شعار قسم مدونات

الحرب الأمريكية الإيرانية.. الحرب التي لن تكون

blogs حاملة طائرات

المتتبعون للتصعيد الذي عرفته منطقة الخليج الفارسي خلال الأسبوع الماضي، والذين تنبأوا بحدوث صدام بين الولايات المتحدة وإيران، قد لا يعرفون عقلية الرئيس الأمريكي الليبرتارية، وهي التي أكسبته تأييد 62 مليون ناخب أمريكي خلال انتخابات 2016.

 

الفكر الليبرتاري والتي يعتنقه أغلب الأمريكيين خاصة في الوسط الأمريكي أو أمريكا العميقة والقائم على دعم الحرية الفردية وإزالة القيود المفروضة على الفرد من طرف الحكومة الفدرالية خاصة في كل من الجانب الاقتصادي والسياسي، فاقتصاديا يعارض أصحاب هذا الفكر تدخل الحكومة في تسيير السياسة الاقتصادية للبلاد والاكتفاء بدور الدولة الحارسة لمن يريد العبث بالاقتصاد الوطني، أما سياسيا فهم يعارضون تدخل الحكومة في شؤون تسيير الولايات، ويرون فيه نوع من ممارسة الإكراه اتجاه الفرد الحر، وإن كانوا يعارضوا التدخل في شؤون الولايات وضرورة اكتفاء دور الحكومة الفدرالية بالدفاع على السلامة والوحدة الترابية للبلاد، فإنهم يعارضون بشدة التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهم من أشد المعارضين لسياسة الولايات المتحدة التوسعية، خاصة في الفترة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي، فهم يرون أنه لم يعد لوجود حلف الناتو أي جدوى، ويرونه وسيلة تعتمدها الدول أعضاء الحلف لدعم سياستهم التوسعية الاستعمارية، وتدعيم مصالحها بالاستيلاء على خيرات الشعوب الضعيفة.

  

فالليبرتاريون يرون في الحروب الأخيرة التي خاضتها الولايات المتحدة من سقوط الاتحاد السوفياتي خاصة في الشرق الأوسط، كان لها تأثير سلبي على شعوب دول حلف الناتو والشعب الأمريكي خاصة، فحسبهم كانت فاتورة الحرب على الارهاب والتي قدرت بـ 12.362 ترليون دولار، وهي تساوي موازنات الدفاع الأمريكية منذ 2002 إلى عام 2018 والمقدرة بـ 9962.2 مليار دولار، مضافة إليها 2.4 ترليون دولار لتكاليف كلية لكل من حربي العراق وأفغانستان، وهذا حسب دراسة لجامعة براون الأمريكية، تكاليف سوف يدفعها المواطن الأمريكي بضرائبه والتي أثقلت كاهله خاصة تلك التي فرضت من طرف الرئيس أوباما على كل من الأفراد والأعمال بعد شبه الانهيار الذي عرفه الاقتصاد الأمريكي بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

  

  

ولقد كانت من الانتقادات التي وجهها المرشح دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية لكل من الرؤساء الثلاث المتعاقبين على البيت الأبيض منذ 1992، هو عدم تخطيطهم الحكيم لتكاليف العمليات العسكرية التي كان الجيش الأمريكي يقوم بها باستمرار، بداية بحصار العراق المفروض منذ 1991 والذي امتد طوال فترة بيل كلينتون، تخللته ضربة ثعلب الصحراء في ديسمبر 1998، والتي كلفت الخزينة الأمريكية مئات الملايين من الدولارات دون إحراز أي انتصار حقيقي على الجيش العراقي الذي صمد أمام الضربة.

  

ثم لتأتي الكارثة حسب دونالد ترامب والمتمثلة في الرد العشوائي لإدارة الرئيس بوش على هجمات 11 سبتمبر، والتخطيط لاحتلال كل من أفغانستان والعراق رغم أن هذه الأخيرة لا علاقة لها بالهجمات، ومبرر تواجد أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2002 للعلاج كدليل لتواجد صلة بين القاعدة ونظام صدام حسين ليس كافيا لتوجيه ضربة عسكرية للعراق واحتلاله، بالإضافة إلى وصفه أن الدخول في حرب طويلة الأمد سواء في حالة أفغانستان، والتي تعتبر أطول حرب خاضها الأمريكيون في تاريخهم ب18 سنة، وحرب العراق والتي دامت 8 سنوات، سوف تتحول إلى مصدر لاستنزاف الطاقات المالية والعسكرية والبشرية للبلاد، فبالإضافة إلى الخسائر المالية التي عرفتها الولايات المتحدة والتي استعرضناها أعلاه، فقد فقد الجيش الأمريكي 6915 جندي، 4496 في العراق و2419 في أفغانستان، بالإضافة إلى 52.202 مصاب، منهم 32.252 في العراق و19.950 في أفغانستان، دون نسيان مئات الآلاف من الأمريكيين المصابين بمختلف الأمراض النفسية والتي خلفتها الحرب على الإرهاب.

 

وحتى خطة جورج بوش بجعل البترول العراقي وخيرات أفغانستان الباطنية خاصة الغاز منها كوسيلة لدفع تكاليف الحرب لم تقنع الشعب الأمريكي، فالبترول العراقي والذي يصدر منه 3.8 مليون برميل يوميا، والذي لا تتجاوز ايراداته 150 مليار دولار حين كان سعر برميل النفط يعرف أحسن مستوياته، وهي لا ترقى في مجموع سنوات التحصيل لإيرادات النفط إلى 2.4 ترليون دولار التي خسرتها الخزينة الأمريكية خلال حربي العراق وأفغانستان.

 

بالإضافة إلى رؤية أصحاب هذا النهج أن المستفيد الأكبر من الحروب التي تشنها دول حلف الناتو، هي كبريات الشركات والشركات المتعددة الجنسيات المختصة في الاستثمار في مختلف ميادين الطاقة خاصة النفطية والغاز منها، بالإضافة إلى شركات صناعة الأسلحة والشركات الأمنية والتي منحت عقود خيالية استجابة لمتطلبات الحرب على الارهاب، شركات كانت فوق كل هذا تستمتع بامتيازات جبائية، خاصة في فترة جورج بوش، والمعروف بسياسته التضخمية المتميزة بالإنفاق وتقديم التخفيضات الضريبية كوسيلة لتحفيز قطاع الأعمال.

 

المستفيد الأكبر من الحروب التي تشنها دول حلف الناتو، هي كبريات الشركات والشركات المتعددة الجنسيات المختصة في الاستثمار في مختلف ميادين الطاقة خاصة النفطية والغاز منها

كل هذه الأسباب لن تنسينا السبب الرئيسي والذي يمثل أحد أهم أعمدة سياسة إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، والمتمثلة في مواجهة الهجرة الغير الشرعية للأفراد القادمين من دول العالم الثالث لدول أوربا وشمال أمريكا، بالإضافة إلى تشديد إجراءات قبول اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وأمريكا الوسطى، وهذا لعدة أسباب أولها انتماء أغلب أصحاب الفكر الليبرتاري إلى الأحزاب المحافظة والأحزاب اليمينية الرافضة للتغير الديموغرافي الذي نتج في مجتمعاتها من جراء عمليات الهجرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبداية هذا القرن، وما نجم عنه من تغير ثقافي واجتماعي داخل تلك المجتمعات، وتحويلها من مجتمعات مسيحية محافظة إلى مجتمعات متعددة الثقافات في أغلبها ذات ميولات يسارية.

 

بالإضافة إلى رؤيتهم إلى الهجرة القادمة من الدول الاسلامية خطر على مسيحية أوربا والولايات المتحدة، ولذلك وجب قطع أسباب الهجرة والمتمثلة أساسا في الهروب من جحيم الحروب التي خلفها غزو العراق وترك فراغ بعد انسحاب الولايات المتحدة استغلته جماعات متطرفة لتكوين ما يسمى بداعش، وحسبهم فإن تدخل قوات حلف الناتو بشكل مباشر في ليبيا، وغير مباشر في سوريا واليمن ساهم في تعقيد وضعية تلك الدول، وساهمت في تدمير مستقبلها، ما كان له الدافع الأساسي وراء انفجار مستويات الهجرة نحو أوربا والولايات المتحدة والذي بلغ أقصاه في جويلية 2015 باستقبال أوربا 107.500 لاجئ خلال شهر واحد.

 

إن الدافع الأساسي لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وما تبعه من عقوبات اقتصادية قاسية على الاقتصاد الإيراني، هو دفع إيران إلى طاولة المفاوضات من جديد، والضغط عليها من أجل الإيفاء بالتزاماتها المتمثلة في التوقف على دعم جماعات تصنفها الولايات المتحدة بأنها جماعات إرهابية كحزب الله وحماس وميلشيا الحوثي في اليمن، وهذا لخدمة حلفاء الإدارة الأمريكية في المنطقة خاصة اسرائيل والمملكة العربية السعودية.

 

ولكنه مدرك ما مخلفات الذهاب إلى خيار العمل العسكري مع إيران، والذي يعتبر جيشها أكثر احترافية وتطورا من الجيش العراقي، اكتسب خبرة واسعة في الحرب الأهلية في سوريا، ثم حرب داعش في العراق، بالإضافة إلى امتلاك إيران لحلفاء في المنطقة لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حالة الاعتداء على إيران، وأكيد سوف يقوموا بعمليات انتقامية سواء من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أو المصالح الأمريكية المنتشرة في مختلف أرجاء المعمورة.

 

وما يلاحظ مؤخرا من خلال استقبال الولايات المتحدة للرئيس السويسري واستقبال وزير خارجيته لمكالمة الرئيس العماني، دليل على بداية خطوط التواصل مجددا بين واشنطن وطهران، خاصة وأن كل من سلطنة عمان وسويسرا كانت دائما تلعبان دور الوسيط بين دول حلف الناتو وإيران، دور كلل من قبل بتوقيع الاتفاق النووي خلال 2015، وقد يساهم في تسوية الأزمة الحالية.

 

خاصة بعد المعلومات المسربة من البيت الأبيض والتي تؤكد معارضة كل من الرئيس الأمريكي ووزير دفاعه بالنيابة لاستراتيجية وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون، والتي تهدف إلى تغيير النظام في إيران كما حدث في العراق، وتشاء الصدف أن يكون جون بولتون العقل المدبر لغزو العراق، وراء هذه الأزمة في الخليج الفارسي، ولكن لحسن الحظ اليوم تختلف رؤية واستراتيجية أصحاب القرار في البيت الأبيض، بالإضافة إلى توازنات القوى العالمية عما كانت عليه في 2003.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.