شعار قسم مدونات

محمود.. تحدى الكرسي المتحرك ونجح في سديم

مدونات - محمود يوسف - حجم أكبر

من الأشياء التي طالما آمنت بها في حياتي أن العائق الوحيد الذي يمكن أن يثني أي شخص عن تحقيق أهدافه في الحياة هو العائق النفسي، فالتاريخ حمل إلينا قصص أبطال عظماء حجزوا لأنفسهم مكانا في قائمة الخالدين بإنجازاتهم وتحدياتهم لكل العوائق التي واجهتهم. أخص بالذكر هنا أولئك الذين فقدوا مقومات الإنسان الكامل وصنفوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولو أنني أفضل أن أصفهم بذوي القدرات الغير الاعتيادية.

من منا لا يذكر قصة "هيلين كلير" تلك الفتاة التي فقدت حاستي السمع والبصر ولكنها تحدت وثابرت وواصلت إلى أن أثبتت نفسها وصارت قدوة لغيرها من أمثالها، أو "ستيفن هوكينج" الذي بالرغم من معاناته المرض استطاع أن يقدم للبشرية أبدع الأبحاث والنظريات، أو "طه حسين" الأديب الكفيف أو "نيك فيوتتش" الذي يعاني من فقدان الأذرع والأرجل كافة واستطاع بالرغم من ذلك التعايش مع إعاقته وبث الأمل في نفوس الآخرين، وغيرهم من أبطال التحدي والإصرار. العبرة من قصص هؤلاء الأشخاص هي اليقين التام بأن العائق الجسدي لم يكن أبدا ليمنعك من أن تصنع لنفسك مجدا ونجاحا، أنا لا أنكر الصعوبات والمشقات التي يمكن أن يعانيها مثل هؤلاء الأشخاص ولكن برأيي العائق النفسي هو المدمر الحقيقي للنجاح.

 

يقول محمود يوسف إنه ليس هناك أي شيء سيمنعك من مواصلة تحقيق حلمك في المجال الذي تحبه، نشر فيديوهات تحفيزية وملهمة، لكي يبرهن للجميع أن تحدي النفس هو أول طريق للنجاح

محمود يوسف، شاب مصري ذو 28 ربيعا، تعرفت على قصته من خلال متابعتي لبرنامج سديم، وهو برنامج ومسابقة تسعى إلى البحث عن أفضل صناع المحتوى في العالم العربي وعن شباب يملكون مواهب ومحتوى مميز يعرضونه على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي يوتيوب، فيسبوك إنستغرام وغيرها.. محمود، الذي عندما حضرت له أول فيديو انبهرت بقصته وبمدى إصراره على تحدي نفسه وممارسة أكثر شيء يحبه في الحياة بالرغم من كل العوائق ألا وهو الرياضة.

 
كان محمود يمارس رياضة الكونفو منذ صغره، ثم سجل بالكلية الرياضية ليشق طريقه في المجال الذي يحبه، وأصبح بفضل مهارته لاعبا محترفا، لكن في عام 2010 انقلبت حياته رأسا على عقب جراء حادث سيارة مؤلم، فقد فيها أرجله إثر كسر في العمود الفقري والذي أدى به إلى شلل نصفي. أي شخص مكان محمود كان سيقف أمام خيارين: إما أن يضعف ويستسلم للصفعة القوية التي أصابه بها القدر ويبقى مكانه يترقب نظرات الحسرة والشفقة التي تنخر روحه شيئا فشيئا، أو أن يحاول إعادة برمجة حياة اخرى بمعطيات ومتغيرات جديدة لم يكن ليضعها في حسبانه يوما.

 
ماذا تتوقعون أن تكون ردة فعل شاب مولع بالرياضة منذ صغره بعدما فقد أرجله؟ طبعا الغالبية ستقول أن حلمه ضاع ولن يستطيع أبدا مواصلة تحقيق هدفه الأكبر في الحياة، لكن محمود صار الآن لاعبا دوليا ولاعبا في منتخب مصر للتنس ويشتعل في شركة ملتناشيونال Multinational في الموارد البشرية، كما يطمح ليكون أول مستخدم لكرسي متحرك ومدرب تنس معتمد في نقس الوقت.

   

 
يقول محمود أنه في لحظة من حياته فقد كل شيء، دراسته، عمله، لم يكن يملك حتى المال للتسجيل في النوادي الرياضية وشراء المعدات اللازمة التي يحتاجها، ولكنه لم يتخلى أبدا عن شغفه للرياضة، استطاع بفضل عزيمته أن يجد حلول بديلة لما كان ينقصه، فعلا صدق من قال الحاجة أم الاختراع. بدأ محمود في التمرن من نقطة الصفر لكي يقوي جسده الذي ضعف جراء الحادث، ومع الجهد والتمارين المكثفة استطاع أن يسترجع لياقته البدنية رويدا رويدا، فكان يستخدم فقط قوارير ماء مملوءة ليعوضها بالأوزان الثقيلة التي لم يعد قادرا على توفير ثمنها أو الذهاب لصالات الجيم للتدرب عليها.

 
هذا الشاب قرر ألا يستسلم، قرر أن يثبت لنفسه وللناس أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، وأنه لا يجب عليك التخلي أبدا عن حلمك مهما عارضتك الظروف وقست عليك الحياة. يقول محمود في آخر فيديو له أنه ليس هناك أي شيء سيمنعك من مواصلة تحقيق حلمك في المجال الذي تحبه، وتحدث أيضا عن مدى تأثير الرياضة على الصحة النفسية والذهنية قبل تأثيرها على الصحة الجسدية. يهدف محمود من خلال مشاركته في برنامج سديم أن يوصل طاقته الإيجابية لأكبر عدد من الناس وذلك عبر نشر فيديوهات تحفيزية وملهمة، ولكي يبرهن للجميع أن تحدي النفس هو أول طريق للنجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.