شعار قسم مدونات

حسب ترمب.. العراق مطالب بتسديد فاتورة تزويده بالديمقراطية الأمريكية!

blogs ترمب

استكمالا لسلسلة تصريحاته المثيرة للجدل طالب دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية العراق بدفع تعويض لأمريكا عن الحرب التي شنتها على العراق في عام 2003 وتخليص العراقيين من نظام صدام واستبداله بنظام ديمقراطي على حد وصفه، فالرجل يريد أن يقبض ثمن ما قامت به أمريكا لقاء نشرها للديمقراطية وإن كان يناقض أمريكا التي لطالما تغنت بدفاعها عن الشعوب وجعلت من أولوياتها ان تنشر الديمقراطية والحرية لهذه الشعوب المُستبدة، حيث حول الرجل الديمقراطية من مبدأ سامي مقدس إلى مجرد سلعة، حتى ثمنها قد تغير بعد أن كان ثورة ونضال وتضحية أصبح ثمنها نفط ودولارات.

وإن كانت هذه السلعة مغشوشة، فالديمقراطية في العراق تختلف عما قيل عنها، فشوارع البلد أصبحت مثل الجحيم، قتال هنا، وتفجير هناك، خطف وتنكيل وتفرقة وطائفية وفساد أكل ثلثي موارد الدولة، وما يقرب عن نصف الشعب يعيشون تحت خط الفقر، ومستوى علمي متدني وصحي هزيل، والوضع الأمني المتردي كل هذا جعل البلد هشيماً ذرأته الرياح.

وحتى بعد خمسة عشر عام على الاحتلال الأمريكي للبلد كنت انتظر في يوم من الأيام ومع تبدل القيادات الأمريكية أن تأتي صحوة أمريكية حقيقية تعيد للعراق ولو جزأ مما خسره في هذه الحرب، كنت أترقب أن يقي الأمريكان العراق من تدخلات الدول الخارجية. وكل هذا نابع من أني كنت أظن شكا أن أمريكا ستفعل هذا من أجل سمعتها، ولكنها أصرت واستكبرت وتركت العراق في مهب الريح تتخطفه نزاعات وحروب وتدخلات خارجية وإقليمية جعلت من أرضه ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.

بعد أن كان العراق مثالا للدول المتطورة ببناها التحتية وأنظمته العلمية والبحثية والصحية الرصينة أصبح اليوم وبسبب الفساد الذي انتشر في كل مفاصله وجوانبه دولة ضعيفة

والديمقراطية اليوم أصبحت نقمة أدت لتدهور وضع البلد من سيء إلى أسوء، وقد بدأ هذا التدهور منذ حرب الخليج الثانية وما تبعها من تدمير بنية البلد ثم سنوات الحصار الاقتصادي وما خلفه من جوع ثم حرب الاحتلال في عام 2003 وما رافقها من سلب ونهب لممتلكات الدولة ومتاحفها وتدمير بقيتها من بنى تحتية وجسور ومؤسسات عريقة منها مؤسسة الجيش الذي حُل وحَل مكانه جيش آخر بعقيدة وتنظيم مختلفين. هذا ما دفعه العراقيون مقابل الديمقراطية ليحل بدل ذلك النظام المستبد انظمة مستبدة في البلد الواحد، وحلت وبدل الصنم أصنام متعددة، وبدل ذلك الحزب أحزاب كثيرة.

ومع هذا فالبلد اليوم يعيش في وادي غير ذلك الوادي الذي زرعت فيه الديمقراطية، حيث يعاني العراقيون من التفرقة الطائفية وإقصاء الغير وتهميش الآخر، مثل ما تعرض له سياسيي المكون السني، مثل نائب ريس الجمهورية السيد طارق الهاشمي ووزير المالية رافع العيساوي وأحمد العلواني عضو مجلس النواب وأحد أبرز القيادات السنية السياسية والعشائرية في محافظة الأنبار، بالرغم من الدستور المبنى على اساس ديمقراطي قد ضمن لهم حصانة وإن كانوا معارضين. ناهيك عن عمليات تصفية الناشطين المعارضين بظروف غامضة. ووصل التهميش والأقصاء ذروته لتتفجر الأوضاع ويضيع ثلث البلد بيد تنظيم الدولة في حرب استمرت أعوام أدت إلى خسائر هائلة بالأرواح والأموال.

وبعد أن كان العراق مثالا للدول المتطورة ببناها التحتية وأنظمته العلمية والبحثية والصحية الرصينة أصبح اليوم وبسبب الفساد الذي انتشر في كل مفاصله وجوانبه دولة ضعيفة ابتداء من مستوى التعليم المتدني، حيث تعاني المؤسسات التربوية من استشراء الفساد مما أدى لضرب المؤسسة التعليمية من ناحية بناء بنيتها التحية مثل المدارس وما تتضمنه من منشآت تعليمية وناحية أخرى هي مستوى التعليم في أوساط الطلبة ومشاكل المناهج التعليمية المتردية بعد أن كان التعليم العراقي مجاني وإلزامي وصدّر العراق المعلمين والتدريسين إلى الدول المجاورة لنقل تجربته العلمية الرصينة كل هذا قبل دخول الديمقراطية الأمريكية للبلد.

أما من الجانب الصحي فالعراق يعيش اليوم أجواء صحية لا تصلح حتى للحيوانات. فالمنشآت الصحية القديمة المتهالكة ازدادت تدميرا أما بسبب الحرب والعمليات العسكرية أو بسبب استشراء الفساد في هذه المؤسسات، حيث أصبحت المستشفيات خالية من الدواء وقلة الأجهزة الطبية، وأدت عملية الابتزاز واخذ الأتاوات إلى هجرة غالبية الملكات الطبية إلى خارج البلد. وبعد حرب نشر الديمقراطية تفرق الشعب واضطربت وحدة البلد حيث ادى ذلك لاقتتال طائفي راح ضحيته العشرات، فأمريكا اليوم هي المسؤولة عن تمزيق لحمة هذا البلد وتدمير وحدته وتراثه.

 

في زمن الحريات والعدل والمساواة تحتل أرضك وتنتهك حرماتك وتدمر حضارتك ويقتل شعبك والأسوأ من ذلك أنت مطالب بدفع تكاليف تلك الحرب
في زمن الحريات والعدل والمساواة تحتل أرضك وتنتهك حرماتك وتدمر حضارتك ويقتل شعبك والأسوأ من ذلك أنت مطالب بدفع تكاليف تلك الحرب
 

وأصبح العراق مصنفا في مقدمة الدول بأسوأ جواز سفر وأخطر المدن وأوسخها على الإطلاق متغلبا على دول فقيرة كل هذا في ظل نظام الديمقراطية الأمريكية. هذا من جانب، ولكن ما الذي جعل ترامب يريد أن يجمع خراج دولته من خلال استضعافه للدول؟ فهو قبل هذا طالب المملكة العربية السعودية بتسديد فاتورة حمايتها من إيران. بالرغم من أن المملكة تعتبر أقوى حليف لأمريكا في المنطقة وقد ساهمت مساهمة فعالة بشراء السلاح الأمريكي بأسعار عالية كما قامت بتزويد أمريكا بالنفط بأسعار مخفضة.

وهذا تناقض آخر بسمعة أمريكا حامية الشعوب وقاهرة الإرهاب، فبالرغم من اعترافها بأن إيران "راعية للإرهاب" وأنها تهدد أمن المنطقة يبدو أن أمريكا لا تحمي هذه الشعوب من جانب إنساني فهي تبحث عن مقابل مالي واقتصادي وسياسي. بل حتى أمريكا لا تقارع الإرهاب إلا بمقابل مادي بل أنها دعمت منظمات مصنفة إرهابية تماشيا مع مصلحتها كما حدث مع فصائل البكاكا الكردية في سوريا.

وبهذا فقد نزع ترامب القناع عن وجه السياسة الأمريكية، فهي سياسة مبنية على المصلحة والاستحواذ على أموال الشعوب المخدوعة بهذه السياسة، وأصبح واضحا من خلال تصريحات ترامب أن أمريكا ليست تلك الدولة الساعية لنشر الديمقراطية بقدر ما تسعى للاستحواذ على ثروات تلك الشعوب. علما ان مأساة شعوب المنطقة كلها نابعة من التدخلات الأمريكية فيها، فلولا تلك التدخلات لنعمت تلك الشعوب بعيش كريم، وإن أرادت أمريكا نشر الديمقراطية والعيش الكريم فيها ما عليها سوى النأي بنفسها عن تلك الدول.

وما زاد الأمر سوء إنه في زمن الحريات والعدل والمساواة تحتل أرضك وتنتهك حرماتك وتدمر حضارتك ويقتل شعبك والأسوأ من ذلك أنت مطالب بدفع تكاليف تلك الحرب وتلك الرصاصات التي قتلت شعبك وتلك القنابل التي أمطرت قراك ومدنك. وهذا المنطق ساد في حقبة الفترة المظلمة قبل إنشاء القوانين الإنسانية واستمرارية هذا المنطق يوحي بأننا نعيش فترة مظلمة أكثر ظلما من الفترات السابقة، مثلا اليوم لا يسمح لك القانون أن تستعبد شخصا ولكن إذا امتلكت قوة عظمى تستطيع أن تستعبد شعبا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.