شعار قسم مدونات

من ثلاثينية إلى ذاتها!

blogs تفكير

في ليالي الشتاء الباردة التي لا تروق لي، وفي ديسمبر الذي شهد مولدي، وعلي بُعد أيامٍ ضئيلة من بدأ عهد الثلاثين معكِ، سأخلو بكِ وأتسامر معكِ، سأصارحكِ واعاتبكِ، وأنصفكِ، وسأكتب لك، سأكتب لكِ رسالتي، وسأرسلها مني لكِ، خالية من خطط وأهداف وطموحات عام مقبل، وعتاب ومحاسبة علي عام مضي كما اعتدت لكنها لكِ! ممزوجة بكثير من روحي وصدق من مشاعري وتدبر من عقلي ومنكِ إليكِ!

  

أما بعد:

أما أنتي فأتعبتيني، أرهقتيني، أخرجتيني من ذاك السبات العميق ومن كل سبل الراحة، غصت بداخلك وتعمقت، أثرتيني، وسجنتيني كنتي مصدر سعادتي وسلواي وراحتي وألمي وأملي. لا تملكين سواي والغريب أنني لا أملك سواكِ، لا أملك التغيير إلا فيكي ولا يحاسبني ربي إلا عليكي، فأحسني السكن بداخلي واهتمي بي لأجلك، أعشقيني لأجلك، وحاسبيني وعاتبيني لأجلك .

 

سلام عليكِ أيتها الثلاثينية بقلب الطفلة التي لن تتبدل أبداً، بطيبة أهل القرية التي نشأت فيها، وبأصالة أب وأم قلما يجيد الزمان بمثلهم، ليتك تكوني نصفهم وتحيي مثلهم، ببساطة القرية ولون الرمال وعشق الخضار، وصوت السكون وحسن التدبر والتوكل. سلاماً عليكي ورفقاً بك . أنتِ قلباً يستحق، وعقلاً ينبض بالتفكير، خِلقَةُ الله، حباكِ وأعطاكِ من ألوهيته، ونفخ فيكِ من روحه، وخلقك فأحسنكِ وصورك، فلا يحقرنّك بشر ولا يضرك ناقد ولا ينقص من قدركِ عدو.

     

امتحانات الدنيا التي تطول بِنَا لفتراتٍ نصل فيها إلي حد الاغلاق واستحكام الحلقات، لا سبيل للخروج منها سوي تربيتك من جديد

أحيكي:

أراكِ تغيرتي كثيراً !نعم تغيرتي بثبات وبطئ، بقوة وإصرار، كمراحل طفل يبدأ حبواً يخشي ويسقط، يحاول ويغامر ويقاوم، يضحك ويبكي، يستمتع ويخاف، ويجري بعد ذلك فلم يعد يستطيع التوقف. وربما مشاعركِ تغيّرت وتبدّلت، ربما رسخت وتمكنت وهدأت، كنسيم هواء بارد وفجر سماءٍ صافية، بعد ليلة شتاءٍ ممطرة . ربما ما زلت تحتاجين إلي تغيرات أكثر، تُذّكري نفسك بها كل ليلة وتجاهدي قلبك لتحقيقها، وتناجي ربك لإعانتك علي فعلها.

  

أيا ذاتي:

مثقلة بالهموم أنا، شغوفة بالإنجاز، كتومة في الحزن، متوترة في المشاعر، متريسة في الردود، وعصبية لأبعد الحدود، فأرجوكي أحتويني كما أنا، تقبليني وارتاحي بداخلي وصاحبي عيوبي وذوبي في لأذوب فيكي، ليس لصلاح نفسي سواكِ وليس لي إلاكِ، هُراء كل ما كتب عن الذات وعند فهمك لها، هُراء كل من شخّص نفسه انه سيعطيك مفتاح أسرار نفسك، وسر سعادتها، وطرق مسيرها، وحدكِ فقط من تعلميني جيداً، وحدك من تحفظيني عن ظهر قلب، وحدك من يحمل شفرات عقلي وأسرار قلبي، وخبايا نفسي، ومهاترات عقلي !

    

تذكري أن الدنيا فانية وأننا نحيا فيها لنموت، وأن العمر بِنَا مهما امتد فلابد من لحظة الموت ،لا يغرنكِ نعم ،ولا يحزنك شدة، بل تذكري المنعم والمنتقم، وأنك مجرد دوراً فيها خُلقتي في كبد، امتحانات الدنيا التي تطول بِنَا لفتراتٍ نصل فيها إلي حد الاغلاق واستحكام الحلقات، لا سبيل للخروج منها سوي تربيتك من جديد، إنصافك وإخراجك من علو الأنا التي تأكلك، إنصافك لتطمئني وتستقري وتعودي لخالقك، فخروجك منها يكون أقوي، وإدراك منها أعمق، وحكمة الله منها تفوق استيعابك لها .

     

أدرِكي أن راحة البال في التوكل وبعض اللامبالاة، وألا بأس من قليل من الفوضي في الحياة، اتركي نفسك لعنانها، وروحك لخالقها، ومعارك العالم لغيرك، ومعارككِ لنفسك، لا تصدري أحكاماً علي أحد ولا تتألهي علي خالقك، ولا يشغلك التفكير بالإنجاز عن الإنجاز نفسه، أشحظي عيونك في النعم، وأغلقيها عن النقم. جالسيني وناظريني كثيراً، وابقي واضحة مدركة للحياة لا تتغلفي -بسلوفان- الوهم والأحلام، وتقبلي الدنيا كصفحة نطويها يوماً بعد يوم، نحارب فيها اليأس والهزيمة، ونتدبر ونفتش فيها عن مقومات الحياة وأسباب السعادة .ولكن اعلمي أن السعادة طريق واحد هوأن تكتفي بربك خالقاً ومنعماً ومسيراً ومدبراً وقديراً، وتكتفي بي مرآه لكِ وصديقة. فسلامٌ مني إليكِ وسلامٌ منكِ عَلَيْكِ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.