شعار قسم مدونات

إسرائيل وسرقة التاريخ..

blogs - إسرائيل
قد يستغرب البعض من هذا العنوان، فهل التاريخ يُسرق؟ أو يضيع؟ الجواب وبكل تأكيد نعم. وما نشهده الآن للأسف ضياع لتاريخنا وسرقة له، والسبب قله الاهتمام الرسمي والبحث العلمي في شؤون التاريخ، خلال بحوثي الطويلة في دراسة وتوثيق التواجد الألماني في الجيش العثماني رأيت هذا واضحا، في ظل غياب واضح لنا، بينما البحوث الإسرائيلية تكاد لا تحصى.

 
خلال ترجمتي للجنود الألمان الذين اشتركوا في القتال المباشر في صفوف القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى؛ لم يؤلمني فقط خلو المكتبة العربية من أي مرجع أو مصدر يتحدث عن هؤلاء الجنود أو حتى يذكر بعضهم، فكل ما وجدته هو سطور عن بعض الشخصيات الاساسية، رغم أن العدد وصل إلى 25 ألف جندي الماني تقريبا، وأكثر من ألف جندي قتل على أرض فلسطين والعراق وجناق قلعة.. ما آلمني فعلا هو الكم الكبير والغِنى بالمعلومات التي وجدتها في المراجع الأجنبية والتي تحدثت بموضوعية عن الأداء الالماني والجيش العثماني، وأثر وتأثير الوجود الالماني في الجيش العثماني، فمن أسوأ معركة في التاريخ العثماني وهي حرب البلقان إلى أعظم المعارك في التاريخ العثماني مثل جناق قلعة وكوت العمارة وغزة خلال سنتين. والفرق بينهما الوجود الالماني المباشر.

 
لن نعزو الأداء العثماني الذي أذهل الحلفاء للألمان فقط فالجندي العثماني لا يحتاج من يمدحه وكما قال أحد أشهر الجنرالات الألمان: "الجيش العثماني يحتاج لقادة المان فقط". ما يهمنا الآن في هذا المقال أهمية دراسة وترجمة هذه الشخصيات، ولماذا هذا الشيء مهم للغاية في الحفاظ والدفاع عن تاريخنا، وهل هم فعلا جزء لا يتجزأ من تاريخنا؟

 
الجواب نعم، وسأوضح بعض الأمثلة لكي تتكور الفكرة، وتتضح الأهمية لمثل هذه الدراسات:

نحن بعيدون ولا نستطيع التفوق مجتمعين على اسرائيل وحدها، عدم الموضوعية التي نعيشها بسبب التوجيه والتدخل السياسي في صناعة التاريخ، البحث العلمي الرديء.. يجعل تاريخنا شبه ضائع

خلال ترجمتي للشخصيات الألمانية أعددت قائمة بالكتب التي تركوها وتحدثوا فيها عن جبهات القتال ودراسة الأوضاع الاجتماعية والسياسية حول الدولة العثمانية والبلاد العربية بشيء من التفصيل، هذا عدى مئات وآلاف التقارير الالمانية. لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نفهم هذه الحقبة دون الرجوع إلى هذه الكتب، للأسف لا يوجد أي منها معرب حتى المذكرات الشهيرة لليمان ساندرز قائد البعثة الألمانية والذي فصّل جبهة فلسطين، والمترجمة لعدة لغات غير متوفرة بالعربية. تقارير سيرنو حول سلاج الجو، يوميات فون كريسشتاين، وغوهر، وكتب كارل مولمان التي فصلت في أداء الجيش العثماني وتحركاته، وهناك الكثير من الكتب التي وصفت بغداد والشام وفلسطين، وبعض الكتب الي فصلت شخصيات محورية مثل انور باشا. حتى أن بعضهم كتب روايات حول التواجد الالماني والمنطقة.

 

المثال الآخر تواجد سلاح الطيران العثماني والمدعوم بأسراب الطيران الألمانية 300،301،302،303،304  البافاري، وسرب طيران F . وأكثر من 200 طيار ألماني، على جبهة فلسطين وحدها، قدموا تقارير وصور استطلاعية للقوات البريطانية غاية في الاهمية خلال الحرب العالمية الاولى. تكمن أهمية هذه التقارير والصور للمدن الفلسطينية لنا في أثبات التغير الديمغرافي الذي صنعته اسرائل في تهجير الشعب الفلسطيني، لكن وللأسف إسرائيل من تلتقط هذه المواد وتحاول أثبات يهودية بعض القرى والمدن. في كتابة الارض المتغيرة بين البحر والنهر يحاول المؤرخ الإسرائيلي بنيامين كادار، أثبات أو التلميح لما تكلمنا عنه. ومثال آخر الطيار الألماني الشهير وقائد سرب 304 البافاري فرانز والز صاحب الكم الهائل من الطلعات الاستكشافية، مع أنه أصبح نازيا لاحقا إلا أن إسرائيل كرمته ووضعت صورته على طابع بريدي في 2016، في محاولة لسرق إنجازاته.

 

كل ما ذكرناه للأسف من كتب ومذكرات ويوميات ووثائق، تنكب عليه إسرائيل في ترجمته واستخدامه لصالحها في أسلوب علمي مميز الصراحة. السؤال أين نحن؟ نحن بعيدون ولا نستطيع التفوق مجتمعين على اسرائيل وحدها. عدم الموضوعية التي نعيشها بسبب التوجيه والتدخل السياسي في صناعة التاريخ. البحث العلمي الرديء. يجعل تاريخنا شبه ضائع. لا أعلم هل إسرائيل من تسرق التاريخ أم أننا من نضيّعه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.