شعار قسم مدونات

الاستثناء التونسي.. النهضة تمكن اليهود من المشاركة بالانتخابات البلدية

blogs حركة النهضة

تستعد تونس لإجراء الانتخابات البلدية المزمع عقدها في 25 مارس 2018 القادم، وستكون بذلك أول انتخابات بلدية لها منذ اندلاع الثورة في 2011، كاد يكون الأمر روتينيا لولا اختيار حزب حركة النهضة ذي المرجعية الإسلامية ترشيح المواطن التونسي سيمون سلامة ذي الديانة اليهودية على إحدى قوائمها بمدينة المنستير.

 

"يهودي الديانة يشارك في الانتخابات في قائمة حزب إسلامي" خبر تناولته جميع وسائل الإعلام بتونس وفي العالم العربي والعالم بين مساند ومعارض، كثر الحديث والنقاش في المسألة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى قبة البرلمان، إذ قال أحمد الصديق عن الجبهة الشعبية ما مفاده أن النهضة تتمسح بجهات عالمية متنفذة مرتبطة بالصهيونية من خلال ترشيحها ليهودي في قائماتها".

 

تاريخ التعايش بين الطوائف في تونس لم يكن كافيا لضمان المشاركة السياسية الفعلية لأصحاب النجمة السداسية، بل إن اليهود ممنوعون من الالتحاق بالجيش الوطني، ومن تقلد مناصب عليا

ومن جهة أخرى، يرى البعض أن ترشيح مواطن يهودي للانتخابات البلدية عن طريق حزب ذي مرجعية إسلامية يحمل العديد من التناقضات؛ أولها بين الديانة اليهودية والإسلامية، ويعود ذلك للصراع العربي الإسرائيلي وترحيل اليهود العرب نحو إسرائيل، بالإضافة لاقتران الصهيونية باليهودية في الوعي الجمعي لمجتمعاتنا، فبتنا نعتبر أن كل يهودي هو بالضرورة عدو لنا. علاوة على أننا لم نتعود في تونس على مشاركة اليهود في إدارة الحكم في البلاد وفي الحياة السياسية منذ إعلان استقلال تونس.

 

ولنا في الإعلام التونسي دليل على تهميش الطائفة اليهودية، حيث يعرف اليهود باسم الجالية اليهودية بتونس، وكأن إخوتنا في الوطن مهاجرون ببلادنا وليس لهم أي أثر بتونس، علما أن كنيس الغريبة بجربة أقدم المعابد اليهودية في إفريقيا؛ شيده اليهود التونسيون في 585 قبل الميلاد، وعلى مدار التاريخ كانت تونس أرضا للتعايش بين جميع الأعراق والديانات والألوان، فترى الكنائس والمساجد والأديرة والمزارات، يذكر اسم الرحمان بطرق مختلفة وبجوهر واحد وعلى أرض واحدة.

 

إن تاريخ التعايش بين الطوائف في تونس لم يكن كافيا لضمان المشاركة السياسية الفعلية لأصحاب النجمة السداسية، بل إن اليهود ممنوعون من الالتحاق بالجيش الوطني، ومن تقلد مناصب عليا في الدولة كوزارة الخارجية والداخلية والدفاع والتمثيل الديبلوماسي، حتى إن قبة البرلمان التونسي لم تعرف أي نائب من الديانة اليهودية ولا المسيحية، رغم ما جاء في دساتير تونس من تأكيد على قيم المساواة بين جميع التونسيين.

 

هذه السياسة التمييزية تجلت مرة على لسان إحدى النائبات من البرلمان التونسي التي قالت عبارة شحم يهود، في إشارة منها إلى توصيف عنصري يعتمده الشارع التونسي كثيرا عند الحديث عن أي شأن باهض الثمن. ورغم اعتذار النائبة عن تصريحها، إلا أن الأمر لم يكن بتلك البساطة، لأن الإساءة لليهود تشمل حتى الغناء، فـالراب بلطي قال في أشهر أغانيه: قلتلهم راني عربي مش يهودي! ونفهم من خلال الأغنية أن العرب أعداء أصحاب الدين اليهودي.

 

 سيمون سلامة مرشح حزب حركة النهضة بتونس (مواقع التواصل)
 سيمون سلامة مرشح حزب حركة النهضة بتونس (مواقع التواصل)

رغم نضال جورج عدة ضد المستعمر الفرنسي والتزامه بعلوية الأمة التونسية، ورغم ما قدمه راوول جورنوا وحبيبة مسيكة والشيخ العفريت للفن التونسي، لم نرَ أي شارع أو مؤسسة تحمل أحد أسمائهم، بل تعرضوا للنسيان وللتمييز العنصري لعقود. من أجل ذلك رحبت الطائفة اليهودية بترشيح سيمون سلامة معتبرين ذلك مكسبا وطنيا لهم، فترى جاكوب بيريز يصرح في الإعلام بأن النهضة منحت اليهود فرصة ذهبية لرد اعتبارهم المفقود، وفي نفس الصدد يقول إيلي الطرابلسي إن قائمة المنستير هي قائمة تونسية وطنية مئة بالمئة.

 

وفي الختام، إن التصريحات والترحيب والجدال والنقاش جعل من الانتخابات البلدية عرسا ديمقراطيا يتساوى فيه جميع المواطنين بتونس، بغض النظر عن الديانة واللغة واللون، انتخابات يشارك فيها يهود البلاد كمواطنين فعليين لهم كامل الحق في المشاركة في إدارة الحكم، كما لهم واجب العمل على ما فيه خير للبلاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.