حاشاهُ أن يُنزل أسماءه العُليا من علياء السماء إلى بسط الأرض، من أجل أن تُعلّق كلوحاتٍ فنيّةٍ على الجدران الميتة، أو تُوضع على الرفوف لِمُقلة النَّاظر، بل نزلت كغيرها من جسور الروح: لزينة العقول، وحركتها المنيرة، ولنبض القلوب، ولجمال حياة الكون والكون برمته.
نزلت من علياء السماء لإثارة الأذهان، وليحيا بفحواها الإنسان – الحياة الطبية – ما مدّنا الله بشيء إلا وفيه خير وبركة، وما أعطانا من وسائل إلا ولها مغزى ومعنى وأثر، خصوصاً ما تعلق بذاته الجليلة كأسمائه وصفاته الحسنى. لذا وانطلاقاً من ضرورة تفعيل ما زودنا الله به في أمور حياتنا؛ ليحصل الفلاح الدنيوي المؤذن بالفلاح الأخروي. ومما زودنا الله به من أدوات – أسماءه الحسنى – التي هي أنوار نُضيء بها دُّنيانا، اخترنا لكم مجموعة من أسماءه؛ لتُسهل وظيفتنا التربوية، كما أننا نرى أنه لا غنى للمُربي عن استعمالها في خضم المشوار السامي التربوي التعليمي، وهي: الرحمن الرحيم، اللطيف الكريم، الرؤوف النافع، الضار المذل، الصبور الحليم، الولي، المحصي السلام، المحيي.
على المُربي أن يكون سخياً جواداً كريماً في عطفه وحنانه على من يُربي، ومن كرم العطف أن يبوح لمن يُربي بكل مفردات المحبة |
من خلال هذين الاسمين تأكد أن الرحمة أولى من القسوة، وأن التربية تقوم وترسخ معانيها بالرحمة لا بالعنف، ومما نؤمن به أن الكمال لله وحده، وأن الإنسان قاصر بطبعه، وبالتالي لابد له من أوقات أخطاء وزلل وضعف؛ لكن المُربي أوقاته ثمينة، وخطأه قد ينجر عنه الكثير بل قد يهدم به ما بنى مذ زمن؛ لذا عليك أيها المُربي أن تحذر من أوقات الضعف والنكوص، وكلما زارك الضعف وخيم عليك ليل القسوة والعنف الدامس تذكر اسمي الله الرحمن الرحيم، وغلب إنسان الرحمة على إنسان القسوة فمن الله نستمد قوتنا؛ فالرحمة قوة، ارحم من تحت رحمتك حتى تُقدم جيل رحمة يعيد الكرة الحضارية من جديد.
أما اسمه الكريم فعلى المُربي أن يتصف بصفة الكرم تجسيداً لاسم المولى الكريم ميداناً، وعليه أن يكون كريماً سخياً في تقديم المعلومات بكل أصنافها، ودقائقها، وألا يبخل في ذلك، وأن يُكْرِم المبدع والمتميز والغير مبدع العادي؛ أي الكرم بعدالة، والكرم أيضاً؛ يعني تقديم الحوافز بسخاء؛ التي هي عبارة عن هدايا وعطايا مادية أو معنوية، كما أن الهدايا لها وقعها الخاص وأثرها المذهل المتخلل. كما أن الكرم عام ماسحٌ لكافة الجوانب، فجانب العاطفة مهم؛ لذا على المُربي أن يكون سخياً جواداً كريماً في عطفه وحنانه على من يُربي، ومن كرم العطف أن يبوح لمن يُربي بكل مفردات المحبة ولا يكفي البوح فقط، بل عليه أن يتمثلها، لكي يحصل المُراد التربوي.
إنسان كل همه أن يُقاد لا أن يقود، ومن ثم كيف لك أن تتحير من أي اتجاه يأخذه أو سلوك يقدم عليه أو نحل ينتحله؟! لذا علينا أن نأخذ معنا أسماء الله الحسنى لحجرات الدراسة، ونقتبس من عبيرها لمقرراتنا، وعلى ضوء اسميْهِ الضار المذل أن نستوعب أن التربية القاسية العنيفة لن تؤدي للخير اطلاقاً، ولن تجلب من وراءها سوى ما لا يُحمد.
لذا أخطاء اليوم ليست هي أخطاء الأمس ولا الغد، والإنسان في تغير وتغيير مستمر؛ لذا علينا أن نُعامله كمتغير لا كثابت لا يتغير، وأن نبدأ كل يوم معه كأنه يوم جديد حتى لا يتراكم علينا ما مضى، ويُقيدنا عن الأداء الجيد والتأثير والعطاء النافع. ومن بركات تدبر اسمه المُحصي ألا نُحصي الأخطاء؛ بل إن كان لا مناص لنا من الإحصاء فلنحصي الحسنات والإشراقات فيه، ونُشجعه ونُحفزه بها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.