شعار قسم مدونات

بالعصا والجزرة.. كيف يؤسس ابن سلمان لمملكة الأحفاد؟

blogs السعودية

يعتبر سلمان من آخر رجالات الجيل الأول للسديريين الذي تقلدوا مناصب مهمة في عهد أخيه الملك السابق، يضاف إلى ذلك، تراجع تأثير أبناء الملك فيصل داخل الدولة (اعتزال تركي الفيصل إدارة مهام جديدة)، إلى جانب تقادم أدوار عدد من الأمراء النافذين (بندر بن سلطان نموذجا)، دون أن ننسى وفاة كبار رجالات الدولة ( سلطان بن عبد العزيز وشقيقه نايف)، الأمر الذي مكن الملك الراحل من السيطرة النسبية على مقاليد الحكم، لكن التشبث بالأعراف الموجهة للأسرة الحاكمة، حتمت عليه مواصلة النهج في اختيار ولاة العهد. غير أن وصول سلمان للعرش، مهد لأول عملية انتقال توارث ولاية العهد لصالح أحفاد الملك المؤسس في شخص محمد بن نايف.

الحكمة تقول: "مادام الحكم في يد أبناء عبد العزيز فلا صراع كائن أو محتمل" لا شك أن تولية ابن نايف منصب ولي ولي العهد، في خطوة إجرائية لنقل الحكم للأحفاد مستقبلا، قد ساهمت في تغيير معادلة الحكم، كما أن المشهد المثير للتساؤل متعلق بتولية محمد بن سلمان لمنصب وزير الدفاع (الحاصل على درجة البكالوريوس في القانون)، أي بصريح العبارة، خلافة السيد الوالد على رأس وزارة الدفاع، تمهيدا لخلافته في أمور أخرى.

كل تغيير جذري مطالب بتحديثات على غير المعتاد، لذلك عمد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي لاعتماد خطة تنموية أطلق عليها "رؤية السعودية 2030" التي تضمنت عددا من المشاريع الكبرى، مما يتطلب توفير صندوق سيادي ضخم لتنفيذها، مع محاولة استمالة الشركاء الاستثماريين الجدد مع العمل على خصخصة بعض القطاعات إرضاء لهم، الأمر الذي يتطلب تعديل بعض القوانين السامية للدولة، وما قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة بخارج عن سلسلة التغييرات الراديكالية. فهل سيتقبل المجتمع السعودي الرؤية الجديدة؟

السيطرة على مفاصل الدولة السعودية تستلزم حسم السياسة الاقتصادية، لذلك فإن أسبابا كهذه دفعت لنهج سياسة الاعتقالات وفق معايير انتقائية تجنبا لأي صراع دمار شامل للأسرة

المتفحص لذهنية المجتمع السعودي من بوابات مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها "البالتولك"، الذي يجعل مستخدميه يستعملون أسماء مستعارة، لا بد أن يكتشف الهذيان الذي يعيشه مجتمع تربى في عهد قمع الحريات، فأغلب السعوديين يحشرون أنفسهم في الخلاف السني الشيعي بشكل مبالغ فيه، متناسين قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق". على الضفة المحايدة، يتواجد المؤمنون بالفكر الجمهوري والمناهض للمملكة، عبر مجموعة من الشباب اختاروا الترويج لهذا الفكر، كما لا يخفى علينا غرف "المجون" العارضة لمشاهد الانحراف الأخلاقي في بعض صفوف الشباب.

الصورة الإجمالية تشير إلى علاقة جدلية بين البنية الفوقية والتحتية، فكر متعصب متشدد يصعب إقناعه بفكرة احتضان مهرجانات ثقافية أو حتى ملتقيات للفكر الحر، فما بالك بقبول منتجعات سياحية ومشاريع استثمارية ضخمة ستحول المملكة لواجهة سياحية رائدة. فكر منهزم يتقمصه شباب، محروم من حق التعبير عن الرأي وممارسة الحريات، مما يدفعهم للبحث عن اللذة ولو أمام أعين الجميع، الأمر الذي يكرس حالة الخمول التي تتمتع بها فئة الشباب.

كما تمت الإشارة، أن الاستفراد بالحكم ليس بالأمر الهين، لذا عمدت القيادة الجديدة لاستمالة الرضا والعطف الأمريكي، مفككة بذلك، الصولجان الأميري المحيط بمراكز صنع القرار، مع العمل على تقوية الحضور السلماني في مختلف أجهزة الدولة (خالد بن سلمان: سفير المملكة العربية السعودية ببلد العم السام). 

مسألة لن تقف عند هذا الحد، فالسيطرة على مفاصل الدولة تستلزم حسم السياسة الاقتصادية، أسباب دفعت لنهج سياسة الاعتقالات وفق معايير انتقائية تجنبا لأي صراع دمار شامل للأسرة. "استهداف الوليد بن طلال لن يشكل خطرا"، كما أن التركيز على أبناء ملك معين، مع فرض رسوم الطاعة والتبجيل لأبناء السديريين السبعة سيحل كل الصراعات السياسية المحتملة على العرش.

من جهة أخرى، يحتل المشايخ مكانة هامة داخل منظومة صنع القرار الداخلي، نظرا للسلطات الواقعة في كنف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهيئة الفتاوى أو ما يعرف برابطة كبار العلماء التي يرأسها مفتي المملكة عبد العزيز آل شيخ، ذلك أن إقرار اليوم الوطني في عهد الملك السابق خلف موجة من الاستياء في صفوفهم، فكيف بالسماح بقاعات السينما والمسرح والمشاريع الترفيهية العملاقة؟ بل الأدهى من ذلك : ما موقف المشايخ من حرب الأمراء المحتملة القادم حدوثها ؟

أكثر من ذلك، فإن مفهوم الديبلوماسية الروحية يكاد يفقد وزنه في فتاوى المشايخ بين معتبر للحلولية بالكفار، وبين زاعم بأن الأشاعرة على ضلال، أو معتقد بأن التراث الصوفي شرك بائن، وآخر جعل "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية، ضاربين عرض الحائط بقول ابن تيمية: "التكفير هو أول بدعة في الإسلام"، كما أن هذه الفتاوى ستزيد الطين بلة بغياب آليات الديبلوماسية الروحية المرسخة للأمان العالمي، فالمبادرة بالهجوم العقائدي والفكري على شعوب دول إسلامية أخرى، من شأنه تنغيص الأخوة الإسلامية وتعزيز مؤشر التفرقة وبروز آفات التطرف، ليبقى السؤال: أي سياسة جديدة سترسمها المملكة في إدارة الشأن الديني؟

إن رؤية السعودية الآن لا تراعي أهمية التخطيط الاستراتيجي، مما يحيل على نشوء مملكة سلمانية ستحتاج من الوقت عشرات السنين من أجل الوصول للمبتغى
إن رؤية السعودية الآن لا تراعي أهمية التخطيط الاستراتيجي، مما يحيل على نشوء مملكة سلمانية ستحتاج من الوقت عشرات السنين من أجل الوصول للمبتغى
 

يشترط كإجراء أولي لاستقطاب السياح، العراقة التاريخية، التنوع الثقافي، سهولة المساطر الإدارية، سياسة التسويق الشامل وطابع الشعب المضياف، فضلا عن حتمية التواصل العابر للثقافات، التي تهون من التناغم بين المعتقدات والثقافات بعيدا عن كل الأمور التي من المحتمل أن تؤثر على جولة السائح، مع توفير مناخ جيد ورصين من الحريات بشكل يضمن بقاء المشترك الإنساني في المقام الأول. بناء على ما سبق، نستشف أن ذهنية المجتمع السعودي ودور المشايخ في صنع القرار الداخلي قد يؤثران على سير المشاريع التنموية والرؤية الاستراتيجية للمملكة السعودية، وذلك راجع لعدم استعداد المجتمع والجهاز الروحي لتقبل أي انفتاح على المجتمعات الأخرى بشكل يتماشى وثقافة السلام والمشترك الإنساني.

كثرت الشكاوي والتصدعات من جراء إدارة المملكة لشؤون الحج والعمرة، مما دفع بالأصوات للمطالبة بتدويل الحج، هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على حالة الشقاق التي تجمع المملكة بالشعوب الإسلامية، بالإضافة إلى الرصيد التاريخي لحصيلة التدافع بين الحجاج، والظروف الأمنية المتوترة التي تمضي في ضوئها المناسك، فكيف السبيل لتحسين صورتها أمام أنظار الشعوب؟

خلاصة القول، إن عملية الإصلاح تتطلب بذل المهج وهجران الراحة بغية تحقيق طموحات الشعوب، بمنهاج لا يفاضل بين الفاسدين ولا يتخذ رؤى وردية قد لا تجد صداها في حضرة الهيئات الموازية، مما قد يؤشر بخط فاصل بين جهاز الدولة وجهاز الشعب، رؤية لا تراعي أهمية التخطيط الاستراتيجي، مما يحيل على نشوء مملكة سلمانية ستحتاج من الوقت عشرات السنين من أجل الوصول للمبتغى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.