شعار قسم مدونات

نقابة المهندسين.. سقوط آخر قلاع الإخوان في الأردن

مدونات - انتخابات نقابة المهندسين بالأردن

نقابة المهندسين أهم قلاع الإخوان تسقط في الأردن
منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي أقر الدستور الأردني بأحقية كل أصحاب المهن المختلفة بأن يكون لهم نقابة ترعى شؤونهم وتسعى لتحسين أوضاعهم وتصويبها وتطوير المهن التي يعملون بها، واُستثني من ذلك في حينها المعلمين ولم يحصلوا على نقابة إلا مؤخراً بعد مناورات عدة ومناوشات مع الحكومة استطاع المعلمون الحصول على نقابة لهم في ظروف حالكة وتوقيت استثنائي، وبهذا أصبحت أغلب المهن في الأردن لها نقابة تنضوي تحتها، ولم توجد النقابات للمناكفات والتراشقات بين التيارات المختلفة وإنما وجدت للمحافظة على حقوق منتسبيها وتحصيلها والدفاع عنها، وتوفير فرص العمل المناسبة لهم، وتحسين أجورهم، والمنافسة الشريفة بين التيارات المختلفة للوصول إلى مجلس النقابة والإمساك بزمامها يُعطيها نكهة أحلى.

 

فلو كانت النقابات بالتعيين وليس بالانتخاب لكانت مفرغة من محتواها ولا قيمة لها، والأصل في النقابات أن تتصدى لمواقف الحكومة التي تسعى من خلالها لرفع الأسعار وتشريع القوانين الجائرة ومصادرة حرية الرأي والتعبير وتضييق الخناق على المواطنين، فالنقابات جزء لا يتجزأ من المجتمع، وفي الأردن عادة ما يُمسك بزمام النقابات المهنية الإخوان المسلمين وحلفائهم، ويحدث أن يتحالف كل العلمانيين والليبراليين والبعثيين والقوميين واليساريين والأجهزة الأمنية لمواجهة الإخوان في انتخابات النقابة ومع ذلك يستطيع الإخوان الاكتساح والتصدي لهذه الهجمة بكل سهولة، لكن ما حدث في السنوات الأخيرة يدعو للتساؤل ويثير الشكوك، فمثلاً خروج نقابة المعلمين من سيطرتهم ثم لحقت بها نقابة المحامين وأمس سقطت نقابة المهندسين آخر معاقلهم من أيديهم بعد السيطرة عليها دامت لربع قرن من الزمن، ورغم الإنجازات التي حقّقوها فإن هذا لم يشفع لهم وأدى لخسارتهم أمام خصومهم الذين لم توحدهم فكرة ولم يجمعهم هدف وليس لديهم رؤية سوى العداء للإخوان المسلمين، فليس من المعقول تجتمع كل التيارات المختلفة والمتناقضة على شيء واحد يُوحدها.
 
ولكن يبقى ثمة أسئلة: هل سيعيد الإخوان قراءة المشهد بشكلٍّ جدّي بعيداً عن العواطف والأماني؟ وهل سيشاركون مناصريهم في قراءة المشهد؟ وهل سيسمعون لملاحظات التي تأتيهم تباعاً من أنصارهم في قراءة المشهد بأدق تفاصيله؟ أم أنهم سيعزون خسارتهم إلى تدخلات الحكومة وأجهزتها الأمنية رغم أن الحكومة لا تتدخل بشكلٍ مباشر في هذه الانتخابات وربما تحاول أن تنحاز لطرفٍ على آخر من بعيد، وثمة مشكلة يعاني منها الإخوان ولا يعترفون بها وهي الإقصاء والتهميش ولا يحبون الناصحين ولا يسمعون لهم، وهنا أتحدث عن إقصاء الأصوات الداعمة لهم والتي تقدم لهم ملاحظات على طبقٍ من ذهب لكنهم سُرعان ما يركلونها خلفهم ويستخفون بها وربما يضحكون على أصحابها.

 

وقد تكون خسارة الإخوان المسلمين لإبراز قلاعهم التي تحصنوا فيها لربع القرن يجعلهم يعيدون قراءة المشهد بواقعيةٍ واحتراف ويرتبون أوراقهم بشكل منظمٍ وممنهج ويصارحون ذواتهم بكل مصداقية ووضوح ويفكرون بذلك بروية وتأمل، وإذا لم يفعلوا ذلك و يُصارحوا ذواتهم وقواعدهم ومناصريهم بما آلت إليه الأمور فإنهم حتماً يقضون على أنفسهم بأنفسهم، فما حدث بالأمس هزيمة نكراء تجرّعها الإخوان المسلمين من ألد خصومهم ولا ينكر ذلك إلا سافه وجاهل، وما يجدو الإشارة إليه أن خصومهم كانوا يُعيبون عليهم أنهم حزبيون وإقصائيون ولا يؤمنون بالتشاركية ويجب أن تكون النقابات مهنية وليست حزبية، وهذا رأي خصوم الإخوان في النقابات الأخرى يقولون ذلك بكل بجاحة، ويتناسون أنهم يستخدمون جميع الطرق والوسائل للسيطرة على النقابة واكتساح الانتخابات..

  undefined

 

فمن المعيب أن تعيب على غيرك شيئاً ما ثم تأتي بالأسوأ منه، وهذا ينطبق على خصوم الإسلاميين، فلا أدري ماذا يقصدون بالتشاركية، وهل التشاركية من قواعد الديمقراطية؟ وهل يعي خصوم الإسلاميين أن الانتخابات لا يوجد فيها تشاركية وإنما تحالفات، ولو كانت تشاركية لطالبنا بإصدار قانون يلغي الانتخابات ويجعلها بالتعيين. لكنهم يستخدمون هذا المصطلح لأنهم يرون من الصعوبة اقصاء الإخوان وإبعادهم وبما أنهم اكتسحوا نقابة المهندسين فهل سنسمعهم ينادون بالتشاركية؟ في نقابة المعلمين طالبوا بالتشاركية وعندما فازوا كانوا اقصائيين بل وذهبوا لتشريع قانون يُحجم فيه نجاح الإخوان ووصولهم للنقابة، هم إقصائيون ولا يؤمنون بالتعدد ويتهمون غيرهم بذلك، والنقابات التي لا تسيطر عليها الأحزاب هي نقابات فارغة لا قيمة لها، وهل ستكون النقابات قوية إذا سيطر عليها الأفراد وليس الأحزاب؟

خسارة الإخوان لنقابة المهندسين يجب أن يعتبروها بمثابة استراحة محارب مع مراجعة شاملة وكاملة لكل ما يتعلق بالحركة الإسلامية وليس للنقابة وعليهم ألا يُهولوا الأمور وألا يستسخفوها، فإن ما حدث ليلة أمس ضربة قاسمة كانت لهم، فهل يستوعبوا الدرس ويدركوا ما يُحاك لهم، ويبتكروا طرقاً جديدة في التحالفات والوصول إلى زمام النقابات، أم الأمور ستخرج من أيديهم بلا رجعة، ويصبحوا شكلاً بلا معنى، وحزباً بلا قوّة، ننتظر قادم الأيام فهي التي ستحدد ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.