شعار قسم مدونات

هل سيصبح العراق ساحة حرب؟

blogs العراق

ماذا لو دخل العراق حكومتاً وشعباً في مُنعطف يضعه أمام سيناريو قد يفوق كل ما خَلفهُ داعش من دمار وخراب وتفكك داخل البنية المجتمعية التي سيحتاج سنوات وأجيال متعاقبة كي يتم إعادة هيكلتها؟!

أزمة تصعيد إعلامي دولي

في تصعيد جديد حول الأزمة بين واشنطن وطهران دخلت حكومة بغداد على خط المحور بعد أن كشفت الولايات المتحدة في الأسبوع المنصرم عن وجود تهديد وشيك ضد مصالحها داخل العراق حيث تم التوصل إلى معلومات عن تحرك فصائل وأذرع مدعومة من إيران، لنشر صواريخ قرب القواعد الأميركية على الحدود العراقية مع سوريا والتي تشكل منطقة نفوذ قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وبهذا الشأن أمرت وزارة الخارجية الأميركية موظفيها غير الأساسيين في سفارتها ببغداد وقنصليتها في أربيل بمغادرة العراق بأقرب وقت، وأعلنت الوزارة، في بيان تم نشره على موقع السفارة الأميركية في العراق، تعليق خدمات التأشيرات الاعتيادية في المقرين الدبلوماسيين بصورة مؤقتة، كما أعلنت تقليص خدمات الطوارئ المقدمة للمواطنين الأميركيين في العراق.

يحتل العراق المركز الأول في مجال تصدير السلع الإيرانية بنسبة ٥٧ بالمائة من منتجات إيران غير النفطية تصل العراق وهو بذلك متقدماً على كل من الصين والإمارات

واتخذت دول غربية إجراءات مماثلة حيث علّقت الحكومة الهولندية عمل بعثتها في العراق التي تقدم المساعدة للسلطات المحلية بسبب تهديد أمني لم تذكر طبيعته، حسبما أفادت وكالة الأنباء الهولندية. وكان موقع مجلة فوكوس الإلكتروني قد قال إن القرار اتخذ بالتنسيق مع الدول الشريكة التي تحارب تنظيم، وتساعد قوات هولندية عسكرية في تدريب القوات العراقية في أربيل شمال العراق بالتعاون مع قوات أجنبية أخرى. وبهذا الشأن قال متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية إن بلاده ستعلق عمليات التدريب العسكري في العراق بسبب تصاعد التوتر في المنطقة. وأضاف أن لدى ألمانيا مؤشرات على هجمات محتملة بدعم من إيران، لكن ذلك لا يعني أن برامج التدريب لا يمكن أن تستأنف خلال الأيام المقبلة. ومن جانبها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية إن بلادها ستبقي على عدد الموظفين بسفارتها وقنصليتها في العراق ثابتاً في الوقت الحالي، مؤكدة أن السفارة في بغداد تعمل وبكامل موظفيها.

ردود فعل سلبية على الجانب العراقي

ضغوط كان لها صداها في الشارع العراقي ووسائل الإعلام مما دفع العديد من المستثمرين لإيقاف العمل وتجميد مشاريعهم الإستثمارية داخل العراق تحسباً لوقوع أي خطر بحسب مسؤولون في غرفة تجارة بغداد. وفيما يخص الجانب الاقتصادي ذكرت "رويترز" في تقرير نشرته إلى أن حملة الضغط الاقتصادي التي شنتها واشنطن ضد إيران، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تحاول إجبار بغداد على التخلي عن علاقاتها الاقتصادية مع طهران. فيما يحتل العراق المركز الأول في مجال تصدير السلع الإيرانية بنسبة ٥٧ بالمائة من منتجات إيران غير النفطية تصل العراق وهو بذلك متقدماً على كل من الصين والإمارات.

وتُعتبر إيران ضمن الدول العشر التي تلبي احتياجات السوق العراقية بفضل الحدود المشتركة بينهما وانخفاض تكاليف النقل ورغبة البلدين في تطوير التجارة البينية. وفي مجال الطاقة وبحسب تقرير عن شركة "بي پي (BP)" الخاص بـ "المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية" لعام 2018 كشفت أن صادرات الغاز من إيران إلى العراق بلغت 154 مليون قدم مكعب في اليوم، مما سمح لبغداد بتوليد ما لا يقل عن 1000 ميغاواط من الكهرباء، مع خطط لزيادتها إلى 4000 ميغاواط. وعلى الصعيد ذاته أكد مسؤولان في مجال الطاقة أن واشنطن تعمل على حث السلطات العراقية في سبيل إبرام اتفاقيات في مجالات الطاقة والنفط يجري بحثها الآن مع شركتي General Electric وExxon Mobil الأمريكيتين، واعتبر الباحث في معهد "تشاتام هاوس" اللندني، ريناد منصور، أن واشنطن تخير السلطات العراقية بين التعاون معها أو مع طهران.

قد يكون الأمر برمتهُ أبعد من كونها إجراءات سلامة وحذر تعمل عليها السياسة الأمريكية وأقرب ما يكون لعمل استراتيجي يشكل حرباً نفسية إعلامية للتأثير على الرأي العام، وزعزعة العلاقات المتجذرة بين الجارة الطيبة اللدودة إيران فهي يوم صديقة حميمة، ويوم عدوة قادرة على دس السم في العسل لبقاء مصالح بلادها في أولوية القائمة. حيث تحافظ الحكومة العراقية وكل الأطراف التي على صِلة مع طهران بموقف الحياد محاولة أن تمسك العصا من وسطها لكسب رضا الولايات المتحدة خصوصاً مع محاولات حثيثة من قبل الخارجية العراقية وأطراف سياسية داخل العراق للعب دور الوسيط بين الطرفين لإنهاء التوترات، في الوقت الذي تحاول فيهِ السعودية والإمارات التصعيد من حدة الأزمة بكافة الطرق والأساليب والوسائل المتاحة لها. هل سيتخلى العراق عن جارتهُ الصديقة إيران وينأى بنفسهُ؟ كون الحكومة أمام مسؤولية وطنية يجب أن تضع فيها مصالح البلاد أولاً. ولا تسمح أن يكون العراق ساحة صراع وحروب بالوكالة وأداة لدول وأطراف خارجية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.