شعار قسم مدونات

هل أصبح "اليوتيوب" منبراً للتافهين؟

blogs - youtube

قالها وبالفم الملآن "سوف آكل البراز"! في حال ارتفع عدد المشاهدين والإعجابات من 21 إلى 1000 متابع. فهذا المراهق صاحب التسريحة الأنيقة، المتعطش للشهرة، أراد استخدام أقذر وأحقر ما يخرج من الإنسان كوسيلة ليسطع نجمه على اليوتيوب وللأسف كان له ما أراد. فلقد انتشر مثل النار في الهشيم، تحدي "أكل البراز" وزادت المشاهدة عن 25 ألف.

في واقعة أخرى يخرج الثنائي المصري أحمد حسن وزينب اللذان أصبحا من مشاهير اليوتيوب، والتي تتعدى المشاهدات عندهما المليون، يخرجان بفيديوهات عبارة عن مقالب مرعبة ومؤذية وهما كمتزوجين يقومان بتلك المقالب والتي تتعلق بالخيانة تارة، والموت، ثم المرض، والضرب، والضياع، والألم. صريخ وفوضى يسود الفيديوهات، دون قيمة مفيدة أو حتى مسلية على العكس تمامًا، هذا الثنائي شجع الكثير من "اليوتيوبرز" على تقليدهم طمعًا بالشهرة، وهكذا انتشرت السخافات والتفاهات.
 

هؤلاء الشبان والمراهقين، وما يعرضون من محتوى سخيف ليست مجرد فيديوهات للضحك والسخرية فحسب، بل هي إنذار خطير على أن أجيالنا في خطر

تتعدد الحالات التافهة ولا يمكن حصرها وآخرها فيديو الشاب اليمني الذي يُعرف "بآه يا حنان" والذي جعلوا منه نجمًا، وسُجلت له الأغاني، واستضافته الفضائيات، متجاهلين حجم الفراغ، والانحطاط، والضياع الكبير للوقت، فلا قيمة علمية، ولا أدبية ولا حتى رياضية. فما هو إلاّ شاب تافه تعمد الشهرة، يمثل على الناس، والمجتمع الذي بدوره انساق خلف تفاهته وسخافته.

هذا الحال أصبح كنوع من الإدمان للشباب. فالجميع يطلب المزيد، والجميع يقلد وينسخ الأسخف فالأكثر سخافة. حتى وصلنا إلى واقع "يوتيوبي" يملأه الهرتقة وعلوٍ لشأن التافهين والتافهات، وشحذ للايكات دون حفظ للكرامات، والانجرار خلف شهرة مؤقتة غبية، أعمت عيون الكثيرين. هذه الحالة المرضية التي وصل إليها أصحاب هذا المحتوى، تناولها بشكل غير مباشر الفيلم الأمريكي الشهير "ابريق الشاي النحاسي" في عام 2013. والذي تدور أحداثه حول زوجان فقيران يحصلان عن طريق الصدفة على إبريق شاي نحاسي قديم، ويكتشفان فيما بعد أن الإبريق يخرج منه المال كلما تعرض أحدهم لأذى في جسده أو حتى في مشاعره، وكلما كانت الأذية أكبر كلما زاد المبلغ الذي يخرج من الإبريق، فقط كل ما عليك فعله هو حمل الإبريق، ضمر نية الأذى، ثم الشروع فيها.

حتى باتوا يؤذون أنفسهم يخلعون أظافرهم، يضربون رؤوسهم بأدوات حادة، ومنهم من وجد ميتاً ومن حوله مبالغ طائلة. لم يتوقفوا عند هذا الحد بل أرادوا إيذاء غيرهم من الناس، وحصلوا على المال وخسروا كل شيءٍ حتى أنفسهم. يمثل إبريق الشاي "اليوتيوب" الذي يخرج منه المحتوى المشاهد، أما "اللايك" والشهرة تمثل المال الذي يمنحه الإبريق لحامله، وأما الأذى فهو المحتوى السيء الذي يعرضه جماعة التافهين. فهو فعلاً أذى لهم ولسمعتهم وللمجتمع بالإضافة إلى إضاعة الوقت، ناهيك إلى أن شهرة اليوتيوب مؤقتة تتبخر مع الزمن مثل المال الذي حصل عليه الزوجين بعد أن فقدا أصدقائهم، صحتهم، وحتى بعضهم، اقتربًا من حافة الموت وهم في غشاوة يغذيها حب المال أو الشهرة.

وهكذا هو مصير التافهين من "اليوتيوبرز" مهما ارتفع رصيدهم من المشاهدة والمتابعة سوف تختفي شهرتهم وتذهب أموالهم بسرعة، ويبقى ذلك المحتوى السخيف وصمة عار تلاحقهم مدى الحياة، ناهيك عن أثرها السلبي على المراهقين والأطفال.
 
هؤلاء الشبان والمراهقين، وما يعرضون من محتوى سخيف  ليست مجرد فيديوهات للضحك والسخرية فحسب، بل هي إنذار خطير على أن أجيالنا في خطر، فالذي يقوم بتلك الفيديوهات من أجل إعجابات ومشاهدات هو نفسه أيضًا مستعد لبيع شرفه من أجل "الايك"، مستعد أن يبيع كل ما يملك من أجل الشهرة. ففي السابق كنا نعترض على الأغاني الساقطة ومظاهر التعري لممثلات وفنانات، أما اليوم فأضحى شبابنا وأبناؤنا يفعلون ما هو أفضح وأقبح.

الفكرة أنهم ضحوا بعقولهم من أجل الشهرة، من أجل أفعال تافهة، تُضحك الناس عليهم وتشهرهم، ولكن الطامة الكبرى تكمن بأن كثير من المراهقين والشباب يسيرون خلف ركب التفاهة وينسخون تلك النماذج الفارغة حتى من الهواء، فلا يفكرون للحظة واحدة أن يسألوا أنفسهم ما الفائدة من هذا التحدي؟ ما القيمة التي أقدمها؟ وما هي نتائجه؟ هذه الساعات التي تصرف من عمري سُدى على ماذا؟ الإجابة واضحة على محتوى خفيف، ساذج، وتافه، بل ضار للمجتمع أيضاً..

حبذا لو يفكرون في تحدي لخلع غشاء العقول الذي يسيطر عليهم، فربما يعود إليهم ذلك الشيء الجميل الذي وهبنا الله إياه وهو العقل. العقل الذي يطالبنا بالعلم، وحسن الخلق، والرزانة، والأهم إضفاء قيمة كبيرة على أيامنا وأوقاتنا.

عدد قليل جداً اعترض على تلك المحتويات، وخرجت بعض الصرخات ولكن "أسمعت ما دمت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي"، استمروا بتحدياتكم السخيفة استمروا في تحديات الأكل وزيدوا في حرمان الناس التي لا تجد فتات الخبز لتأكله، زيدوا من تنازلاتكم وغبائكم من أجل "الايك" والشهرة. استمروا باختراع قصص وتحديات ومقالب أتفه من هذه المعيشة التي تعيشونها فهكذا واقع وهكذا ظروف تستحق هكذا مشاهير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.