شعار قسم مدونات

القدس ليست لنا.. القدس لرجال الأنفاق وأرامل الشهداء

blogs - 57-1-main

كنت دائماً ما أتأمل عبارة صلاح الدين الأيوبي إذ يقول "كيف أضحك والأقصى أسير"، كنت أتساءل دوماً عن علاقة صلاح الدين بالمسجد الأقصى تلك العلاقة التي جعلته يعرض عن الضحك واللهو واللعب، ذلك الحب الذي منع عنه النوم، ذلك الحب الذي جعله يحرر المسجد الأقصى، الحب الذي تتبعه إرادة ثم عزيمة ثم صدق ثم جهاد ثم فتح.

  

فأي حب ذاك الذي ملك عليه فؤاده وجعله يفعل كل ذاك، أي عقيدة وأي إيمان ذاك يا سيدي، أتأمل أيضاً حال علماءنا ومشايخنا اليوم كيف يتعاملون مع المسجد الأقصى وكيف نتعامل معه نحن، قليلاً ما كنت أجد لهم منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث عن المسجد الأقصى، لم يحدث وأن وجدت أحدهم يضع صورة شهيد أو يشارك شريطا وكنت أستغرب فعلهم ذلك، بينما أجد تركيزهم منصبا على أقوال لابن القيم وابن عطاء وابن الجوزي وغيرهم، كنت أشك بمصداقية حبهم للقدس والمسجد الأقصى، لأنني كنت أعتقد دوماً أن المحب شغوف بذكر محبوبه بينما نحن الشباب تجدنا نتابع آخر الأخبار وعلى مدار الساعة، نحفظ أسماء شهداء الانتفاضة، كما أننا على إطلاع بآخر أنشودة تم إطلاقها، نحفظ الشعارات فنرددها؛ ونثور كلما سمعنا خبراً جديداً.

  

القدس ليست لنا، القدس لرجال الأنفاق، لأرامل الشهداء، لحرائر المسجد الأقصى، القدس للأحرار الذين يدافعون عن الإسلام في كل أرجاء العالم

نبحث عن أي شيء يتعلق بالقضية، أي شيء يظهر للآخرين حبنا للمسجد الأقصى، قد نزين غرفنا بصور الشهداء، ونجتهد في البحث عن الكوفية الفلسطينية لنشتريها ونعلقها على أكتافنا، بينما على العكس تماماً تجد العلماء منكبين على شرح حكمة كتبت منذ مئات السنين وحديث روي منذ آلاف، ولا يكتبون شيئاً عن إخواننا المستضعفين، أي علماء هؤلاء، نحن نقدس المسجد الأقصى ونحبه لكننا بالمقابل لا نعرف تاريخه، لا ننفق مثقال ذرة من مال من أجله.

  

نحن نردد بحماس شعارات النصر في أول النهار لكننا ننام في الليل دون أن نذكره بدعوة، نحن نحب المسجد الأقصى لكننا مقصرون جداً في عباداتنا، إلا نزور أقاربنا إلا في الأعياد ولا نقرأ القرآن إلا في شهر رمضان، لكننا حقا نملك حرقة الدفاع عن أقصانا، أكاد أجزم أن هناك قدسان ومسجدان، قدسنا وقدسهم، فقدسنا لا تحتاج منا سوى بعض الشعارات والمنشورات والمتابعات لنصرتها، لكن قدسهم تحتاج منهم وقتهم وجهدهم ورباطهم وتضحياتهم وجهادهم، تحتاج منهم الوقوف تحت حرارة الشمس، والبقاء في باطن الأرض بأسابيع دون أكل أو شرب، قدسهم تحتاج منهم بيع أرواحهم وأطفالهم والتخلي عن بيوتهم.

  

قدسهم تحتاج إلى غضب حقيقي، أما قدسنا فلا تحتاج منا سوى بضع قطرات من الدموع نسكبها بين الفينة والأخرى، ومنشور نشير فيه إلى بعضنا البعض وتحديث حالة الحزن على الحائط الشخصي لحساباتنا، وإن حدث وبالغنا قليلا في الاهتمام فستجدنا جميعاً نغير صورنا الشخصية ونضع علم فلسطين مثلاً أو صورة لقبة الصخرة.

   

كنت أتساءل دوماً إن كان المسجد الأقصى عقيدة فلماذا لا يحدثوننا مشايخنا عنه، لماذا لا يخبروننا كيف نحبه وكيف ننصره، لماذا يركزون دوما على معرفتنا لله وحبنا له دون المسجد الأقصى، لماذا لا يكون الحديث عنه شغلهم الشاغل مثلنا، كنت أشعر أن هناك خللا ما في الأمر، شيء ما غير منطقي في القضية كان الخلل دوماً في قضية فهمي للأمر، فهؤلاء الكبار قد عرفوا حقاً الطريق إلى القدس فاتبعوه، لكننا ما زلنا نتخبط ونتفلسف ونبحث عن طريق آخر غير طريقهم يوصلنا إلى قبة الصخرة، بينما الطريق واضح جلي لمن يريد سلوكه.

 

طريق الصالحين، طريق جهاد النفس ومعرفة حقيقتها والعمل على تغييرها، أحياناً أشعر أننا نكذب حين نبوح بحبنا عن القدس والأقصى ونكذب حين نقول "الأرض لنا والقدس لنا " فالأرض والقدس ما كانت يوما لنا وإنما "الأرض لهم والقدس لهم " القدس ليست لمن يثور لمدة يومين أو أسبوعين حتى، ثم يعود إلى سابق عهده، القدس ليست لنا لأننا لسنا أهلاً لها، ما أحببناها يوماً بصدق، ولو فعلنا لسعينا ولأصلحنا ولغيرنا، القدس ليست لنا، القدس للشهداء، للأسرى، القدس لخديجة وهنادي ورائد وعبد الله ومهند، القدس لبهاء وغسان وباسل، القدس لرجال الأنفاق، لأرامل الشهداء، لحرائر المسجد الأقصى، القدس للأحرار الذين يدافعون عن الإسلام في كل أرجاء العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.