من روسيا لإيران ولم تساعد الصين إيطاليا في سياق الإنسانية، بل في سياق ممارسة الذكاء السياسي عن طريق تعويض ما كان مفروض على الاتحاد الأوروبي القيام به إنها السياسة ولا أخلاق فيها. الأمر في البلدان العربية الإسلامية يبشر بالخير إلى حد ما رغم ما راكمته من تخلف وعبث وفساد إلا أنه لا زال هناك ما يمكن التشبت به لإحداث إصلاح حقيقي من خلال ثلة من المؤشرات أطقم طبية شابة ذات كفاءة، شباب واعي بأهمية وخطورة الأمر، بروز مبادرات قيمة يحملها الشباب من قبيل إختراع آلات تنفس صناعي بأقل تكلفة مقارنة مع الثمن الذي تعتمده الدول المحتكرة، تصنيع المعدات البسيطة بشكل محلي كمامات واقيات وغيرها.

ذهب العديد من المفكرين الذين اهتموا بسؤال التغيير وخيار الثورة في معظم البلدان العربية كحل حسموا أنها يجب أن تكون ثورة معرفية أولاً أي وجوب تحقق الشرط المعرفي للقيام بتغيير إيجابي

طبعاً لا نعد ما أنتجه الشباب العربي وجسده من وعي في ظل الأزمة على سبيل العظمة والتميز الكبير لكن هناك ما هو أهم من ذالك إنها مؤشرات القدرة على النهوض وبناء دولة منتجة مستقلة غير خاضعة للأخر العولمي الذي أدت به النرجسية إلى الهلاك والقادم أسوء بنسبة له. مُنِعَ العلم عن المسلمين خصوصاً في المنطقة العربية وتمت محاصرتها بأشكال ضمنية ومعلنة مع إقامة إنقسامية فتاكة، تطورت الفتنة الطائفية لحروب، وبالمقابل إستقطبت القوى النرجسية الأدمغة الخلاقة والمبدعة في المنطقة كل هذا من أجل إقبار العالم العربي الإسلامى في براثن التخلف إلى الأبد إنها رؤية النرجسي لابد أنها غبية!

يأتي الكورونا فيروس يبعثر أوراق الماسكين بزمام الأمور الانقسامية تصيب العالم الغربي المتحد الكل داخل رقعة بلاده وكل أرض بما جادت على وطنها من نِعم تعيش بيد أن المفسدين والمتخصصين في جرائم السرقة كُثر في أوطاننا لكن رحمة الله باقية. لا شيء مستبعد حالياً قد يحدث تراكم تاريخي مهم للمسلمين شريطة عدول المفسدين عن الفساد بتنمية الرأسمال البشري عبر تعليم عمومي جيد وقطاع صحي عمومي مجاني بخدمات جيدة بعدما أبانت لنا كورونا في هذا الصدد أننا نمتلك أطر طبية ذات كفاءة عالية كما أبانت أيضاً رغبة الشباب الباحث في قدرته على الاختراع والابتكار في ظل انعدام الظروف المناسبة والتهميش الذي أصبح الصفة المميزة للباحث عن المعرفة والعلم في أوطاننا! من الإستحالة والبساطة الفكرية أن يحصر هذا الحدث الوبائي الذي صنع تاريخ في بعده الواحد فهو متعدد القراءات والإشارات لكن أهم رسائله لنا هي: الإيمان بذواتنا وقدرتنا وإقامة نماذج سياسية تتوخى النهوض بشعوبها ومساندتها لها فزمن ما بعد كورونا حاسم للكشف عن معادن الحكام العرب وتحديد موقفهم إما الإصطفاف جنب الحق وخشية رب الخلق أو استكمال سيرورة الإفساد والخنوع فويل لهذا الفريق.

الكل يعلم مدى قدرات الشعوب العربية لما تحويه من طاقات شابة فهي تمثل ما يقارب 60٪ من هرم الفئة العمرية يجب الاستثمار فيها والاعتماد عليها فالأغلبية من الذين يواجهون كورونا في أوطاننا من أطر طبية وفرق البحث العلمي المكافحة لإختراع الأجهزة والمعدات وكذا الأطر التربوية التي تسهر على عملية التعليم عن بعد والسلطات فهي شابة ولعل أهم وصايا العالم المهدي المنجرة هي إعطاء الأولوية للشباب فهم طاهرون ومتطلعون لبناء أوطانهم وتطويرها فعودة الإنتاج المحلي ضرورة أفرزها كورونا كما قال إدغار موران لكن علينا نحن أن نعتمدها بشكل دائم ذلك أنها أولى خطوات بناء اقتصاد قوي ومستقل. في زمن كورونا نسجل إرتفاع نسبة القراءة بمجتمعاتنا بفضل الحجر الصحي التي نحقق دائماً فيها معدلات جد منخفظة.

كما ذهب العديد من المفكرين الذين اهتموا بسؤال التغيير وخيار الثورة في معظم البلدان العربية كحل حسموا أنها يجب أن تكون ثورة معرفية أولاً أي وجوب تحقق الشرط المعرفي للقيام بتغيير إيجابي وهذا أمر يقبله العقل ويسلم به تصديقاً لقوله تعالى "إقرأ بسم ربك الذي خلق" فأن تكون أول آية نزلت من عند الخالق كافية لإدراك أهمية القراءة التي وجب أن تتخد من المعارف الفكرية أولى أولوية إذن لنقرأ عن:
– ما أنتجت الحضارة الإسلامية من فكر وإنتاجات علمية تعيننا على استشراف المستقبل وتمنحنا الرشادة في التخطيط.
– الانفتاح على ما راكم عصر النهضة من أطروحات أسست لإحداث تغيير عظيم في أوروبا دون إسقاطها على واقعنا ذلك أن لكلٍ خصوصياته وبنياته.
– الإطلاع على أعمال المفكرين العرب وأخص بالذكر هنا عالم المستقبليات المهدي المنجرة الذي سوف يعيننا على فهم و تحديد مخارج الأزمة بنسبة مهمة لما أعطاه الله من علم.

إن زمن كورونا رغم قِصر عمره أعطى للعرب كثير من الإشارات كما لو أن المجدد المؤطر شاء العلي القدير أن يكون على شكل فيروس، وباء، شيء خبيث لعله يوافق حالة التوحش التي صار عليها العالم! لحد اللحظة الفيروس قاسٍ على النرجسية الغربية التي جلبت الويلات على شعوبها الذين لا ذنب لهم، ينما نجده رحيم بمجتمعاتنا الإسلامية لأنه تذكير وموعظة لنا ومصحح لحركة التاريخ إلا لمن آبى. إذن تعزيز الإنتاج المحلي والتخلص من التبعية وبناء نظام تعليمي فعّال هي رسالة كورونا لنا فالأزمة عابرة بإذن الله لكن الأزمة التي صَعُبَ مرورها أزمة التخلف والتقهقر الذي تعيشه الأمة منذ زمن، فلنأخذ رسائل كورونا لنا على محمل الجد لا ربما حينها نحقق ما عجزت الثورات عن تحقيقه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.