خضع اقتصاد تركيا لرياح عاصفة خلال فترات من الانهيارات السياسية، من تراجع الليرة وتقلب في العلاقات الدولية. ورغم ذلك، فقد سجل الاقتصاد التركي ارتفاعا ملحوظا. تم تسجيل نمو بنسبة 11 بالمئة خلال الربع الثالث من 2017، مما جعل تركيا تحصل على مكانة باعتبارها أسرع نمو اقتصادي ضمن مجموعة العشرين. ومع ذكريات محاولة الانقلاب عام 2016 والمخاوف الأمنية التي تلاشت بسرعة، أصبحت تركيا بلدا يتطلع إلى المستقبل الاقتصادي المشرق. ووفقا لوكالة فيتش للتصنيف العالمي، فمن المتوقع أن ينمو اقتصاد تركيا بنسبة 4.8 بالمئة سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة.
العوامل المؤثرة على الاقتصاد التركي في 2018.. الجيد والسيء:
من خلال هذا الاستعراض السابق لنمو الاقتصاد التركي خلال 2017، فإننا يجب أن نلقي نظرة على الاقتصاد التركي ومكانته في 2018، نأخذ لمحة سريعة عن العوامل التي تؤثر على اقتصاد تركيا خلال 2018.
مع هبوط الليرة أمام الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية الأخرى، وصلت صادرات 2017 إلى آفاق جديدة وحققت البلاد حوالي 144 مليار دولار، وكان من أنجح القطاعات التصديرية قطاع السيارات. أنتجت صناعة السيارات التركية أكثر من مليون و540 ألف سيارة خلال العام الماضي، بما فيها رينو وتويوتا وبيجو. وتم تصديرها إلى العديد من البلاد منها 75 بالمئة منها بلدان أوروبية. وخلال عام 2018، تتوقع تركيا تسجيل أرقام أعلى من العام الماضي ببلوغ نحو 169 مليار دولار من الصادرات التركية.
على الرغم من بقاء البطالة في معدلها أو أن ترتفع ارتفاعا طفيفا لكن هذا لا يعني عدم زيادة فرص العمل ومعها زيادة الإنفاق، فقد أدت الضرائب وضمانات الائتمان إلى تشجيع الإنفاق الاستهلاكي |
يبلغ معدل البطالة في تركيا حوالي 10 بالمئة ويتوقع أن ينمو بنسبة 1 بالمئة بحلول نهاية عام 2018، وتسعى الحكومة التركية إلى معالجة معدل البطالة الذي يؤثر على شبابها أكثر من غيرهم، حيث يعيش واحد من بين 5 شباب أتراك حاليا بدون عمل. يقول أردوغان أن الحكومة تهدف إلى تدريب المزيد من العمالة في قطاعات الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات. كما تستهدف أيضا إلى توظيف المزيد من النساء.
على الرغم من بقاء البطالة في معدلها أو أن ترتفع ارتفاعا طفيفا لكن هذا لا يعني عدم زيادة فرص العمل ومعها زيادة الإنفاق، فقد أدت الضرائب وضمانات الائتمان إلى تشجيع الإنفاق الاستهلاكي. وقد ازداد الانفاق الاستهلاكي في السنوات القليلة الماضية مدعوما من الطبقة المتوسطة حيث أصبح سكان تركيا أكثر ثراء، وجزء كبير من هذا الإنفاق يصب في قطاع الإسكان، إذ يختار المزيد من الشباب الأتراك ملكية العقارات.
لقد عززت الاستثمارات قصيرة الأجل والمعروفة باسك رؤوس الأموال الساخنة من النمو خلال عام 2017، ويعتقد أن هذا سوف يستمر خلال 2018. وترجع توقعات زيادتها إلى بعض الأسباب اللحظية على الساحة مثل سياسات ترامب والمخاوف والاضطرابات الأمنية في الشرق الأوسط والتي تعمل بدروها على تحويل تلك الاستثمارات إلى ملاذات آمنة بديلة وعلى الخارطة تركيا كملاذ آمن.
مع تزايد العجز في الحساب الجاري بتركيا من 33.7 مليار دولار في نهاية 2016 إلى 41.9 مليار دولار خلال 2017، وذلك بفضل الإنفاق الحكومي الذي يهدف إلى تعزيز الاقتصاد، فضلا عن اعتمادها على الواردات. آثار العجز محدودة طالما تظل الأموال تتدفق إلى البلاد، والقلق هو الاعتماد على تلك الأموال الساخنة واستثمارات رؤوس الأموال غير مستدام، مما يعمل على محاولة معالجة العجز هذا العام.
مع تواجد العديد من مشاريع البناء في اسطنبول وخارجها بما في ذلك مشاريع أردوغان الضخمة مثل مطار اسطنبول الجديد ونفق أوراسيا مما يوفر آلاف فرص العمل للأتراك. وأطلقت هذه المشاريع ثقة المستهلكين نظرا لكثرة تلك المشاريع وقوتها.
الحجوزات المبكرة في السوق الأوروبية تظهر أن تركيا سوف تشهد نموا كبيرا في السياحة هذا العام، حيث يعود المصطافون الأوروبيون إلى تركيا. ومع تلاشي المخاوف الأمنية، قام العديد من الأسر الأوروبية وغيرها من الجنسيات بحجز العطلات على الساحل الجنوبي التركي. ومن المتوقع أن يزيد عدد السياح البريطانيين بنسبة 50 بالمئة، مع ارتفاع أعداد سياح من جنسيات أخرى.
في نهاية العام الماضي بلغ معدل التضخم 13 بالمئة كأعلى معدل تضخم خلال 14 عام. بما في ذلك زيادة السلع الوسيطة بنسبة 24 بالمئة. وقد تفاقم معدل النمو السريع للأسعار بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية، والتي انخفضت بنسبة 6.5 بالمئة مقابل الدولار عام 2017. مما أدى إلى ارتفاع سعر الواردات. الأرقام المرتفعة للبنك المركزي التركي تسعى لزيادة معدلها ليصل إلى 5 بالمئة ليصبح أكثر استدامة. رفع الأسعار يعد من الاجراءات التي قد يعارضها أردوغان بشدة ويضفها بالخيانة ولكن هذا لن يثني البنك المركزي عن رفع أسعار الفائدة في ديسمبر 2017.
شهد العام الماضي في تركيا ارتفاعا في عدد عمليات الاندماج والاستحواذ والمشاريع المشتركة في تركيا، وفقا لمجلس المنافسة التركي. يرى مجلس المنافسة أن هذه الظاهرة سوف تستمر خلال عام 2018 مشيرا إلى أن اقتصاد تركيا في وضع قوة، خاصة أن الاهتمام المستمر لرأس المال الأجنبي في تركيا يظهر أن الأجانب يثقون في اقتصاد البلاد. وأضاف مجلس المنافسة أن النمو القوي للبلاد في الربع الثالث من 2017 سيجذب المزيد من الاستثمارات.
يقول السيد كاميرون ديغن رئيس مجلس إدارة شركة عقارات تركيا Propertyturkey.com أن الطلب على العقارات في تركيا لم يكن أبدا أعلى مما هو عليه الآن، وسوف تستمر مبيعات العقارات في دفع الاقتصاد التركي. ارتفع عدد الشقق في اسطنبول وبقية أنحاء تركيا والتي بيعت للأجانب بنسبة 21.4 بالمئة على أساس سنوي من نوفمبر 2017، حيث شجعت العوامل مثل منح الجنسية وتأشيرات الإقامة وفرص الاستثمار العقاري الأجنبي والاستفادة من العيش في اسطنبول وتركيا. اسطنبول تستمر الأولى على قائمة مبيعات العقارات تليها أنطاليا وبورصة. يأتي العراقيون على رأس المشترين الأجانب يليهم السعوديون والكويتيون ثم الروس.
في كل الحالات ومع كل العوامل الجاذبة أو السيئة، فإن من الواضح أن اقتصاد تركيا قوي واجتاز العديد من العقبات الصعبة السابقة وسوف يكون ثابتا خلال عام 2018 خاصة في قطاعات مثل العقارات والتصدير.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.