شعار قسم مدونات

اليمن.. استنزاف الأرض والإنسان!

blogs اليمن

لا يختلف تحالف الإمارات-السعودية في إجرامه عن نظام بشار الأسد، فكلا الطرفين بنفس الأسلوب والآلة يحصدون أرواح العشرات من أطفال وشباب مدنيين عزل، علاوة عن التدمير الشامل الذي لحق بالبنية التحتية والمساكن والتي تقدر إعادة إعمارها ب 100 مليار دولار وفقا لتقارير محلية ودولية.

  

يدعي تحالف الأشقاء بحججه الواهية سعيه الدؤوب لاستعادة الشرعية، إلا أنه بعد أربع سنوات من هلك الحرث والنسل لم تحرر أكثر من نصف الرقعة الواقعة تحت سيطرة الانقلابين الحوثيين، في حين لم تتسلم الشرعية فعليا سوى 3 مدن (تعز ومارب والجوف) فيما بقية المدن المحررة تخضع لسيطرة المليشيات الموالية للإمارات، وهذا أسلوب جديد على غرار الذي كانت تنتهجه بريطانيا في حروبها العبثية الطامعة للاستعمار.

 

يظن الكثير أن التحالف العربي قد خرج عن مساره الأول، بيد أنه في الحقيقة ماض في ظلاله القديم، فالمسار الحالي كان مرسوم منذ الوهلة الأولى لانطلاق عاصفة الحزم الهادفة إلى البسط على موانئ اليمن والجزر الهامة التي تقع على خط التجارة العالمي الرابط بين القارتين -السمراء والصفراء- ومضيق باب المندب إضافة إلى مساحات واسعة من أراضي غنية بالنفط والغاز في مأرب والجوف وشبوه وكذلك محافظة المهرة التي تحرص السعودية على الظفر بها بغية تمرير أنابيبها النفطية عبرها وإنشاء ميناء نفطي على بحر العرب المفتوح على العالم، وهذا بمثابة إجراء احترازي بديل لممر مضيق هرمز الإيراني في حال إغلاقه.

 

يعمل التحالف على إطالة أمد الحرب في اليمن وحفظ توازن القوى بين الشرعية والحوثيين ليبقى أطول فترة ممكنة في اليمن باسم محاربة الانقلاب واستعادة الشرعية

كل هذا الحلب لثرواتنا الطبيعية لم يعد يهمنا الآن كيمنيين على رأس أولوياتنا الأمن والسلام، فما هو أفزع من ذلك يتمثل في استنزاف شباب اليمن، حيث تستميل السعودية خيرة الرجال (بمقابل مالي مغر) إلى معارك لا عودة منها إلى الدار بل إلى القبر، لتقحمهم على حدودها في معارك لا ناصر فيها ولا مغلوب، والغرض منها كما أسلفت: استنزاف الطائفتين؛ ليبقى اليمن وهن بلا أطراف يدافع بها عن نفسه مع مرور الزمن، الأمر ليس هذا فحسب بل وصل إلى استهداف أحياء سكنية وسط المدن على مدى أربع سنوات بحجة تدمير مخازن السلاح، والضحايا ككل مرة مدنيين معظمهم أطفال وكأن الأمر مقصود في تقليص أجيال اليمن (شباب المستقبل)، فالخطأ يمكن أن يكون مرة ومرتين أو ثلاث، لكن ليس مئة مرة.

 

حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2018 يتحمل التحالف نتيجة حربه في اليمن ثلثين في قتل ما لا يقل عن 5295 مدنيا معظمهم أطفال وجرح 8873 آخرين، وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، رغم أنه يرجح أن عدد الضحايا الفعلي أعلى بكثير، أضف الى ذلك ضحايا الفقر والأوبئة والذين لا توجد إحصائيات رسمية بعددهم، بيد أن الكوليرا وحدها فتكت بأكثر من 3200 شخص بحسب وزارة الصحة اليمنية.

 

لقد تركت السعودية استهداف الانقلابين في الجبهات وتعزيزاتهم العسكرية رغم تلقيها الإحداثيات باستمرار من غرف عمليات الجيش الوطني وفضلت ضرب الأحياء المكتظة بالسكان وسط صنعاء على الأهداف العسكرية المكشوفة، وهذا أسلوب أمريكي لو رجعنا قليلا للخلف سنجد أنه طبق في حربي أفغانستان والعراق. بات واضح دون ريب أن خيوط اللعبة تحركها أيدي الغرب، فبإيعاز منها تصول وتجول مقاتلات التحالف سماء اليمن وميليشياتهم جنوبا، ناهيك عن مليشيات الحوثي شمالا، والجميع يعمل كما لوكان في موسم حصاد يقطف أرواح الأبرياء، ومن لم يمت بالقتل مات بالمرض أو الجوع أو البرد.

 

يدرك العدو ان الأرض قد تعوض إذ فلابد أن يعود الحق يوما إلى أصحابه، لكن ما الذي يعوض الأرواح إن ذهبت فحتى كنوز قارون لا يمكن لها أن تعيد الحياة لطفل تطايرت أشلاؤه بغارة جوية في صنعاء أو أمرأه سقطت بطلقة رصاصة قناص حوثي في تعز أو حتى لشاب مقاتل في صعدة أيا كان ولايته "المهم أنه يمني". تحالف عربي بالاسم خرج منه الشرفاء لم يبقى منه على الواقع سوى السعودية والإمارات الآتي كانت أعينهما منذ البداية على خيرات اليمن قبل دخول الحوثيين صنعاء، وما لا يدعوا مجالا للشك أنهما من سهلا وصول الانقلابين إلى صنعاء مرورا بتعز حتى عدن.

 

يعمل التحالف على إطالة أمد الحرب في اليمن وحفظ توازن القوى بين الشرعية والحوثيين ليبقى أطول فترة ممكنة في اليمن باسم محاربة الانقلاب واستعادة الشرعية.. ينهب الأرض ويسفك دماء من يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون، وكل هذه الجرائم المروعة ترتكب يوميا على مرأى ومسمع العالم الذي يكتفي بالتنديد والقلق عبر الأمم المتحدة التي أثبت الوقت فائدة عدمها من وجودها، فالمنطق بات يقول أن لغة القوة هي اللغة السائدة في أي مكان ولا معنى للنظام والقوانين في غابة تملؤها الوحش.

 

ما يحزنني هو موقف الشرعية اليمنية التي باتت في حكم الإقامة الجبرية داخل المملكة تتفرج على عبث الرياض وأبو ظبي في بلادها دون أن تتجرأ التفوه بكلمة فيكون مصيرها كمصير المعارضين السعوديين، وبصراحة شخصيا لا لوم عليهم طالما أنهم في حكم الضعيف، فمن يمتلك القوة يمتلك القرار. أعرف أن مقالي هذا لن يعجب أنصار التحالف السعودي-الإماراتي ولا أنصار الحوثي (أنصار الله)، لكن يجب علينا ترك النفاق وقول الحق ولو كان ضدنا، أما أولئك الذين يبررون أخطاء التحالف الجسيمة "دون عذر" بجحة وحدة الصف أو حتى أخطاء الحوثيين وهم بكامل حريتهم وبعدين عن الخطر المفترض عليهم، أقول لهم: إن كان لكم ضمير؛ اخجلوا على أنفسكم ولو قليل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.