شعار قسم مدونات

اختلال العالم وأمين معلوف!

مدونات - كتاب اختلال العالم
"في هذا الحقل كما في حقول أخرى لا أكف عن التأرجح بين الجزع الأقصى والأمل فأقول في نفسي أن الإنسانية قد عرفت دوما في اللحظة الأكثر حلكا أن تجد في ذاتها الوسائل اللازمة للخروج من هذه اللحظات" بهاته الكلمات يطلق المثقف اللبناني صرخة استغاثة لعالم مجنونٍ ينتزع منا كل يوم إنسانيتنا، فكرة الكتاب الأساسية تتمحور حول أن عالم اليوم يعاني من ثلاث اختلالات تكاد تعصف به:

 

الاختلال الأول ثقافي

يتصل بصراع الهويات والعقائد فيسلط الضوء على العلاقة المتوترة بين العالمين الإسلامي والغربي مستشهداً بوقائع تاريخية وحروب دموية لعل آخرها حرب العراق وما صاحبته من تشنج رهيب بين العالمين وشرَّحَ هذه العلاقة في جملتين حين قال: ما آخذه اليوم على العالم العربي هو فقر وعيه الأخلاقي وما آخذه على الغرب ميله لتحويل ذلك الوعي الى أداة سيطرة كما يكشف زِيف الشِعارات التي يرفعها الغرب في مستعمراته ويؤكد أن المحظور في أوروبا مسموحٌ في أفريقيا أو في أمريكا الجنوبية وأبسط دليل على ذلك مساندة الغرب للدكتاتوريين في عدة بلدان بهاتين القارتين فالغرب على حسَبِ قوله لم يحترم قيمه في علاقاته مع الشعوب المغلوبة.

 

الاختلال الثاني اقتصادي

فانتصار النموذج الرأسمالي على الاشتراكي وياللمفارقة كان وبالاً على الغرب فقد سمح لدول عديدة ليس أولها الصين ولا آخرها الهند بالاندفاع بسرعة خيالية في ميادين الإنتاج والاستهلاك محدثة زلزالا مركزه في آسيا وتداعياته في أوروبا فهاته الأمم تبنت حضارة الغرب نموذجه الاقتصادي وحرمته مما كان يشكل نوعيته وتفوقه ويرى الكاتب أن الغرب عجز عن استثمار انتصاره على الشيوعية فدا انتصاره انتصارا زائفا. إن تدني حصة الغرب النسبية من الاقتصاد العالمي حسبما ابتدأ قبيل انتهاء الحرب الباردة يحمل في طياته عواقب خطيرة.

  undefined

 
الاختلال الثالث مناخي
بيئي ناجم عن فترة طويلة من ممارسات لا مسؤولة لسكان هذا الكوكب وإذا كنا نتمنى ألا نستنفد موارد الكرة بسرعة فسيكون علينا أن نفضل قدر المستطاع أشكالا أخرى للشبع وأشكالا أخرى للمتعة ولا يقصد هنا الحرمان أو التقشف بل الترشيد إذا أردنا أن نستمتع مطولا وعلى شكل كامل بما تقدمه لنا الحياة فسيكون من واجبنا أن نعدل سلوكياتنا.

ملاحظات
يشير الكاتب في بداية مؤلفه أنه لا يعاني من النوستالجيا والحنين إلى الماضي لكنه قلق من حاضر يحمل تبعات وخيمة على مستقبل قريب، هدف الكاتب من هذا المؤلف إيصال صيحة استنجاد أو صرخة استغاثة ولسان حاله أن العالم الذي نعيش فيه بات في خطر . الكتاب لم يحمل في طياته أي جديد لا على المستولى المعلوماتي أو التحليلي على الأقل بالنسبة لي أو بالنسبة لمتابعي الشأن الدولي
يعالج الكتاب العديد من المواضيع الحساسة التي تتداخل فيه السياسة والدين والاقتصاد والعرف وهي مواضيع أرقت قبله مفكرين وفلاسفة وشخصيا اعتقد أنها تدخل في صميم تركيب البشر ولا يمكن حلحلتها بأي شكل من الأشكال.
 
يحمل الكاتب الجانب الأكبر من المسؤولية على عاتق الغرب فهو الطرف الأقوى في المعادلة لكنه لا ينفي ولا يبرئ الشرق من أخطائه فهو على حسب قوله يرى أن العرب مسؤولون بطريقة أو أخرى على تقديم أنفسهم للشعوب الأخرى. استخدام الأسلوب الإنساني المفرط يفقد الكاتب والكتاب جانبا مهما من الواقعية وهي مطلوبة في مثل هذه المواضيع الحساسة وجعل من تحليله للوقائع واستخلاصه للنتائج ضربا من الرومانسية الأدبية وأعتقد أنه افتقد أدوات تحليل مهمة كانت لتجعل من طرحه أكثر متانة. الكتاب في مجمله كان امتدادا لأطروحة الهويات القاتلة وأجده طرحه مقبولا من عدة نواحي لكنه لم يرقى لمستوى تطلعي وأجزم أنه لم يكن أفضل كتب أمين معلوف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.