شعار قسم مدونات

هل يقود تمادي ترامب في أنانيته لانهيار عظمة أميركا؟

blogs ترمب

ولت تلك الأيام التي كان فيها الرؤساء الاستبداديين في جنوب العالم (بلدان العالم الثالث)، أمثال معمر القذافي وهوغو شافيز، يسرقون الأضواء خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فاليوم؛ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب -زعيم "العالم الحر"- هو من يسرق تلك الأضواء.

إذ أنه، وخلال الأسطر الأولى من خطابه في الجمعية العامة، تمكن من انتزاع ضحكات جمهور من الدبلوماسيين وقادة العالم؛ على ادعائه المتغطرس بأن إدارته أنجزت أمورًا أكثر بكثير من أي إدارة أخرى في تاريخ الولايات المتحدة. يعكس ذلك، المركز العالمي المتدني غير المسبوق الذي تحظى و"تتمتع" به القيادة الأمريكية في هذه الآونة.

لكن على الرغم من الازدراء والسخرية التي قوبل به خطاب ترمب في قاعة الجمعية العامة، فإن رؤيته للعالم التي عرضها بإيجاز؛ مُقلقة بالفعل.
تحدث ترمب عن مستقبلٍ تُصبح فيه النزعة الفردية (الأُحادية)، والنزعة العسكرية، والسعي من أجل تحقيق المصلحة الذاتية؛ أهم من التعاون الدولي وتعزيز التكامل وتحرير التجارة.

ما يقترحه هو ببساطة نهاية النظام الليبرالي العالمي الذي كانت تتزعمه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي رسخته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وطاردت إدارة ترمب بالفعل العديد من المنظمات الدولية والاتفاقيات متعددة الأطراف. فقد انسحبت من اتفاق باريس للمناخ، واليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاق الشراكة العابرة للمحيط الهادئ التجاري، وقوّضت قرارات المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وخفّضت التمويل المخصص للأونروا.

 

  
كما تسبّبت إدارة ترمب أيضًا في توتر العلاقات مع حلفائها التقليديين المتمثّلين في كندا والاتحاد الأوروبي، وشنت حربًا تجارية مع الصين. كما انسحبت من اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع إيران، وجعلت محادثات السلام الفلسطينية/الإسرائيلية بلا جدوى بصورة أكبر. أمَّا في سوريا واليمن، فقد ظلت تحجم عن الاضطلاع بدورٍ في تقديم أيّ حل دائم قابل للتطبيق لهذين الصراعين.

إذا واصل ترمب السير على هذا المنوال، فسوف تكون هناك عواقب على الولايات المتحدة والنظام الدولي على حدٍ سواء. يزيد حرق الجسور وقطع العلاقات مع الحلفاء التقليديين من عزلة الولايات المتحدة ويُقوّض صدارتها على الصعيد العالمي.

بعد مرور عام ونصف على رئاسته، وجد ترمب صعوبة في تسمية أصدقائه خلال خطابه في الأمم المتحدة. لم يستطع سوى التفكير في أربعة فقط: الهند، وإسرائيل، وبولندا، والمملكة العربية السعودية. والأهم من ذلك، هو أن قراراته أحادية الجانب -من بينها الحروب التجارية والعقوبات المفرطة- تُشكّل خطرًا على سيادة وصدارة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي.

وتؤمن الدول في جميع أنحاء العالم على نحو متزايد أنها ينبغي أن تكون أقل اعتمادًا، بل حتى أقل اندماجًا في النظام المالي الأمريكي، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الدولار الأمريكي. نرى بالفعل خطوات أولية في هذا الاتجاه، لا سيما في أعقاب العقوبات الأمريكية على إيران وتركيا، فضلًا عن الحرب التجارية مع الصين.

في 25 سبتمبر/أيلول، كشفت فيديريكا موغيريني -المسؤولة عن الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي- النقاب عن خطة لإنشاء كيان مالي جديد من أجل مساعدة الشركات الساعية إلى التعامل التجاري مع إيران في تجنُّب العقوبات الأمريكية. في اليوم التالي، خلال تحدثها في مناسبة تجارية في نيويورك، قالت موغيريني "الدولار ليس هو العملة الوحيدة على وجه الأرض؛ لدينا اليورو، والآخرون لديهم عملاتهم الخاصة".

عندما يقوم حلفاء الولايات المتحدة السابقون بالفعل ببناء الآليات اللازمة من أجل التغلب على الحاجة إلى التعامل مع ترمب، سيكون الأمر متروكًا للناخب الأمريكي لكبح جماح مغامرة ترمب أحادية الجانب

لن تكون الأداة المالية الجديدة للاتحاد الأوروبي مفيدة سوى للشركات العاملة خارج نطاق النظام المصرفي الأمريكي، لكنها تعكس اتجاهًا عالميًا نحو التخلي عن الدولار باعتباره عملة التبادل التجاري العالمي. من جهة أخرى، عندما تتحدى قوة عظمى مُهيمنة مثل الولايات المتحدة، مبدأ تعدّدية الأطراف، وتتحدى أيضًا النظام القانوني الدولي، فعندئذ سيكون من الصعب إقناع الدول الخارجة عن القانون بألا تحذو نفس الحذو.

على سبيل المثال، اختار ترمب التشارك مع كوريا الشمالية في محادثات ثنائية تُهمِّش المؤسسات الدولية والجهات الفاعلة الإقليمية. كما شجع الدول الأخرى على التصرف بالطريقة ذاتها من خلال الترحيب باتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا بشأن سوريا، والذي لم يتم التفاوض عليه أو إقراره من قبل الأمم المتحدة.

يزيد هذا النهج المتبع في الدبلوماسية الدولية من مخاطر سوء التقدير، ويُذكر بعقلية إدارة بوش بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول؛ والتي ترى في استخدام القوة من جانب واحد والإكراه نهجًا أفضل من الدبلوماسية من أجل تحقيق الأهداف الأمريكية.

لكن بغض النظر عن وضعه لخطوط عامة للرؤية الأحادية الجامحة في السياسات الخارجية والاقتصادية الخاصة بالولايات المتحدة، فقد أظهر ترمب أيضًا بدون قصد علامات على قلقه إزاء العواقب المحتملة لمثل هذه الاستراتيجية. في كلمته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مضى في اتهام الصين بالتدخل في انتخابات منتصف المدة (الانتخابات النصفية) المقبلة، وهو ادعاء لم تؤكده بعد أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
 
إلا أن ما تظهره هذه المزاعم -رغم ذلك- هو أن ترمب ربما يخشى من أن يكون المزارعون الأمريكيون في ولاية آيوا وخارجها، الذين خسروا التعامل مع السوق الصينية بسبب الحرب التجارية التي بدأها؛ قد يصوتون ضده وضد حزبه الجمهوري في نوفمبر/تشرين الثاني.
 
عندما يقوم حلفاء الولايات المتحدة السابقون بالفعل ببناء الآليات اللازمة من أجل التغلب على الحاجة إلى التعامل مع ترمب، لن يضطروا أو تضطر المؤسسات الدولية -مثل الأمم المتحدة- إلى مواجهته على الأرجح. في النهاية، سيكون الأمر متروكًا للناخب الأمريكي لكبح جماح مغامرة ترمب أحادية الجانب.

————————————————————————-

مترجم عن الرابط التالي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.