شعار قسم مدونات

"500days of summer".. الحب كذبتنا الصادقة

blogs 500days of summer

وعذابنا الوحيد أن نعيش في شوقٍ لا يحدوه أمل

دانتي أليغري – الكوميديا الإلهية

  

في جملة حوارية من الفيلم الخالد "الخلاص من شاوشانك" يصف الممثل مورغان فريمان الأمل بأنه شيء خطير، قد يقود الإنسان للجنون، إن الأمل شبيه بفرقة موسيقية تجوب قرية يعاني أهلها من الصمم، الأمل هكذا، قد يتهيأ لك لكنك لن تلمسه قط، كسراب يغري رحالً في الصحراء، كبحار تعطلت بوصلته ويبحث عن يابسة قد تظهر في الأفق، كمسجون بالإعدام ينتظر عفوا مرتبطا بمزاج الحاكم، هذا ما يفعله بنا الأمل، يجعلنا نرسم طرقا في مسارات غير صالحة للمشي.

 

ثنائية الأمل والندم بصمت حياة كل فرد منا، الندم على قرارات سلبت الجهد والعمر والتشبث بأمل زائف تماما كقصة كاتب السيناريو سكوت نوستادتر الذي عاش قصة حب فاشلة مع فتاة بريطانية أتناء فترة الجامعة في لندن عام 2002، يقول هنري ميلر بأنه لكي تتجاوز حب امرأة، قم بتحويلها إلى أدب، ومن رحم معاناة المؤلف انبثقت فكرة فيلم 500days of summer  الذي صدر سنة 2009 ويحكي قصة الشاب توم (جوزيف جوردون) طيلة 500يوم في علاقته مع الشابة سمر (زوي شانيل)، تتولد لدى توم شرارة الحب منذ اول لقاء بينه وبين سمر في مقر عملهما، بينما ترفض سمر التسميات وتستخف بفكرة الحب، ورغم ذلك يرضخ توم لشروطها لكي تستمر علاقتهما فتصير علاقة حب دون تسمية.

 

يخبرنا الفيلم منذ البداية عبر التعليق الصوتي أن هذه ليست قصة حب، لكنه يتلاعب بالمشاهدين لدرجة تجعلهم ينسون أو يتناسون هذا التنبيه لأننا جميعا بشكل او بأخر نريد أن نخوض تجربة استكشاف الطرف الاخر، نريد أن نتلذذ بشرارة الحب التي تنطلق في البداية، متجاهلين انها قد تكون حارقة في النهاية.

 

ما بين التوقعات والواقع

احتفالا بفوزه في مسابقة مسرحية، أعد الشاعر اليوناني أجاثون مأدبة حضر لها كل فلاسفة وشعراء أثينا، وبعد الانتهاء من الطعام وقف الشاعر أريستوفان ليتحدث عن الحب، أجسادنا لم تكن ابدا بهذا الشكل حسب قوله، ففي القديم كان البشر يمتلكون رأسين وأربع أذرع لكن زيوس قسم الكل لشطرين ومنذ ذلك الوقت صار البشر متشوقين لإيجاد نصفهم الثاني ومعذبين بحنين لا شفاء منه للحب وللنصف الثاني.

     

    

هذا البحث المستمر عن النصف الثاني يجعلنا نُلصق خيالنا عن الحبيب المثالي فوق جسد المحبوب، ونقع في خيال اختلقناه نحن لأنفسنا، ما إن تزال الغشاوة على العين حتى يبدأ الدمار النفسي، إن الحبيب المثالي حسب الفيلسوف الروماني لوكاريس حبيب غير موجود، موضوع الحب ليس إلا أوصاف تخيلية، يكذب العاشق كذبة ويستمر في عيشها.

  

في بداية الفيلم يتعرف توم على سمر عندما يراها اول مرة في مقر العمل لكنها لم تبادله نفس نظرات الشغف والحب بل اكتفت بنظرة فارغة عادية تماما كباقي العاملين، تلك اللحظة لخصت كل ما سيحدث من بعد، توم شخص جميل ومحبب ويربط سعادته بالمستقبل، يجلس على رصيف قطار الحب منتظرا أن يركب ليزور مدنا لم يرها بعد واحاسيس لم يعشها من قبل، المشكلة في توم أنه يعرف تماما ما ينتظر لكنه لا يعرف من ينتظر.

 

يقول الفيلسوف عبد الصمد الكباص بأن الحب خلل يهيكل وجودنا، وتوم رغم ايقانه بأنه خاسر في علاقته مع سمر إلا أنه استمر في غرقه متشبثا بأمل زائف مجيبا إياها بعدما قالت له بأن الحب شيء سخيف: "أعتقد أنك ستقتنعين بالحب عندما تشعرين به"، أما من جانب سمر، فقد كانت شخصيتها كما وصفها صديق توم بالحانة "إنها رجل" وذلك بسبب فلسفتها الواقعية في الحياة وعيشها تحت شعار اللاقيود. الفيلم إذن عن توقعات توم وواقعية سمر، وتُسرد القصة في 500يوم بأسلوب لا يعتمد على التسلسل الزمني، ينتقل بين جمالية البداية ومباشرة بعده يصور لنا عتمة النهاية، ويتبعهما مشهد لتقلبات وحيرة الوسط.

 

هل سمر مذنبة في حق توم؟

في ذكرى مرور عشر سنوات على عرض الفيلم، غرد الممثل جوزيف جوردن الذي جسد دور توم على تويتر بأن معظم الخطأ مصدره توم، كان يسقط ما يريده عليها، ولا يستمع وأناني، لحسن الحظ أنه ينضج مع النهاية. توم له اخطأه التي ذكرها جوزيف، وايضا من الاغلاط التي لم يذكرها أن توم كان حالما ومثأثرا بقصص الحب الروائية والافلام، وقد حاول المؤلف إظهار ذلك رغم ميوله العنيف لكفة توم وشيطنته لسمر إلا أنه أرسل عدة إشارات لكون توم حالما وله ميول للسينما مما جعل حياته تختلط بالنهايات السعيدة للأفلام.

   undefined

  

ميول المؤلف لكفة توم يظهر منذ الوهلة الاولى بإعلان "أي تشابه بين الفيلم والحقيقة هو من باب الصدفة، وبخاصة أنتِ أيتها الساقطة جيني بيكمان"، هذا التتر يظهر أن المؤلف غاضب بشدة من حبيبته السابقة ويخدع أيضا المشاهدين ليميلوا لكفة توم على حساب سمر. وقد قالت الممثلة زوي شانيل بأن هذا الفيلم يقدم وجهة نظر توم فقط، وهناك شيء واحد أساء الجمهور فهمه حول الفيلم، أن سمر هي الشخص الشرير، تحاول سمر أن توضح مرارا وتكرار وجهة نظرها، لكن الجمهور يظل مؤيدا لموقف توم بغض النظر عن مدى صدقها في التعبير عما تريد هي في الحياة.

 

أما توم فقد كان أنانيا وفي أي لحظة تحاول فيها سمر التعبير عن نفسها، يتدخل التعليق الصوتي في الفيلم ليكتم صوتها، شيطنة سمر بالرغم من ذلك كانت آلية للتجاوز، فطالما قد انتهى الفيلم بإزالة الشيطنة عليها وبنضج توم فلا ضرر في ذلك في سبيل التجاوز والتعافي. إن إعادة مشاهدة الفيلم وتخيل أنفسنا مكان سمر سيكون أمرا مثيرا للاهتمام، هذا الفيلم يعتبر سيرة ذاتية لكاتب السيناريو، لكن الأحداث تعتمد على وجهة نظره هو فقط.

 

في نهاية المطاف كلنا سمر في قصة شخص ما وكلنا قد ممرنا بما مر به توم، توم هو انعكاسنا جميعا. يقول جبران خليل: "لا تجالس انصاف العشاق، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم ولا تتعلق بنصف أمل"، 500days of summer  هو فيلم عن الوقوف في المنتصف، لكن في الختام استطاع توم أن يتزحزح من الوسط دون أن يفقد إيمانه بالحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.