شعار قسم مدونات

أحمد خالد توفيق ذلك الباقي فينا

مدونات - أحمد خالد توفيق

لطالما حادثته كثيرًا بأن يفعل أي شيء حتي يُعيد بطلنا الأسطوري الذى أحببناه جميعًا "رفعت إسماعيل" ورد علي مرة واحدة، وقال لي: يا بني كيف يعود إلي الحياة من توقف قلبه؟ دكتور رفعت إسماعيل توفي لأن قلبه قد توقف عن النبض ونحن جميعًا سنموت بنفس الطريقة.

 

تفتحت عيني على القراءة حينما أهداني أبي وأنا بالصف الثالث الابتدائي رواية صغيرة، كنت طفلًا حينها لكنني ما إن بدأتُ قراءتها لم ألبس إلا أن انتهيتُ منها، أعذرني لم أنظر إلي اسم الكاتب وقتها فقد كنت طفل لا يعي، وقرأت سلسلة الفانتازيا وسلسلة سفاري كل هذا وانا بالمرحلة الإعدادية وحينما كبرتُ و تفتحت مداركي بدأت أرى اسمك كثيرًا وأحببتك بالرغم من أنني لا أعرف عنك الكثير، أحببت رفعت إسماعيل حتى أنني بكيتُ علي موته، بكيتُ على شخصية من خيالك، فكيف لا أبكي عليكَ يا دكتوري العزيز.

 
أدخلتني كتاباته في عوالم لم أعرف عن وجودها شيئًا، وعرفني إلى أشخاص جدد أحببتهم وكانوا لي خير صديق، جعلني أغوص في عطر كلامه وسحر مفعوله إلى حد الثمالة، جعلني أنسي العالم في حضور كلماته وشذاها، كانت كلماته تعطيني مسكنًا لمشاكلي مهما كانت صعبة كنتي على يقين أنه يشعر بمحبيه، وسوف يرسل لهم كتبًا جديده تؤنس وحدتهم وتداوي جروحهم، كانت كلماته تشعرني بالنشوة التي يشعر بها متعاطي مخدرات، ولكن مخدرته كانت دون آثار جانبية، بالعكس كان إدمانًا من النوع المفيد.

 

كتاباته عليه رحمة الله جميعًا كانت على وتيرة واحدة، لم يُنافق، لم ينحاز إلى غير الحق، لم اره يومًا يُصفق لباطل، لطالما رأيته ناصع البياض واثق الخُطي لم يبحث عن سُلطة واهية، ولا عن متاع زائل، كان هدفه نبيلًا، فقط أراد للشباب أن يعي وأن يتثقف أراد لنا أن نقرأ وهذا ما فعله بالفعل أدى رسالته على أكمل وجه. نُخطئ جميعًا ونقول أن دكتور أحمد قد توفي، لكننا جميعًا على خطأ، فإن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يفعلوا شيئا كثيرًا، يموتون هم وتبقي كلماتهم عرائس حية بين الأحياء، أنت لن تمت في قلوب مُحبينك أيها الغريب القريب كلماتك بيننا حيه ترزق وأنت ذهبت إلي المولي ولم تعد النوبات القلبية تؤلمك ولا الغاز يخنقك، ذهبت إلي رب كريم ولعلك صرت اقرب ليّ الآن عما سبق، جسدك في قبر روحك في السماء يكفي أن أنظر إلي أعلى لأتذكرك.

  undefined

 

لن تتلاشى من ذاكرتي أبدًا وسأجعل الثاني من نيسان يوم الحزن في العام سأتذكرك يا أبي إلا أن تتلاشى ذاكرتي إلي أن تفني العوالم سأحبك دائما، لك في قلبي مكانه لن تزل بمرور الأيام الخالية من كتاباتك، لا تقلق يا عزيزي سأقرأ كتبك ورواياتك وكلماتك الساخرة لن تفارقني أبدًا.

 

أتخيلك اليوم أمامي وأمام كل مُحبينك وتنادي وتقول: إلي الأبد؟
فنجيب جميعًا: ماذا؟
ستظل تحبونني للأبد؟!
-حتي تحترق النجوم وحتي.. تفني العوالم..
حتي تتصادم الكواكب وتذبل الشموس وحتي ينطفئ القمر
حتي أشيخ فتتآكل ذكرياتي..
حتي يعجز لساني عن لفظ اسمك..
حتي ينبض قلبي للمرة الأخيرة..
فقط عند ذلك ربما نتوقف

 

لن تكفي كلمات الرثاء ولا حروفها ولا لغات العالم ولا تعبيراته الحزينة أن يعبروا عن مدى حزني لفقدك، أعلم أنك لن تقرأ ولكن أُشهد الله أنني أحببتك كثيرًا كثيرًا، سأدعو لك بالرحمة سأدعو بأن أري ولو كاتب واحد يعوضنا عنك بالرغم من أنني علي يقين أن لن يفعل أحدهم، فاللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرًا منها. كنت أنتظر على أحر من الجمر حكايات رفعت التي تم العثور عليها في مذكراته ولكن مات في الثاني من نيسان بالفعل توقف قلب رفعت عندما توقف قلبك يا دكتور، ولكن هذه أقدار ولا نقول إلا ما يرضى الله "إنا لله وإنا إليه راجعون".

 

"وداعًا أيُّها الغريب
كانت إقامتُكَ قصيرة
لكنَّها كانتْ رائعة
عسى أن تجِدَ جنَّتَكَ التي بحثتَ عنها كثيرا.

وداعًا أيُّها الغريب
كانت زيارتُكَ رقصةً من رقصاتِ الظِّلّ
قطرةً من قطراتِ النَّدى قبلَ شروقِ الشَّمس
لحنًا سمعناه لثوانٍ من الدَّغل
ثُمَّ هززنا الرُّؤوسَ وقُلنا أنَّنا توهَّمناه!

وداعًا أيُّها الغريب
لكنَّ كُلَّ شَيءٍ ينتهي"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.