شعار قسم مدونات

هذه أبرز سيناريوهات فشل الحراك الجزائري

blogs الجزائر

دون الدخول في متاهات التخوين والصراخ واللاحوار، من الأهمية بمكان تحديد مكمن الخطر الذي يتهدّد الحراك الشعبي في الجزائر بتحويله من السلمية إلى الصراع العنيف، والتي تتمثل في فكرة "لم يتحقق ما يُقنِع" ورفع سقف المطالب كل مرّة وأحيانا دون أي احتفال بما تحقق، حيث الغريب أن بعض المنابر الإعلامية وشخصياته تسير بمنطق وكأنه لم يحدث تغيير منذ البداية، فالشعار الأول مثلا بدأ بمطلب "لا للعهدة الخامسة" وهو ما صار الآن من الماضي، ثم مطلب "يتنحاو قاع" حيث استقالة الحكومة، ثم دعوة شخصيات مركزية في النظام إلى التحقيقات في المحاكم حيث عدّه البعض أحداثا تاريخية لم نكن نتصورها قبل بضعة أسابيع وهو الحدث نفسه الذي عدّه البعض مجرد كرنفال ومسرحية!

وهنا وقبل الذهاب بعيدا في لغة الرفض لكل تقدُّم لابد من الوقوف للقول، بأن ما تحقق من مطالب كان له ظرف أساسي ومهم هو دخول أجنحة السلطة في معركة كسر عظم سببه المباشر مسيرات الحراك وشعاراتها، ومعنى ذلك أن المحاسبات التي تحدث لتلك الشخصيات هي فعلا أمر جاد ويعبر عن محاولة إضعاف طرف لصالح طرف آخر، وليس من مصلحة الطرف الغالب عودة الجناح المغلوب في أي وقت كان، لذلك فالسيناريو المصري هنا غير وارد إلا في حال انقلبت الموازين بين الأجنحة، فالوضع الحالي يدخل في مصلحة الحراك والشعب، أعني غلبة مؤسسة الجيش على مؤسسة الرئاسة، وأن من مصلحة الشعب أن الأجنحة لم تكن متكافئة القوة لأنها ستجعل من الشعب وقودا لصراعها، وأن من حسن حظ الشعب أن المؤسسة العسكرية هي التي كان لها الغلبة لامتلاكها قوة السلاح، وأنها متعهدة إلى اليوم بالوقوف مع الشعب ومصلحته، لكن السؤال المركزي الآن يتمثل في مدى صدقية المؤسسة الغالبة مع الشعب؟

علاقة الشعب بالجيش ليست علاقة سياسية مرؤوس برئيس، بل علاقة تقنية حامي بمحمي، لذلك فليس من القانون ولا حتى المنطق أن يتدخل الشعب فيما ليس له شأن فيه من حيث المبدأ

المؤسسة متهمة بالتبعية والفساد، وبعض التحليلات تتكلّم عن أن الأمر متعلق بتسليم المناطق بمعنى تحول الجزائر من التبعية إلى فرنسا إلى التبعية لأمريكا عن طريق إماراتي، فضلا عن ذلك ما زالت أطراف أو فئات لا تصدّق بوجود صراع حقيقي بين الجناحين المذكورين (الرئاسة والعسكر) وأن الأمر في رأيه مجرّد إخراج مسرحي سينتهي بمجرد توقف الحراك والدخول في المسار السياسي؛ هذا السؤال الذي لا جواب نهائي عليه إلا بعد أن يستقيم المسار الانتخابي على سوقه، وهنا تكون الأمور قد حسمت نهائيا ولا يكون في قدرة الشعب الإقدام على أي فعل، لكن الضمانة المقترحة تأتي من بابين وهي في رأيي ضمانة محترمة ومؤتمنةخاصة وأنها مرتبطة بمصير الجزائر وتحصينها من انحراف الخروج عن المسار السياسي.

الباب الأول: هو أن انتخاب الرئيس هذه اللحظة يتعذر فيه التزوير بأي حال، بدليل أن التزوير مثلا لم يحصل في انتخابات التسعينات الملغية، الباب الثاني: تأكيد بعض المنشقين عن الجيش خلال التسعينات على تغير جذري حاصل في المؤسسة العسكرية، وبزعمهم أن القيادة العسكرية اليوم تغيرت رأسا على عقب في أيديولوجيتها وتحيزت بشكل كامل إلى الشعب. وهنا لابد من القول بأن استقلال المؤسسة العسكرية عن فرنسا لابد أن يأتي بالضمانة من عدم التبعية لجهة أخرى قد تكون أسوأ، هي الجهة التي يفترضها المحللون ويقولون أنهم يستندون فيها إلى أدلة، أعني الإمارات ومن ورائها أمريكا.

لكن ومهما تكن حقيقة المؤسسة العسكرية ومهما يكن الموقف منها لابد على الجميع أن يدرك الاختلاف البين في طبيعة المؤسستين العسكرية والرئاسية، ذلك أن الأولى مؤسسة شبه تقنية أو على الأقل يفترض أن تكون كذلك، بينما الثانية سياسية مرتبطة بإرادة الشعب، ومن هنا ينتج الفارق في التعامل الشعبي معهما، فقد كان منطقيا جدا أن يخرج الشعب إلى الساحات العامة لرفض العهدة الخامسة كموقف سياسي تمت الاستجابة له بطريقة أو أخرى، وذلك استنادا إلى ما يعلمه عنها من فساد بلغ حدا كبيرا، فكان الشعب هو المخوّل لتنحية رئيسه سلميا، وكان من حق المرؤوس أن يُنحي رئيسه، بينما في مسألة الجيش فالوضع مختلف تماما:

أولا: أن علاقة الشعب بالجيش ليست علاقة سياسية مرؤوس برئيس، بل علاقة تقنية حامي بمحمي، لذلك فليس من القانون ولا حتى المنطق أن يتدخل الشعب فيما ليس له شأن فيه من حيث المبدأ، إلا أن فك ارتباط المؤسسة بالشأن السياسي والاقتصادي هي مهمة الرئيس الذي سينتخب، وأن تولي الشعب لذلك هو ضرب من المغامرة والمجازفة التي يؤدي إليها حماس الجمهور وشعبوية النخب السياسية دون تبصر بالعواقب الوخيمة على كيان الدولة.

ثانيا: أن الأحق بالمناداة بتغيير القيادة هو الجيش نفسه إذا ما واجه أوضاع سيئة داخل المؤسسة مثلا وليس لمطالب سياسية، أما إذا حصل انقلاب داخلي فإنه سيكون خطيرا من ناحيتين: 1- ناحية خطر الانفلات الأمني داخل المؤسسة وخطره على الشعب بيّن، 2- ناحية أن الانقلاب سيكون بالضرورة موجها من خارج، ذلك أن العسكري ليس له حق أن يرفع "مطالب سياسية"، فضلا عن أن ينفذ "إرادة عسكرية" حتى لو كانت طيبة النية، ذلك أن حصانة مؤسسة الجيش أهم من أية جزئية أخرى، على الأقل في اللحظة الأولى للحراك التي يجب أن تنتهي بانتخاب رئيس شرعي للبلد.

لذلك كان أيا من الخيارين المتقدّمين لا يعبّران إلا عن سلوك خطير: فالأول تعبير عن اندفاع جماهيري لم تكبحه الرؤية العقلانية المتروية لا من الناحية القانونية ولا من ناحية تبصر العواقب، والثاني تعبير عن خطاب شعبوي لا يهم أن يكون بريئا (ساذجا) أو غير برئ (صاحب أجندة) لأنه سيؤدي حتما إلى خطر خسارة البلد كلها! لذلك فإن أقصر الطرق إلى تحقيق التغيير الجذري والتام هو المرور عبر المسار السياسي الآمن، تحكمه مرحلتان: 1- الأولى تغيير للنظام السياسي وهو الحاصل الذي لا ينكره عاقل على الأقل مبدئيا، 2- الثانية الدفع بالجيش إلى الاكتفاء بمهامه الدستورية والخروج النهائي من الحياة السياسية والاقتصادية، مع ما يرافق عن ذلك من إصلاحات ومزايا مهمة جدّا بمرافقة رئيس منتخب، منها استعادة الأموال المنهوبة وإعادة هيكلة الدولة بما سيتناغم مع إرادة الشعب في ظل تهديدات أمنية واقتصادية تعرفها الجزائر في هذه المرحلة الحساسة، وعلى ذلك كله أن تكون للشعب جولة ثانية من المطالب تبتعد عن خطر انهيار الدولة بعد انتخاب الرئيس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.