شعار قسم مدونات

اطمن انت مش لوحدك.. بين الأسباب والدلائل والتوقعات

blogs معتز مطر

لا تزال الحملة التي أطلقها الإعلامي "معتز مطر" تحت شعار "اطمن_انت_مش_لوحدك" تلقى رواجا وانتشارا متزايدين. وتدعو تلك الحملة إلى التعبير عن رفض ومناهضة نظام الانقلاب العسكري في مصر والمطالبة بإسقاطه، وذلك من خلال وسائل تعبير سلمية وآمنة. كما تهدف إلى تأكيد اتساع دائرة الرفض والمعارضة وتزايدها المستمر بصورة أكبر مما قد تبدو عليه حين يعبر عنها بشكل فردى أو محدود، أي تأكيد وطمأنة البعض أنهم ليسوا وحدهم في موقف الرفض. فما هي أسباب إطلاق ونجاح تلك الحملة، وما هي دلالاتها، وما هي النتائج المأمولة منها؟ 

منذ أن دشن "معتز مطر" حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك" في الثالث والعشرين من فبراير 2019، وحدد السابع والعشرين من نفس الشهر لانطلاق فعالياتها ودعى المصريين إلى المشاركة فيها، وهي تحتل مكانة كبيرة ليس فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، بل أيضا على أرض الواقع. فقد شارك فيها مواطنون من كل ربوع مصر تقريبا، كما تجاوزت الداخل المصري إلى المحيط الإقليمي والعالمي بفعل مشاركة مصريون مقيمون في دول عربية وأجنبية. وتمثلت فاعليات تلك الحملة حتى الآن في الطرق على الأواني وإطلاق الصافرات في أوقات محددة، وكتابة شعار الحملة على العملات الورقية المتداولة والمنشآت العامة، والامتناع عن دفع فواتير بعض المرافق كالغاز والكهرباء ومياه الشرب.

 

كرد فعل لنجاح وانتشار حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك" راحت سلطات الانقلاب العسكري في مصر تطلق أذنابها للتقليل من شأن وجدوى الحملة، وكيل الاتهامات للمشاركين فيها، وكذلك مقاضاة "معتز مطر" واعتقال عدد من أفراد أسرته

وقد أدت عدة أسباب داخلية وخارجية إلى نجاح تلك الحملة وتزايد أعداد المشاركين فيها. فعلى الصعيد الداخلي لم تشهد الأوضاع في مصر تحسنا يذكر على أي مستوى منذ قيام الانقلاب العسكري في يوليو من عام 2013، بل تزداد الأحوال سوءا يوما بعد يوم في كل المجالات. حيث تدهور الوضع الاقتصادي وتزايدت الأعباء وتكاليف المعيشة للغالبية العظمى من الشعب، كما ازدادت الانتهاكات والجرائم في حق المواطنين في إطار سياسات القوة الغاشمة والقمع. بالإضافة إلى تقييد الحريات وتكميم الأفواه والقضاء على أي صوت معارض لسلطة الانقلاب. فضلا عن الإهدار المتعمد لثروات البلاد ومقدراتها وتعريض مصر لأخطار تهدد أمنها القومي بل ووجودها ذاته. 

أما على الصعيد الخارجي فحدث ولا حرج، بدءا من التبعية غير المشروطة والانبطاح للغرب تارة ولدول الخليج تارة أخرى، مرورا بابتزاز الخارج إما بفزاعة الارهاب ومكافحته، أو بالسيطرة على الهجرة غير الشرعية. ووصولا إلى التعهد بالعمل على ضمان أمن اسرائيل واسترضائها بالتنازل عن أراضي وحدود بحرية وحقول غاز، والصمت المخزي عن قيامها بشن هجمات عسكرية على أراضي سيناء المصرية، وكذلك مساعدتها على تحقيق أطماعها الاقتصادية والسياسية والحدودية وإتمام صفقة القرن.

وهكذا أدت سياسات نظام الانقلاب ورغبته في اكتساب شرعية إلى قمع الداخل والانبطاح للخارج. وقد أفضى ذلك إلى زيادة السخط الشعبي واتساع رقعة معارضة النظام ومناهضة الانقلاب، مما جعل المناخ مهيئ لحراك شعبي يعكس الرفض والمطالبة بإسقاط ورحيل النظام كله وليس فقط قائد الانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي. وهكذا وجدت حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك" مناخا مناسبا ومهيئ لنجاحها. لا سيما في ظل تزامن ذلك مع انتفاضات ثورية أخرى من أجل الحرية والديموقراطية والعيش الكريم في كل من الجزائر والسودان.

وكرد فعل لنجاح وانتشار حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك" راحت سلطات الانقلاب العسكري في مصر تطلق أذنابها للتقليل من شأن وجدوى الحملة، وكيل الاتهامات للمشاركين فيها، وكذلك مقاضاة "معتز مطر" واعتقال عدد من أفراد أسرته، كما أشاعت وسائل إعلام الانقلاب أن البنك المركزي أصدر تعليمات بمنع تداول العملات الورقية التي تحمل شعار الحملة. فضلا عن إطلاق حملات مضادة منها "اطمن_ياسيسي_انت_مش_لوحدك" و"خاف_انت_لوحدك". غير أنه من الواضح أن هذه الجهود المضادة لم تجدى نفعا ولم ترهب مناهضي الانقلاب أو توقف حملتهم. 

وقد اهتمت الكثير من وسائل الإعلام الدولية بنجاح وانتشار حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك"، في ظل توقعات باحتمال كونها بداية لموجة ثانية من ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر، أو إحياء للربيع العربي في ظل الكفاح المستمر للشعوب العربية المقهورة والتواقة إلى الحرية. وأصدرت هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" تقريرا عن الحملة. ولكن ذلك التقرير أثار غضب سلطات الانقلاب العسكري في مصر. مما دفع الهيئة العامة للاستعلامات بوصف التقرير بأنه تحريضي ومسيس ومسيئ للبلاد، كما طالبت المسؤولين والنخب المصرية بمقاطعة "بى بى سى" لحين الاعتذار، كما دعى بعض الإعلاميين من أذناب الانقلاب إلى إغلاق مكتب الهيئة البريطانية بالقاهرة. 

ورغم أن وسم "اطمن_انت_مش_لوحدك" لا يعدو كونه أربع كلمات، إلا أن انتشاره وتفاعل المواطنين معه قد أفزع سلطات الانقلاب العسكري في مصر. وبالمثل فإنه يحمل دلالات لا تخطئها عين مبصرة، فهو يدل على مدى الاحتقان الداخلي ومعاناة الشعب تحت وطأة الحكم العسكري وجرائمه في حق المصريين، كما يدل على أن الثورة ضد الظلم والقهر والطغيان، ومن أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لا تزال قائمة ومستمرة وإن كانت قد خفت حدتها بفعل سياسات القوة الغاشمة والاستقطاب المجتمعي. ومن دلالات الحملة أيضا قدرة المصريين على كسر حاجز الخوف كما فعلوا من قبل أثناء ثورة يناير 2011، وكذلك تمسكهم بالحرية التي عايشوها عقب تلك الثورة حتى قيام الانقلاب. كما تثبت الحملة كذلك قدرة المصريين على تنظيم أنفسهم في إطار الوعي الجمعي الذي يعكس معاناتهم وأهدافهم المشتركة. ومن ناحية أخرى تعد الحملة وانتشارها دليلا على فقدان نظام الانقلاب لشرعية الحكم التي يجب أن تستمد من الإرادة الشعبية الحرة. كما تعكس هشاشة نظام الانقلاب وفزعه من عدة كلمات اجتمع عليها الكثير من المصريين في الداخل والخارج. ومن احتمال تحول تلك الحملة إلى عصيان مدني أو ثورة أخرى تطيح به، وكذلك تثبت أن القمع لا يمكن أن يعطى شرعية أو يخرس الأفواه. 

ومع أن نمط وفعاليات حملة "معتز مطر" تعد -حتى الآن- استنساخا لتجربة شعب "تشيلي" الذي استطاع بموجبها القضاء على ستة عشر عاما من الحكم العسكري بقيادة "أوجستو بينوشيه"، والذي كان قد انقلب على الحاكم المدني المنتخب "سلفادور الليندى" في الحادي عشر من سبتمبر 1973. حين اضطر "بينوشيه" مجبرا تحت ضغط شعبي وفعاليات كتلك التي تدعو إليها حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك" إلى إجراء انتخابات فاز فيها "باتريشيو أيلوين" وأنهت حكم العسكر في "تشيلى" في الرابع عشر من ديسمبر 1989. إلا أن تحقيق التجربة لنفس النتيجة في مصر لا يزال محل اختبار و تساؤلات، فهل تتحول حملة "اطمن_انت_مش_لوحدك" إلى موجة ثانية من ثورة يناير 2011 تنهى حكم العسكر في مصر إلى الأبد؟ وهل تهب رياح الربيع العربي مجددا فتمنح الشعوب المقهورة حريتها؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.