شعار قسم مدونات

بين السلطان الأحمر و"ديكتاتور" تركيا الحالي

blogs أردوغان
لعلّ من يتابع ما يجري على الساحة التركية في السنوات الثلاث الأخيرة يمكنه أن يستحضر في ذاكرته فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني. وهنا لا بدّ من شكر قطاع الإنتاج في الدولة التركية على العمل الضخم السلطان عبد الحميد الذي أزال الغبار عن حقائق تاريخية كانت طُمست عمدا وطُويت صفحاتها.

السلطان عبد الحميد الذي لم نعرف عنه في كتب التاريخ التي درسنا فيها الا أنه أباد الأرمن وكممّ أفواه المنادين بالحرية ومارس أنواع التسلّط والظلم على شعبه. بعد مشاهدة العمل التلفزيوني السلطان عبد الحميد الذي لا زال يُعرض حتى الآن أثار فضولي أن أبحث وأقرأ عن هذا السلطان فقرأت عدة مقالات لكتّاب وباحثين من مدارس فكرية متعددة وكاد أن يكون فيها إجماع على أن هذا السلطان كان مدرسة للفكر الإسلامي السياسي والتربوي.

هو الذي سعى لتوحيد راية المسلمين بمختلف ألوانهم وأعراقهم تحت سقف ما أسماه الجامعة الإسلامية. بعد اعتلائه العرش بسنتين أي عام 1878م عُقد مؤتمر برلين الذي تضمّنت بنوده السرية أطماع الدول الإمبريالية آنذاك فرنسا وبريطانيا وإيطاليا بتقاسم أراضي الدولة العثمانية ونسف كيان هذه الخلافة التي كانت في مرحلة من الضعف بدأ منذ عهد السلطان سليمان القانوني وكان حجّة ولا أقوى لمحاولات الغرب والصهاينة بعد ذلك لبث السموم وقضّ مضجع الخلافة.

ها هو أردوغان الرئيس التركي اليوم وبعد مئة عام ونيّف يمضي على خطى السلطان عبد الحميد ساعيا لتنفيذ ذات الأهداف ويُطلق ذات المواقف في وجه أعداء هذه الأمة

لماذا لم تخبرنا كتب التاريخ عن حجم الوعي الذي تمتّع به السلطان عبد الحميد والذي أمكنه من تدارك الخطر الذي كان يهدّد السلطنة وهو محاولات تفكيك الخلافة الإسلامية وتهديد وحدتها فعزم على تقوية الرابط الإسلامي في جميع أنحاء العالم. فكانت السلطنة الأب الحاضن والداعم لأبنائه في كل الدول. لماذا لم تذكر لنا كتب التاريخ إنجازه الضخم لمشروع سكّة حديد الحجاز التي تربط دمشق بالمدينة المنوّرة وذلك لتيسير فريضة الحج وربط مناطق الدولة العثمانية ببعضها ومؤازرة أهل الجزيرة العربية وتزويدهم بالغذاء والأمن وقد موّل السلطان هذا المشروع من خزينته الخاصة ومن تبرعات المسلمين في كل العالم.

لماذا لم تسجّل كتب التاريخ لنا موقفه المشرّف امام أطماع المخطّطات الصهيونية والتي كان على دراية بها منذ ثمانينات القرن التاسع عشر. هذه المخططات التي تجرّأ محرّكها الأساسي المفكر اليهودي ثيودور هرتزل ووقف أمام السلطان طارحا موضوع هجرة اليهود إلى فلسطين. فكان رد السلطان الذي يستحق أن يُلقّن للتلاميذ في المدارس كتكريس لفكرة عدم تهويد فلسطين: لا أستطيع بيع حتى لو شبر واحد من هذه الأرض لأن هذه الأرض ليست ملكا لشخصي بل هي ملك للدولة العثمانية نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلّمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة. والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبر واحد من فلسطين.

لقد سعى الغرب جاهدا وبكل المحاولات والمكائد والدسائس الداخلية والخارجية إلى الإطاحة بالسلطان وعزله وحتى اغتياله. هل سألنا أنفسنا لماذا؟ لماذا كان السلطان يقف حجر عثرة في وجه المطامع الغربية والصهيونية؟ لأنه حقّق خطوات جبارة في إعادة اللُحمة والوحدة للأمة الإسلامية وتعزيز قوتها كجسد واحد ناهيك عن المشاريع الاقتصادية والصناعة الحربية التي ساهمت في إعادة إحياء السلطنة من جديد.

لعبت الصحافة الغربية وحتى المعارضة له ضمن السلطنة دورا كبيرا في مساعي تشويه صورته وإظهاره بمظهر السلطان المستبد فنعتوه بألقاب كالسلطان الأحمر والطاغية. وإذا رجعنا هنا إلى أقوال بعض من أعدائه فيه بعد مماته لأدركنا كمّ الافتراءات والأكاذيب التي كان هدفا لها. فالدكتور رضا توفيق وهو من أكبر معارضيه وأحد أبرز مفكري حركة الاتحاد والترقي قال فيه: أيها السلطان العظيم لقد افترينا عليك دون حياء وقال اللورد بيكونسفيلد: لم يكن فاسقا ولا ظالما ولا قابلا للرشوة.

عذرا أيها السلطان فالتاريخ الذي قرأناه لم ينصفك ولكن مهما طُمست الحقيقة فستجد لمعرفتها بين العوائق سبيلا.. وها هو أردوغان الرئيس التركي اليوم وبعد مئة عام ونيّف يمضي على خطى السلطان ساعيا لتنفيذ ذات الأهداف ويُطلق ذات المواقف في وجه أعداء هذه الأمة. فلقد استحوذ على قلوب ملايين المسلمين حول العالم. هو الذي يسعى جاهدا لإحياء النبض في قلب الأمة الإسلامية وإيقاظها من غيبوبتها وتوحيد المسلمين على قلب رجل واحد. فقلوب المسلمين عطشى لرجال ينصرون الحق ويطلقون مواقفهم بثبات دونما خوف على المصالح الشخصية والمنفعة المادية.

ما يسعى إليه هو راجيا من الله إعانته في تحقيقه يسعى كثيرون من قادة الدول العربية مدعومة منن الغرب وإسرائيل إلى تهديمه. فمواقفه المشحونة بالعزة والكرامة والفخر لا تثلج قلوبهم
ما يسعى إليه هو راجيا من الله إعانته في تحقيقه يسعى كثيرون من قادة الدول العربية مدعومة منن الغرب وإسرائيل إلى تهديمه. فمواقفه المشحونة بالعزة والكرامة والفخر لا تثلج قلوبهم
 

هذا الرجل شهد عهده فتح نفق تحت مضيق البوسفور لربط قسمي إسطنبول الأوروبي والأسيوي وقريبا سيتم تشييد ثالث أكبر مطار في العالم وغيرها من الإنجازات الداخلية التي لا تُحصى ولا تُعدّ والتي جعلت من تركيا دولة ذات كيان مستقل رغم كل أنواع الحروب والمكائد التي تُحاك ضدها. هذا الرجل الذي أبدى كل الاهتمام بإعادة الهوية الإسلامية للدولة التركية ويسعى دوما لتوثيق العلاقات مع العالم العربي من رفع التأشيرات عن أغلب الدول وتسهيل التبادل التجاري وعقد الاتفاقيات الاستراتيجية ليؤكد أن تركيا ومحيطها العربي والإسلامي كيان واحد لا يخضع للتمزيق ولكن مهلا أما علم سيادة الرئيس أن هناك أناس يتربّصون بتركيا شرا بدءا من بعض الزعماء المسلمين وصولا إلى أعوانهم من دول الغرب والصهاينة.

إنً ما يسعى إليه هو راجيا من الله إعانته في تحقيقه يسعى كثيرون من قادة الدول العربية مدعومة منن الغرب وإسرائيل إلى تهديمه. فمواقفه المشحونة بالعزة والكرامة والفخر لا تثلج قلوبهم. هم يقولون له: دعك من فلسطين والقضية الأساسية والتفت إلى اقتصادك وادخل الصفقة معنا ليربح الجميع. وهو يقول لهم فلسطين أمانة المسلمين وهي كمكة بالنسبة لهم وليست موطنا لليهود. يقولون له سر في نهج علمنة الإسلام وتجليد مشاعر المسلمين وحميّتهم اتجاه دينهم وإخوانهم المسلمين في ثلاجة الإسلام الحديث. وهو يقول لهم أنه ماض في إنعاش الروح الإسلامية وجعل المسلمين كالبنيان المرصوص. يقول لهم أنه سيسلك طريق الحق إلى النهاية مهما كان الثمن.

 

يقولون له: باستطاعتنا محاصرة اقتصادك ومقاطعة دولتك لأنك طردت السفير الإسرائيلي وأذللته واتخذت موقفا مفاجئا من إعلان القدس عاصمة إسرائيل. وهو يؤكد لهم أن كرامة المسلمين عنده أهم من الليرة التركية وقول كلمة الحق تريح أكثر بكثير من تناسي الحق والتآمر على أمانات الأمة. أعتقد أن الشعب التركي سيقول كلمته عام 2023 وستنتهي صلاحية معاهدة لوزان وبإذن الله ستستعيد تركيا صلاحياتها التي أُخذت منها والتي قلصت جغرافيتها وحرمتها من حقها في التنقيب عن البترول وغيرها من الأمور. ونحن سنردّد للرئيس أردوغان قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.