شعار قسم مدونات

المقاطعة.. تعبير سلمي عن الغضب والاحتجاج

مدونات - المقاطعة

تعرف المقاطعة بأنها امتناع تطوعي مخطط له عن شراء منتوجات معينة أو التعامل مع شخص أو اشخاص معينين، منظمة أو مؤسسة معينة وقد تصل المقاطعة إلى مقاطعة دولة لدولة اخرى، وتتميز المقاطعة بانها تصرف سلبي (امتناع عن عمل) يحمل في طياته بواعث ودوافع سياسية، اقتصادية ودينية.. والهدف دائما هو أحداث تأثير على الجهة المعنية بالمقاطعة، والتأثير قد يكون عبارة عن عزلة، خسائر مالية، وقد يصل التأثير إلى إفلاس المستهدف من وراء عملية المقاطعة. غير أن هناك فرق بين المقاطعة والعصيان المدني هذا الاخير يكون موجها ضد الحكومة وليس ضد شركات خاصة أو جهات مستقلة عن الحكومة المركزية.
 
وقد عرف التاريخ عددا كبيرا من عمليات المقاطعة، لكن تبقى أشهرها تلك التي قام بها غاندي ضد المستعمر البريطاني للهند في إطار ماسمي آنذاك بحركة "سواديشي" والتي هدفت إلى مقاطعة المنتوجات البريطانية خاصة والاجنبية عامة والدعوة إلى شراء المنتوجات الهندية الوطنية بالإضافة إلى مقاطعتها لكل ما له علاقة بالمستعمر (ثقافيا، اجتماعيا وسياسيا..).

 

سلمية المقاطعة من جهة تحدث نتائج كبيرة في الجهة الأخرى، أن الخسارة التي قد تحققها المقاطعة لجهة ما -خاصة الشركات- غالبا ما تكون خسارة مادية ومالية باهظة ومؤثرة تأثير ملموسا

المقاطعة أو كما يطلق عليها بالإنجليزية (boycott) ، تعتبر من بين أهم الوسائل السلمية وأنجحها والتي من خلالها يمكن تحقيق تأثير حقيقي على الجهة المقصودة بالمقاطعة، خاصة اذا كانت هذه الاخيرة شركة أو مجموعة من الشركات، حيث أن المقاطعة تضرب في أهم الركائز التي تقوم عليها الشركات الخاصة: الربح! أن الربح هو أول الأهداف وآخرها لذلك فأي محاولة للنيل منه تشكل هاجسا وكابوسا لا يطاق لدى الشركات. المقاطعة من حيث المدة الزمنية هي نوعان، مقاطعة محدودة المدة -one time affair- والتي يكون الهدف منها تصحيح وضعية معينة عن طريق مقاطعتها مؤقتا بحيث تنتهي المقطعة عندما يتم تصحيح الوضعية والتجاوب مع المقاطعين. اما النوع الثاني فطويل المدة، حيث تصبح المقاطعة كنوع من الوعي الشعبي وكمخطط دائم، يشمل المقاطعة الدائمة والشاملة وكذا التأثير على القرار السياسي والحكومات ودفعها إلى تبني المقاطعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمقاطعة دولة ما أو منظمة ما.

 

قد يتفق الكل على أن الإنترنت عامة ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة تلعب دورا مهما في انتشار فكرة المقاطعة، كونها تتخطى الإعلام التقليدي الذي، غالبا، ما يخضع لضغوطات الحكومات واللوبيات وكذلك الأشخاص أصحاب النفوذ وأصحاب الشركات الكبرى، بحيث تبقى وسائل التواصل قادرة على تجاوز اي ضغط قد يمارس على مستعمليها مَانِحَة الحرية التامة للأفراد في أن يختاروا ما يرونه مناسبا لهم ولتوجهاتهم السياسية والدينية والثقافية.. مما يزيد من حجم انتشار فكرة المقاطعة والهدف وراءها وطرق مساراتها وننتئيها العاجلة والآجلة.

  
إن المقاطعة باعتبارها تصرفا جماعيا، قد حظيت باهتمام العديد من الباحثين في مجال علم الاجتماع والسلوك الجماعي للأفراد، وكمثال على ذلك اذكر المفكر "فيليب بالسيجر" والذي تطرق لفكرة جوهرية تقول بأن ما يجعل المقاطعة تنتشر وتأخذ شكلا شعبيا، هو أنها تعتمد على scripts ، أي أن القائمين على المقاطعة يلجؤون الي افكار جاهزة وادلة مرتبة مسبقا تتناسب مع المشاكل والعقبات التي يعيشها الأشخاص الذين توجه اليهم الدعوة إلي المشاركة في المقاطعة، مما يجعلهم مقتنعين بفكرة المقاطعة كوسيلة ومنحى يمكن تحقيق تأثير سلبي على الجهات المقصودة بها.

إن ما يجعل المقاطعة وسيلة وطريقا شرعيا لإحداث تأثير وضغط حتمي على المستهدف هو كونها سلمية، أي إنها لا تحتاج إلى حمل سلاح ولا إلى الخروج في مظاهرات أو أي عملية أخرى غير سلمية، وإنما تكفي القطيعة وعدم التعامل أو عدم الشراء أو عدم المشاهدة -مشاهدة برامج تلفزيونية معينة- أو عدم اجتياز امتحانات. إن سلمية المقاطعة من جهة تحدث نتائج كبيرة في الجهة الأخرى، أن الخسارة التي قد تحققها المقاطعة لجهة ما -خاصة الشركات- غالبا ما تكون خسارة مادية ومالية باهظة ومؤثرة تأثير ملموسا، بحيث قد تدفع الشركة المستهدفة إلى التنازل والرضوخ لمطالب المقاطعين وذلك رغبة منها في استمرار وجودها، بحيث يكون تحقيق مطالب المقاطعين أخف الضررين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.