شعار قسم مدونات

لا تخف من قلب امرأة تقرأ!

blogs - إمراة تقرأ

لكل من يخاف قلب امرأة تقرأ. هذه السطور لك، ولكل من يهوى امرأة تقرأ. هذه السطور منك، ولكل امرأة تقرأ. فهذه السطور عنك، سطور عن أنثى هي المنفى وهي الوطن، أنثى ظلموها فقالوا لا تقع في حبها أبدا، ففيها من الجفاء والقسوة ما يجعل الحياة معها أشبه بثكنة عسكرية، هي فرس جموح لا طاقة لأحد على ترويضها، فأُحاول إنصافها وأقول، إذا مرَّت من خلالك هذه الأنثى فشُدَّ عليها ولا تخف، فستجعلك تعيش أكثر مما عِشت وأكثر مما ستعيش.

لا تخف قلب امرأة تقرأ، فستكون أعمق وأحب كتبها، ستقرئك بشغف مُميت وستحترِق فيك مِراراً ومِراراً حتَّى تُضيئَ جوفك، فهذا ما كانت قد قَرأَتْهُ لهنري ميلر حين حاول وصف الحب فقال إنه لا يَنْتَفِي، لا يرفض، ولا يُطالِب بل يحترق ويتجدَّد لأنَّه يعرف معنى الحياة المضيئة. إنها امرأة سيقودها نُقْصُها لك إليك لتكتمل بك، فهي تعتقد ما يعتقده هاروكي موراكامي أنَّ كل الذين وقعوا في الحب كانوا يبحثون عن أجزاءهم الناقصة فيهم، ستحتويك وتنصهر بك حتَّى يصعُب عليكَ أن تُناديها بغير (يا أنا).

أنثى كهذه إذا أحبَّت الكتابة فستنْحَتُ وجهك بكلماتها في كل نص، وسينبض بك قلمها كلما سكبت روحها في السطور، ستكتُبك مرة الوطن ومرة الاستيطان

فقد كان مترسخاً فيها ما قرأته ذات يوم لمصطفى محمود حين قال أن الحب يحتوي على وِحدة أصيلة كالقَدَر والضرورة و المصير، يجمع الإثنين عبر كل حدود الممكن والواقع و رغم حوائل الزمان و المكان، هو وِحدة لا يجدي فيها فراغ ولا تبتُرها قطيعة. وِحدة غامضة لم يجد لها العلم اسماً، فلا مانع أن نستعير لها تسمية الوحدة الروحية. لا تستغرب من امرأة كهذه إذا أحسست أن جميع حواسها تنتفض لك حين تلمحُ طيفك أو تذكر اسمك، فهي تهوى الرافعي الذي كتب أن الحبيب من تلتهمه بكل حواسِك، فإذا رأيتَه فقد رأيتَه وسمعتَه وذُقتَه ولمستَه وشممتَه. ستكون هذاءه ومجنونة بك تُلقي بنفسها في محيطك الهائج دون طوق نجاة، وستبرر جنونها دوماً بما قاله واسيني الأعرج "كثير من الحب وقليل من الجنون لا يُؤذيان أحدا"… هي أنثى ستجد معك في أبسط الأشياء جمالاً، فلن يكون عليك بذل الكثير حتى تُبقيها في حالة ذهول.

 سيكفيها أن تستَمع باهتمام لحماسها الطفولي كلما شاركتك نصاً لامس قلبها وروحها، سيُفرحها أن تهُزَّ رأسك ضاحكاً حين تضرب حافة الطاولة فقط لأن بيتاً شعرياً أعجبها بشدة، ستَنْتَشي بكوب شاي تُعده لها وهي تقرأ أو تكتب شيئا بجانبك. إنها أنثى خطيرة، ستجدها عالقة بتفاصيلك بشكل مرضي، حتى تلك الصغيرة منها والتي لا تثير انتباهك أنت، فرقعة أصابع يديك وأنت تفكر في شيء ما، أو انعقاد حاجبيك بتعجب إذا همست لك بغزل مفاجئ دون سابق مقدمات، أو حتى تقوس شفتيك بابتسامة ستراها هي تذكرة مجانية لها للقمر. ستكتشف أنها مزيج لذيذ من التناقضات، عاقلة رزينة لكنها مشاكسة ومرحة لدرجة بالغة، واقعيتها مُخيفة، لكنها دوماً تحلم وتبني أكواناً وأكواناً لأجلك، عنيدة هي للحد الذي لا حد له لكنها رغم صلابتها تلك لا تلين إلا لك وبك ومعك، شقية حين تفهمك وتمتص غضبك وقلقك وتتحملك في اللحظات التي تنطفئ فيها، فقط حتى تبقى معك.

أنثى كهذه إذا أحبَّت الكتابة فستنْحَتُ وجهك بكلماتها في كل نص، وسينبض بك قلمها كلما سكبت روحها في السطور، ستكتُبك مرة الوطن ومرة الاستيطان، وستكون احتلالها الشرعي الذي تتحرر بالاستسلام له وتحيا بالموت فيه. ستكسر لأجلك جميع قواعد اللغة التي تعشقها حد التقديس، فتضُمك بعد الكَسرة، وتُسْكِن روحك بعد الشدّة وتستبدل الجزم معك بعطف متفجر كالسيل، وإن كُنت مبتدأ فستكون لك دوماً خبراً لا يُطيق عنك انفصالاً، وإن استتر في سويداء قلبها حب وشوق وتعظيم فتقديره أنت ضميرٌ متصل لا ريب فيه ظاهر للناس أجمعين. إذا وجدت امرأة مثل هذه، تهوى الغوص في كل ما هو عميق، فابق بجانبها لأنها ستراك كما لو كنت معجزة وتبايِعك نبض قلب على قلب، ستسكن فيك وتمنحك أشياءً لن تُغادرك أبداً. إنها ببساطة امرأة محرمة على النسيان لا تكون فاعلاً لفعل ماض حتى لو انقلبت جميع قواعد اللغة. إن وجدت امرأة مثل هذه فخذها بكفيك وأصابعك لأنها ستحبك بقلب أم كما لو كُنت قد ولدتَ من رحمها، ستعرف متى وكيف تضعف وتقوى وتستغني وتتحمل، متى تكون الزوجة ومتى تكون الحبيبة ومتى تكون الصديقة والسند. لا تخف من قلبها ولا تخف من عقلها فستصدمك بعطاءها الجارف، لأنها تعي بكل خلاياها أن ما يُصيبك يصيبها ضِعفُه فرحاً كان أم حزناً. لا تخف منها فستحبك حب عصور وتكون شهرزادك كل ليلة فتدرك معها أن قلب امرأة تقرأ حِباءُ لا يناله إلا ذو حظ عظيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.