شعار قسم مدونات

طفلك العنيد سيكون قائدا في المستقبل!

blogs طفل

مع ولادة طفلٍ جديدٍ للعائلة، يدركُ الأبوان أن حياتهما سيعتريها الكثير من التغييرات لتناسب هذا النزيلِ الجديد، الآن على الجميع أن يساهم بتوفير البيئةِ المناسبة لنمو الطفل نموا صحياً وآمنا على الصعيدين الجسدي والنفسي، يدرك الأبوان أيضا أن جميعَ التصرفات وردودَ الفعل التي يؤدونها مع طفلهم لا شك وأنها ستؤثرُ فيه نفسياً وستساهمُ في تشكيلِ شخصيته على المدى البعيد، فهذا الطفلُ الذي يقومون على رعايته الآن ما هو إلا بذرةً يسقونها من أجل أن تثمرَ في المستقبل، إن عليهم أن يحسنوا الغرسَ جيداً لينبت الطفلُ نباتا حسنا، فكيف يؤدون هذا الدور على أكمل وجه مع طفلٍ عنيدٍ يقابلُ أوامرهم بالتمرد والرفض المطلق؟

 

إن رزقتما بطفل عنيد فهنيئا لكما! لقد رزقتما بقائد! أما عن تربيةِ طفلٍ قائد فهي ليست بالمهمة السهلة، إنها ترويضٌ بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فأنت هنا تتعامل مع طفلٍ غير عادي، هو طفلٌ مدركٌ لوجوده، إدراكُه لوجوده يدفعه الى محاولة إثبات هذا الوجود من خلال الرفض أو بإجبار الأبوان على ما يرغب به ليشعر أن له السيادة على نفسه وعلى أبواه. هو طفلٌ جامحٌ، حادُ الطباع، صعبُ المِراس، أسلوب التربيةِ التقليدي لا يجدي معه نفعاً، لا وأؤكد أنه سيؤثر عليه سلباً وقد يقدم على فعل ما لا يحمد عقباه مستقبلا.

 

بشكل عام يبدأ الطفلُ بالشعور بأنه كيانٌ موجود يتأثر ويؤثر مع نهاية عامه الثاني وبداية عامه الثالث، فالآن هو مستقلٌ عن أبويه بعض الشيء ومدركٌ لماهيةِ الأشخاص والأشياء من حوله، لديه عالمه الخاص ويود بالطبع تولي القيادةَ فيه. ولكن بشكل خاص فإن الطفل العنيد يبدي رغبةً أكبر في القيادة وترى ذلك في تصرفاته في الأمور العادية الصغيرة التي تمثل الحياة اليومية. فهو يرفض ما يطلب منه رغم كل المغريات التي قد تقدمها له، على سبيل المثال لعبة يحبها أو مكاناً يرغب بزيارته، فهو لا يأبه بخسارة الأشياء مقابل عدم التنازل عن موقفه.

 

إنزل لمستوى طول الطفل، الفت انتباهه بصوتٍ هادئ، وقل ببعضٍ من الحنانِ المختلطِ بالحزم! انظر في عيني لدي ما أقوله لك فهل ستسمع؟

إن كان طفلكما عنيدا فمن المؤكدِ أنكما ستجدان صعوبةً في وضع جدولٍ يوميٍ للمهام، فالأمر الذي يتم انهاؤه بخمس دقائقٍ كإنهاء وجبة الإفطار أو ارتداء الملابس أو ترك الألعاب أو مغادرة الحديقةِ مثلاً، يستغرق معه وقتا أكبر فقط لأنه غير مقتنعٍ بأن عليه أداء هذا الأمر، ففي نفسِه يعرف أنه القائد ويستطيع أن يقبل أو يرفض وبالتالي فإنه يختارُ ما يرضي به غروره ألا وهو الرفض طبعا.

 

الآن وقد عرفنا أين تكمن المشكلة (رغبته بقيادة نفسه ومن حوله والتي هي ليست مشكلة في الحقيقة وإنما هبةً إن عززتها جيدا فإنك تخلق قائد المستقبل) سنحاول إيجاد طريقةٍ للتعامل معها، وأود هنا الإشارة إلى أن الحل يحتاج من الأبوين صبراً كبيراً وقدرة على التحمل وضبط النفس فالصراخ والضرب والمعاملة بالمثل لن تجعله يطيعكما مهما كلفه الأمر فحينها يشعر بالإهانة ولن تنالا منه إلا مقاومة وعنادا أكبر.

 

عليكما أولاً بالاتفاقِ فيما بينكما بأن تتبادلان الدورَ في التعامل مع مواقف عناد طفلكما، فتقومُ الأمُ بهذا الدور مرة ويقوم به الأبُ مرةً أخرى. عليكما ألا تقوما بمعالجةِ موقفٍ واحدٍ معا، سيشعر الطفل حينها أنه يقابل هجوما بعدد أكبر منه، أي اثنين مقابل واحد وهذا غير عادلٍ بالنسبة له وسيضطر حينها الى زيادة الدفاع ضد هذا الهجوم. وعليكما أن تتجنبا تحييد أحدكما نهائيا من التعامل مع عناد الطفل، لأنه سيشعر أما أن أحد الآباء لا يأبه لوجوده فيبدأ بالتسلط أكثر ليلفت نظره أو على العكس، سيعتبر أن الطرف الذي لا يجادله يحبه أكثر فتختل علاقته بالطرف الذي يجادل. فإن كان دورك الآن سواء كنت الأم أو الأب فخذ نفسا عميقا، شهيقٌ وزفير لمراتٍ عدة، تنفس فإن التنفس سيساعدك بإخراج مشاعرَ الغضب ورد الفعل السريع، سيعطيك بعضَ الوقت لتجنب العنف مع الطفل.

   

إنزل لمستوى طول الطفل، الفت انتباهه بصوتٍ هادئ، وقل ببعضٍ من الحنانِ المختلطِ بالحزم! انظر في عيني لدي ما أقوله لك فهل ستسمع؟ ستكن جدا محظوظا إن نظر لعينيك وبدأ بالهدوء للسمع. وإن لم يفعل وعلى الأغلب لن يفعل من المرة الأولى، كرر المحاولة مجددا، كررها لثلاث مرات إن لزم الأمر وإن لم يهدأ، قل أنا لن أجبرك على ذلك وسأتركك خمس دقائق لتهدأ، عندما تهدأ تعال لنتناقش في الموضوع وإن لم تأت فأنا سأتصرف دون أخذ رأيك واتركه واذهب واشغل نفسك بأي شيءٍ آخر. ستفاجأ بأنه بعد قليل وإن طال الأمر لدقائقٍ أكثر فأنه سيعاودُ الهدوء وسيوقف البكاء وسيأتيك ليناقشك. مهلا لا تفرح كثيرا، فإن ذلك لن يحدث من أول تجربة، سيأخذ الأمر عدة مرات حتى يعتاد الطفل على أنه إن لم يأت للنقاش ستقوم أنت بالتصرف تصرفا لن يعجبه كأن تحمله على العودة الى المنزل مثلا أو ترجع لعبة كان يرغب بها وقتها فيضطر لأن يتنازل ليشارك في أخذ القرار.

  

عندما يأتيك ليناقشك اطلب منه أن ينظر في عينيك، فإن النظر المباشر بالعيون يبعثُ الراحةَ والثقةَ بينكما، وسيجعله يودي بتفكيره قليلا عن الأمر الذي فيه تختلفان ويعطيك ذلك بعضُ الوقت لتلملم نفسك وترتب كلماتك لتقنعه بما تريد. أنصحك باتباع أسلوب التخيير، أعط الطفلَ خيارين كلاهُما يصلحُ لك، بهذه الطريقة يشعر الطفلُ بأنه يشارك باتخاذ القرار ويشعر بسيادة نفسه على نفسه، وأنت أيضا تحدد له الخيارات التي تناسبك ويبات الجميع فائز. ىإن قام بأمرٍ خاطئ، اشرح له بهدوء الخطأ الذي ارتكبه، واشرح له بما يناسب فهمَه الخطرَ الناجم عن هذا الأمر.

 

أنت المسئول عن تعزيز وجوده وثقته بنفسه واستيعابه في الصغر لينشأ لك شخصا قادرا على قيادة نفسه ومن حوله بطريقة متوازنة

وفيما يلي بعضُ الارشادات عن كيفيةِ التعاملِ مع الطفل العنيد في الحياة اليومية:

اعطه المجالَ باتخاذ القرار في الأمورِ البسيطة حتى يتسنى لك اتخاذُ القرار في الأمور الأعقد فمثلا اسمح له باختيار ملابسه، واعطه الوقت ليرتديها بنفسه واسأله عما يحب أن يأكل واجعله يشارك في اعداد الوجبة، وحدد معه الوقت الذي تحتاجا لإنهاء الوجبة سويا.

 

اطلب منه اختيار كتابا لتقرآه سويا، اتفق معه على أنك ستختار الكتاب يوما ويختاره هو يوما، واستغل يومك باختيار كتابٍ توصل به رسالتك.

 

أقم له مسرحَ العرائس في المنزل وأعطه دورا يمثله، اجعله يأخذ دورا مهما.

 

كافئ الطفل عندما يقوم بعملٍ يستحق المكافأة، اصطحبه لاختيار هديةً تعجبه ولكن حدد له الميزانية.

 

ضع حدودا للطفل، اجعله يعرف الأمورَ التي لا يمكنه الجدال فيها.

 

شاركه بنشاطٍ أسبوعي يمكنه من رؤيةِ أطفالٍ آخرين ليرى تصرفاتهم مع آبائهم.

 

اجعل الخروج للحديقة معه عادةً يومية وضع له منبها على الهاتف، اتفق معه على أن صوت المنبه هو موعدُ العودة.

 

لا تنتقده أمام أحد ولا تصفه صفة العناد أمام نفسه أو الآخرين فبذلك أنت تجعله يؤمن أنه يتميز بعناده فيزداد به.

 

لا تكن صارما جدا، تحل ببعض اللين واستوعبه، وتعامل معه وكأنك تتعامل مع صديقٍ عزيزٍ عليك، تشرح له وتغفر له وتخلق له عذرا، ولكن لا تضع رقبتك تحت سكينه.

  

عليك أن تكن قدوة له، أي لا تعند مع أحد أمامه لأنك بالنسبة له المنهل الأول للتعلم، وإن لم تكن قدوة حسنة له فلا تتوقع منه الكثير.

  

وأخيرا تذكر أن الإنسان العادي يبدأ بالوعي والإدراك لوجوده في مرحلة المراهقة وأن الطفل العنيد هو انسانٌ غيرُ عادي قد أدرك وجودَه مبكرا وعليه فأنت أمام تحدٍ في التعامل مع هذا الغير عادي! أنت المسئول عن تعزيز وجوده وثقته بنفسه واستيعابه في الصغر لينشأ لك شخصا قادرا على قيادة نفسه ومن حوله بطريقة متوازنة أو أنك ستكسره فتخسره وتكن مسئولا عن ذلك الجزء المجروح فيه والذي لن تضمده له الأيام ولا التجارب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.