شعار قسم مدونات

كيف نستفيد من تفعيل أسماء الله الحسنى تربويا؟

blogs - Quran

حاشاهُ أن يُنزل أسماءه العُليا من علياء السماء إلى بسط الأرض، من أجل أن تُعلّق كلوحاتٍ فنيّةٍ على الجدران الميتة، أو تُوضع على الرفوف لِمُقلة النَّاظر، بل نزلت كغيرها من جسور الروح: لزينة العقول، وحركتها المنيرة، ولنبض القلوب، ولجمال حياة الكون والكون برمته.

نزلت من علياء السماء لإثارة الأذهان، وليحيا بفحواها الإنسان – الحياة الطبية – ما مدّنا الله بشيء إلا وفيه خير وبركة، وما أعطانا من وسائل إلا ولها مغزى ومعنى وأثر، خصوصاً ما تعلق بذاته الجليلة كأسمائه وصفاته الحسنى. لذا وانطلاقاً من ضرورة تفعيل ما زودنا الله به في أمور حياتنا؛ ليحصل الفلاح الدنيوي المؤذن بالفلاح الأخروي. ومما زودنا الله به من أدوات – أسماءه الحسنى – التي هي أنوار نُضيء بها دُّنيانا، اخترنا لكم مجموعة من أسماءه؛ لتُسهل وظيفتنا التربوية، كما أننا نرى أنه لا غنى للمُربي عن استعمالها في خضم المشوار السامي التربوي التعليمي، وهي: الرحمن الرحيم، اللطيف الكريم، الرؤوف النافع، الضار المذل، الصبور الحليم، الولي، المحصي السلام، المحيي.

الرحمن الرحيم

على المُربي أن يكون سخياً جواداً كريماً في عطفه وحنانه على من يُربي، ومن كرم العطف أن يبوح لمن يُربي بكل مفردات المحبة

من خلال هذين الاسمين تأكد أن الرحمة أولى من القسوة، وأن التربية تقوم وترسخ معانيها بالرحمة لا بالعنف، ومما نؤمن به أن الكمال لله وحده، وأن الإنسان قاصر بطبعه، وبالتالي لابد له من أوقات أخطاء وزلل وضعف؛ لكن المُربي أوقاته ثمينة، وخطأه قد ينجر عنه الكثير بل قد يهدم به ما بنى مذ زمن؛ لذا عليك أيها المُربي أن تحذر من أوقات الضعف والنكوص، وكلما زارك الضعف وخيم عليك ليل القسوة والعنف الدامس تذكر اسمي الله الرحمن الرحيم، وغلب إنسان الرحمة على إنسان القسوة فمن الله نستمد قوتنا؛ فالرحمة قوة، ارحم من تحت رحمتك حتى تُقدم جيل رحمة يعيد الكرة الحضارية من جديد.

اللطيف الكريم
متفقين نحن على قصور وضعف الآدمي، لكننا متفقين كذلك على وجود قوة في داخله يُخرجها متى يشاء، ومتى دقت أجراسها، وبالتالي اللطف والكرم شيم المُربي الجيد، ووسمٌ لقوته، فكلما كان المُربي كريم لطيف كان المردود المُراد من وراء العملية التربوية أقرب وأوفر نفعاً. على المُربي أثناء عملية التربية ألا يغيب اسم الله اللطيف عن خياله، وأن يُفعلهُ واقعاً؛ من خلال معاملة المربّى بلطف ولين وبالَّتي هي أحسن، وتقديم المعلومات والقيم وترسيخها بلطف؛ حتى ترسخ بشكل جيد؛ لأن اللطف واللباقة يرسخان المعلومة بشكل عميق، سحري، عبقري، حسب المجرب منا، ومن غيرنا ممن يشتغل في المجال التربوي. 

أما اسمه الكريم فعلى المُربي أن يتصف بصفة الكرم تجسيداً لاسم المولى الكريم ميداناً، وعليه أن يكون كريماً سخياً في تقديم المعلومات بكل أصنافها، ودقائقها، وألا يبخل في ذلك، وأن يُكْرِم المبدع والمتميز والغير مبدع العادي؛ أي الكرم بعدالة، والكرم أيضاً؛ يعني تقديم الحوافز بسخاء؛ التي هي عبارة عن هدايا وعطايا مادية أو معنوية، كما أن الهدايا لها وقعها الخاص وأثرها المذهل المتخلل. كما أن الكرم عام ماسحٌ لكافة الجوانب، فجانب العاطفة مهم؛ لذا على المُربي أن يكون سخياً جواداً كريماً في عطفه وحنانه على من يُربي، ومن كرم العطف أن يبوح لمن يُربي بكل مفردات المحبة ولا يكفي البوح فقط، بل عليه أن يتمثلها، لكي يحصل المُراد التربوي.

الرؤوف النافع
هذان الاسمان مرتبطان ببعضهما البعض، وتطبيقًا لهما في المجال التربوي على المُربي أن يرؤف ويحن على من يربي، ويُعلِّم؛ لأن الرأفة هي التي تجعل من نُربي ينتفع، كما أن الرأفة تُعتبر سجاداً للمنفعة، وما ضدها سياجاً يحصرها، ويعطلها. كما أنها هي التي تجعل للطفل قابلية للاستيعاب، وفهم ما يُقدم له، سواء كان معلومة أو خُلق، لهذا علينا الرأفة بمن نُربي؛ حتى ينتفعوا، وعلى المُربي دائما كلما زاغ أن يتذكر اسمي الله الرؤوف، النافع لكي يَنفع ويُنتفِع.

الضار المذل
انطلاقاً منهما علينا كمربيين أن نعي جيداً أن ضرر الطفل؛ بأي نوع من أنواع الضرر ستكون له نتائج متنوعة وخيمة من أبسطها الذُل؛ لأنك بمعاملته الجافة القاسية تصنع إنسان ذليل. إنسان لا يستطيع أن يُعبر عما بداخله ولا اظهاره، فضلاً على أن يطالب بحق من حقوقه، أو يُحق حق من الحقوق. إنسان خاضع مطيع قائم بالأوامر على أكمل وجه. كلّ من هب ودب يستطيع قيادته نحو ما يريد، وهذا ناتج من نواتج الكوارث التربوية الخاطئة، أن تصنع إنسان تابع لا متبوع. 

إنسان كل همه أن يُقاد لا أن يقود، ومن ثم كيف لك أن تتحير من أي اتجاه يأخذه أو سلوك يقدم عليه أو نحل ينتحله؟! لذا علينا أن نأخذ معنا أسماء الله الحسنى لحجرات الدراسة، ونقتبس من عبيرها لمقرراتنا، وعلى ضوء اسميْهِ الضار المذل أن نستوعب أن التربية القاسية العنيفة لن تؤدي للخير اطلاقاً، ولن تجلب من وراءها سوى ما لا يُحمد.

على المُربي  أن يُحضر معاني الحياة والوجود والبعث باستمرار، كالمحبة وغيرها، وأن يُبدع في عرضها وشرحها، وترسيخها، وأن يجعلها حيَّة تسعى في سلوكياتهم، وإفهامهم ومن القيم الحية الباعثة.
على المُربي  أن يُحضر معاني الحياة والوجود والبعث باستمرار، كالمحبة وغيرها، وأن يُبدع في عرضها وشرحها، وترسيخها، وأن يجعلها حيَّة تسعى في سلوكياتهم، وإفهامهم ومن القيم الحية الباعثة.
 
الصبور الحليم
المُربي الجيد هو الذي يُّفعل في نفسه ومن تحت سلطته أسماء الله الحسنى ويجعلها نِبراساً يهتدي به ويسير في فلكه، فتفعيل اسمي الله الصبور الحليم يعني أن يصبر المُربي على زلات وأخطاء من يربيهم وأن يكن حليماً بهم إذا ما بدا منهم مالا يُرضيه، والمؤكد أنه سيلقى ذلك؛ لكن بتذكر اسم الله الصبور واسم الله الحليم سيغض الطرف عن ذلك، ويكشف عن جانبه المضيء، جانب الصبر والحلم، وهكذا يستطيع أن يتحكم ويضبط نفسه، ويقوم بوظيفته بجودة وإحسان.

الولي
المُربي الجيد هو الذي يفعل اسم الجلالة الولي في دوره من خلال انتفاء ما يسمى بالأنانية التربوية، والتي تعني الحرس الشديد على تربية أولاده وتعليمهم، وإذا ما جاء دوره التربوي المؤسسي طار وعيه وارتبك وزمجر وكشر عن أنيابه؛ لذا تجسيد الولي يعني أن نعتبر من نُربي في المؤسسة كأبنائنا وأن ننفي صفة الأنانية من أفئدتنا وعقولنا، ونعتبر أنفسنا أولياء لهم آبائهن لهم. واليقين أن الأب لن يبخل ولن يكل من عمل كل ما هو مفيد وجميل لأبنائه، ومن اعتبر نفسه أب لن يرضى إلا أن يرى ابنه الأول في كل شيء.

المُحصي السلام
يعني ألا نُحصي أخطاء من نُربي؛ لأننا لو أحصيناها وجمعناها؛ ستؤثر على عملنا بشكل سلبي، وستؤثر على من نُربي كذلك بشكل سلبي. إحصاء الأخطاء لا يعني إلا فقدان السلام بشكليه الداخلي والخارجي لدى الأطفال، والسلام التواصلي بين المُربي ومن يربي. الإحصاء أو تجميع الأخطاء عبارة عن وقود به يشتعل فتيل الاضطراب، وبه يبتعد الفضاء التربوي عن كل معاني السلام والأمان، ومثول الا سلام، وسيجعل الطفل يرى لحظاته مترابطة لا جديد لديه، ومن تدبُّر اسمه المحصي أن من أحصى فقد أخطأ.

لذا أخطاء اليوم ليست هي أخطاء الأمس ولا الغد، والإنسان في تغير وتغيير مستمر؛ لذا علينا أن نُعامله كمتغير لا كثابت لا يتغير، وأن نبدأ كل يوم معه كأنه يوم جديد حتى لا يتراكم علينا ما مضى، ويُقيدنا عن الأداء الجيد والتأثير والعطاء النافع. ومن بركات تدبر اسمه المُحصي ألا نُحصي الأخطاء؛ بل إن كان لا مناص لنا من الإحصاء فلنحصي الحسنات والإشراقات فيه، ونُشجعه ونُحفزه بها.

المُحيي
يعني على المُربي أثناء الدور أن يُحضر معاني الحياة والوجود والبعث باستمرار، كالمحبة وغيرها، وأن يُبدع في عرضها وشرحها، وترسيخها، وأن يجعلها حيَّة تسعى في سلوكياتهم، وإفهامهم ومن القيم الحية الباعثة: السلام، الرحمة، المحبة، العطاء بكل صوره، الوحدة، والأصل الواحد، التآلف، الاشتراك، الحرية، العدل.. ومن فقه اسم الله المُحيي عليه أن يجعل بينه وبين معاني الفَناء جداراً صخرياً منيعاً؛ كالعنصرية على أي أساس، والتفرقة، والشدة، والخلاف، والانا، ومتعلقات القسوة شفوياً كانت أم بدنياً، وكل قيم التبدد والهلاك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.