شعار قسم مدونات

دستور الثورة

blogs ثورة يناير

رغم مرور أكثر ثمان سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير، ورغم ما طال الثورة ورموزها من تنكيل ووأد، ورغم أن هذا التنكيل لم يتوقف عند الثورة ورموزها بل امتد ليطال الدولة المصرية بأركانها الثلاثة: الشعب الذي أفقر وجوع ونهب والأرض التي بيعت والنظام السياسي تم تأميمه على يد المسلحين لحساب شخص واحد الذي رغم هذه المعطيات الثلاثة التي لا يختلف عليها اثنان محبان لهذا الوطن إلا أن المناوشات بين أبناء يناير لازالت تشغل الكثيرين منهم عن المضي قدما في وضع ملامح للخلاص من هذا الكابوس الجاثم على الصدور.

 

بمتابعتي لما يكتب وينشر وللنقاشات والتعليقات لاحظت أن خمسة فخاخ تنصب لمناصري يناير هي التي تفجر الخلاف خمسة محددات برأيي لو تم حسمها والاتفاق عليها بين "نواة صلبة" سيكون هناك نقطة بداية قد حددت للانطلاق خمسة خطوات كل واحدة منها تستبعد نفرا من المتمسحين بالثورة وهم عليها عبء.

  

ليس الهدف هنا الاستبعاد وإنما توفير الوقت والجهد وسد الأبواب التي ينفذ منها أعداء يناير فيحولوا كل فرصة للانطلاق إلى حفرة جديدة للثورة ورجالاتها، ولأن مستقبل الثورة الآن مرهون بماضيها فإن ثلاثة خطوات من الخمسة في الماضي، ثلاثة جذور ينبغي ريها والتأكد من استقرارها في النفوس والضمائر قبل النظر إلى المستقبل ثم انتظار الثمار ثم خطوتان في المستقبل واحدة تنبني على الأخرى.

  

الثورة فتحت أبواب حرية التعبير والانقلاب أغلق القنوات واعتقل الصحفيين لحظة إذاعة بيانه، الثورة فتحت الميادين للمتظاهرين والانقلاب أغلقها بالدبابات

خمسة بنود لدستور يناير

البند الأول: يناير ثورة

من هنا ننطلق وعلى هذا الانتقاد نبدأ، رغم البديهية التي قد تبدوا لك في الوهلة الأولى إلا أن هذا هو الباب الأول الذي سيخرج منه كثير من السائرين في ركاب التغيير وهم ليسوا أهلا له، لن يكمل معنا المشوار من هنا من يتحسر على مبارك وعصره، أو من يحن من الإسلاميين لهامش يجلس به في اتحادات الطلاب والنقابات المهنية مقابل ثمن يقتل السياسة في مصر.

 

ولن يكمل معنا من حمل الثورة كل الخطايا ومن انتقل من صفوفها إلى صفوف أعدائها، من يفهم معنى الثورة يفهم أن التحكم في وقتها أو في مراحلها شديد الصعوبة ان يكن مستحيلا، لن يكمل معنا من غادر الثورة وميادينها إلا إذا كان متحرفا لثورة جديدة أو متحيزا إلى فئة تنصرع.

 

البند الثاني: ٣ يوليو انقلاب عسكري

نعم انقلاب نفذه مجلس عسكري استفاد من تناقضات النخبة التي كانت عاجزة بمجموعها عن الارتقاء لمستوى الثورة، ربما لأن أيا منهم لم يمارس الحكم ولا السياسة الحزبية المؤثرة بسبب تأميم مبارك الحياةَ السياسيةَ في الفترة التي نشأوا وتعلموا فيها.

 

لاحظتم ربما أننا قفزنا من الثورة للانقلاب دون أن نتوقف عند أكثر المحطات إثارة للجدل، استفتاء مارس وأحداث محمد محمود وماسبيرو وبورسعيد وانتخابات الشعب والشورى والرئاسة وأداء المنتخبين وأداء المعارضين، والسبب أن المآلات معروفة بالمقدمات التي صاحبت الثورة لحظة انطلاقها. نخبة لم تختبر الحكم ولا المعارضة المؤثرة، جيش تغول على اقتصاد البلد وإعلامه وسياسته غير مستعد للتخلي عن أي من ذلك، أنظمة إقليمية ودولية تعرف أن شعبا في مصر يختار حكامه لن يسمح بمصادرة قراره ولا تحويله لمسهلك لما ينتج خارج أرضه.

 

هي إذن ثورة أعقبها استدعاء للشعب ليختار دستوره ونوابه ورئيسه وكل ما اختاره الشعب تم الانقلاب عليه، مجلس شعب حلته محكمة مبارك ومجلس شورى ودستور ورئيس أبعوا عن طريق بيان الانقلاب، هنا سيغادرنا من يحاولون ربط ٢٥ ب ٣٠ يونيو تعسفا، كل ما مثلته يناير ودافعت عنه هدمه انقلاب يوليو وداسه، القيم والحقوق والحريات والرموز والوجهة.

 

الثورة فتحت أبواب حرية التعبير والانقلاب أغلق القنوات واعتقل الصحفيين لحظة إذاعة بيانه، الثورة فتحت الميادين للمتظاهرين والانقلاب أغلقها بالدبابات، الثورة نصيرها الناس والانقلاب نصيره إسرائيل وترمب وأذنابهم، الثورة مستقبل والانقلاب ماض، ولا أجد ما يهين يناير وثورتها أكثر من ربطها بقاتليها والمنقلبين عليها.

 

الهدف والغاية والثورة هنا كما كتبوها في الكتب تستبدل النظم القديمة والنخب القديمة ولا ترضى بأنصاف الحلول ولا بالتصالح مع من يعارضوها، ثورة تعيد الدفة للشعب وتهمش النخب المصنعة
البند الثالث: رابعة مذبحة الثورة المؤجلة

إذا كنت تؤمن بأن يناير ثورة جرى الانقلاب عليها وعلى مكتسباتها في ٣ يوليو فإن الواقفين في وجه الانقلاب ودباباته من اللحظة الأولى يستحقون منك التحية، أولئك الذين رابطوا على الديمقراطية والثورة في الوقت التي وصفتهم فيها أقلام ينارجية بالمرتزقة والخرفان والقطيع والمتظاهرين في إشارة رابعة.

 

لو آمنت ولو متأخرا أن عزل رئيس منتخب من وزير دفاعه انقلاب كما تقول الكتب فلا يمكن إلا أن تؤمن أن مناهضة هذا الانقلاب أنبل ما يمكن تقديمه سياسيا في رابعة وأخواتها وما تلاها. ولن يكمل معنا هنا الوحوش البشرية التي تعطي الحق للدبابة في حرق جثامين المعتصمين، ومن دعم الجزار للرئاسة ووصفه بآيزنهاور مصر.

 

البند الرابع: قبل أن نعاود الثورة

بعد أن تأكدنا من أننا نقف على أساسات واحدة كلنا وبعد أو ثبتنا الجذور ننطلق. ست سنوات صودرت فيها السياسة وحرم فيه الانقلاب الشعب من الثورة ورجالها، خلقت هذه السنوات فجوة لابد من ردمها، نقطة يخرج فيها المعتقلون من السجون ويعود فيه المنفيون من منافيهم، أن تعود المياه مرة أخرى لنهر السياسة في البلد. هذا هو الهدف الذي يمكن الاتفاق عليه، الشارع الذي يغلي تحت وطأة الإفقار والفشل لو تحرك بعشوائية ضد النظام في ظل غيبة التنظيمات الفاعلة ستكون حركته مدمرة ولن تؤدي في الغالب إلا إلى مزيد من الأزمات.

 

إن الفاعلين الذين غادروا الملعب السياسي قبل ست سنوات عليهم أن يدركوا أن الملعب تغير وأن أجيالا جديدة دخلت الساحة بمتطلبات جديدة، فهم هذه المتطلبات والتجاوب معها يحتاج لنقطة ارتكاز قبل معاودة الانطلاق، لذلك فإن الهدف الذي ينبغي أن يتفق عليه من أكمل معنا المشوار إلى هنا هي فتح المجال العام أمام الطلاب في الجامعات والمهنيين والعمال في النقابات والأحزاب والإعلام والشارع أمام الجميع بلا تفريق، قبل هذا فإن مصير البلد مرهون بنظام يأخذه إلى الهاوية أو بحراك لا تعرف مالاته في ظل غياب الفاعلين.

 

البند الخامس: استكمال الثورة

وهو الهدف والغاية والثورة هنا كما كتبوها في الكتب تستبدل النظم القديمة والنخب القديمة ولا ترضى بأنصاف الحلول ولا بالتصالح مع من يعارضوها، ثورة تعيد الدفة للشعب وتهمش النخب المصنعة على عين الاستبداد وتعلي من شأن الانسان على حساب المادة، ثورة يرعاها من كوتهم أحداث السنين الفائتة الجسام، فتعلموا دروسها ثم وعوها تعيد مصر لمحيطها العربي والإسلامي والإفريقي، بسياسات تزاوج بين تطهير ركام الماضي وبناء كيان الدولة الشعب والأرض والنظام.

 

إذا آمنت بكل هذا فربما تتساءل من أين نبدأ لكن إجابة هذا السؤال تحتاج تدوينه أخرى

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.