شعار قسم مدونات

نموت نموت ويحيا حكام العرب!

blogs الغوطة

لقد صرخت في عروقنا الدماء نموت نموت ويحيا الوطن، هذا ما تعلمناه في المدارس يوم كنا أطفالا نصطف في الطوابير لأداء تحية العلم وسط ساحة المدرسة حيث يرفع العلم الوطني أمامنا مع نشيده العزيز. تحية يحضرها جميع المعلمين وموظفي الإدارة والعملة كلنا نقف لنلقي السلام لوطن سنفديه بدمائنا أمام كل معتدي. تقليد دأبنا عليه منذ الصغر وتعلمنا من خلاله أننا لسنا مجرد تلاميذ بل نحن حماة لتلك الحمى.

 

حين كبرت فهمت أننا نحن سكان الرقعة الجغرافية المترامية من الإسكندرونة شرقا إلى طنجة غربا لسنا حماة للحمى بل مجرد رعايا لأنظمة دكتاتورية تستبيح دمائنا وأجسادنا بمناسبة أو بغير مناسبة. حين كنت في الجامعة تبين لي أننا لا نموت من أجل الوطن بل نموت من أجل حكام الوطن وإذا ما عشنا فإننا نعيش لندق الطبول لحكام الوطن.

 

كردي كنت أو أمازيغي، عربي أو زنجي، قبطي أو مسلم: مذهبك وديانتك ولسانك لا يعنون شيئا لحكامنا فكلنا سواسية كأسنان المشط تحت سياطهم فمن يبكي اليوم في الغوطة ناحت أمه في غزة ومن هدمت دياره في عفرين شُرد أهله في صنعاء ومن اعتقلوه ظلما في سليمانية أعتقل أشقاؤه في تيزي وزو.

 

نحن شعب نرث أسماء حكامنا قبل أسماء شعوبنا وقبل أسماء مدننا وحتى قبل أسمائنا: نحن أبناء المهزومين من نست كتب التاريخ أسماؤهم وتناست الهيئات الدولية صراخهم

قتلتنا لا يأبهون لدياناتنا ولا تهمهم أعراقنا فكل ما يعنيهم هو مدى ولاؤنا لهم ولنظامهم. يمكنك ان تصفق لبشار أو لسيسي أو بوتفليقة، يمكنك أن تهتف: يحيا الملك! وتصرخ: عاش الرئيس! فستجد نفسك وأهلك على قيد الحياة وعلى قيد الكرامة. فلن يمسك بشر ولن يقطع قوتك أحد ولن تهان أمام أطفالك ولن يسرق منك مالك. فألا تعلم بأننا نشتري حياتنا بالهتاف لهم؟ نعم! اهتف وستبقى حيا.

 

 اهتف وإلا كان مصريك الغوطة وحلب وسليمانية والقصرين وبنغازي والقبائل والقائمة طويلة من مدن استباحت أشباح الموت شوارعها دون هوادة، فطرقت المتاريس الأبواب ودقت الهراوات أجساد الشباب وجر رجل الأمن فيها أما محاولا استنطاقها عن ابن اختار أن يقول لا للطاغية.  

 

لا تستغرب يا صديقي، فنحن شعوب نؤرخ لأمتنا وفق أسر الحاكمين فترانا نقول: العهد الأموي والخلافة العباسية وحكم بني زيري وحكم الفاطميين وحكم بني حفص خلافا لشعوب الضفة الأخرى من يكتبون تاريخهم وفق المعطى الزمني فتراهم يكتبون: أوروبا في العصر القديم والعصر الوسيط والنهضة وأوروبا الحديثة.

 

لا تستغرب يا صديقي! فنحن شعب نرث أسماء حكامنا قبل أسماء شعوبنا وقبل أسماء مدننا وحتى قبل أسمائنا: نحن أبناء المهزومين من نست كتب التاريخ أسماؤهم وتناست الهيئات الدولية صراخهم وألتهم حوت المتوسط جثثهم وحلقت غربان السود فوق أشلائهم، فباتت دمائنا أقل تكلفة من سندويتش ماكدونالز أشتريه صباحا من إحدى شوارع تيانجين.  

 

كل المرارات لا تغير من واقع الأمر شيئا فحكامنا قالوا: إما نحن أو الطوفان! إما حكمنا أو الخراب! صراحة، كلما تطرقت لملف النظم الاستبدادية في أوطاننا تراءت لي صور الموت في أفلام هوليود التي تروى صراع الهنود الحمر مع بنادق الرعاة الأمريكية. وهل بتنا في أوطاننا كما الهنود الحمر؟

 

مصير شهداء سوريا والمفقودين في ليبيا والقتلى في العراق والقابعين في سجون السيسي أسوء من الهنود الحمر إذ لا بواكي لهم ولا اعتراف بجرم اقترف ضدهم. وهكذا  نموت ونموت ونموت مرة أخرى ويحيا حكام العرب
مصير شهداء سوريا والمفقودين في ليبيا والقتلى في العراق والقابعين في سجون السيسي أسوء من الهنود الحمر إذ لا بواكي لهم ولا اعتراف بجرم اقترف ضدهم. وهكذا  نموت ونموت ونموت مرة أخرى ويحيا حكام العرب
 

الإجابة على هذا السؤال هي: لا! لان وضعنا أسوء من الهنود الحمر، ويرجع ذلك لسببين أولهما: أن الغرب يعترف بأن الهنود الحمر هم السكان الأصليين لأمريكيا أما نحن فلا أنساب لنا لأن علم الأنساب أو جينيالوجيا مرتبط أساسا بالحاكمين فهم وحدهم أصحاب الدماء الطاهرة والنقية ويسمون بالأشراف وهو وحدهم من نعرف من أين جاؤوا تباعا لذلك يصبح الحاكم الساكن الشرعي والفعلي لأراضينا.

 

ثانيا، أن الأمريكان البيض لم ينكروا جرائمهم في حق الهنود الحمر فهل سمعت عن أمريكي قال بأن قناة الجزيرة استعملت مساحيق التجميل وكمرات مستحدثة لتصور بها مشاهد الموت في كولورادو؟ وهل سمعت عن أمريكي قال: أننا قتلنا واستعبدنا من أجل المقاومة ونصرة الأمة؟

 

وهنا نفهم أن خبر موتنا لا يرافقه النسيان بل التكذيب والسخرية والتخوين فمن ماتوا في حلب باتوا عملاء حسب أنصار حكام العرب ومن استشهدوا في سليمانية عوملوا كمتمردين وانفصالين وبالتالي فمصير شهداء سوريا والمفقودين في ليبيا والقتلى في العراق والقابعين في سجون السيسي أسوء من الهنود الحمر إذ لا بواكي لهم ولا اعتراف بجرم اقترف ضدهم. وهكذا  نموت ونموت ونموت مرة أخرى ويحيا حكام العرب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.