شعار قسم مدونات

الذكاء الاصطناعي لن يحل مشاكل البشر بل سيعقدها!

blogs فيسبوك

عندما قال مارك زوكربيرج للكونغرس، إن فيسبوك سيستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأخبار المزيفة المنشورة على موقع التواصل الاجتماعي، لم يكن كلامه محددًا حول ما يعنيه ذلك، بما أنني أعمل في مجال تحليلات الصور والفيديو، أقترح أن تكون الشركة حذرة. على الرغم من بعض العيوب المحتملة الأساسية، قد يكون الذكاء الاصطناعي أداة مفيدة لاكتشاف الدعاية الزائفة عبر الإنترنت -ولكنه قد يكون أيضًا أداة خلق مواد مضللة.

   

يعرف الباحثون بالفعل أن الأخبار المزيفة على الإنترنت تنتشر بسرعة أكبر وبشكل أوسع من الأخبار الحقيقية. وبالمثل، توصل بحثي إلى أن المشاركات عبر الإنترنت المزودة بمعلومات طبية مزوّرة تحصل على عدد أكبر من المشاهدات والتعليقات والإعجاب عن تلك التي تحوي في طياتها محتوى طبيا دقيق. في عالم الإنترنت، حيث لدى المتابعين قدر محدود من الاهتمام وتتزاحم عليهم أنواع متعددة من المحتوى، غالبًا ما يظهر وكأن المعلومات المزيفة أكثر جاذبية أو جذب المشاهدين.

 

التحدي الأكبر في استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأخبار المزورة هو أنه يضع التكنولوجيا في سباق تسلح مع نفسها.

المشكلة تزداد سوءًا: بحلول عام 2022، قد يواجه الناس في البلدان المتقدمة اقتصاديا أخبارًا مزيفة أكثر من المعلومات الحقيقية. وقد يؤدي هذا إلى ظهور ظاهرة أطلق عليها الباحثون اسم  "الدوار" – حيث يمكن لأجهزة الكمبيوتر توليد مثل هذا المحتوى المقنع بحيث يواجه الأشخاص العاديون صعوبة في اكتشاف ما هو حقيقي بعد الآن.

   

كشف الزيف

نجحت خوارزميات التعلم الآلي، أحد أنواع الذكاء الاصطناعي، لعقود من الزمن في مكافحة البريد الإلكتروني العشوائي، وذلك بتحليل نصوص الرسائل وتحديد مدى احتمال أن تكون رسالة معينة عبارة عن اتصال حقيقي من شخص فعلي – أو دعاية واسعة النطاق للمستحضرات الصيدلانية أو لأشخاص يدعون ضياع ثروة منذ أمد بعيد.

 

بالاستناد إلى هذا النوع من تحليل النصوص في مكافحة الرسائل غير المرغوب فيها، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تقييم مدى جودة نص أو العنوان الرئيسي مقارنة بالمحتوى الفعلي لمقالة يشاركها شخص ما عبر الإنترنت. وهناك طريقة أخرى لفحص مقالات مماثلة لمعرفة ما إذا كانت وسائل الإعلام الأخرى لديها حقائق مختلفة. يمكن للأنظمة المشابهة تحديد حسابات محددة ومواقع الويب التي تنشر أخبارًا مزيفة.

 

دورة لا نهاية لها

ومع ذلك، تفترض هذه الأساليب أن الأشخاص الذين ينشرون الأخبار المزورة لا يغيرون أساليبهم. غالبًا ما يغيرون التكتيكات، ويتلاعبون بمحتوى المشاركات المزيفة في محاولة لجعلها تبدو أكثر واقعية. يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي لتقييم المعلومات إلى توضيح – وتضخيم – بعض التحيزات في المجتمع. ويمكن أن يرتبط ذلك بالجنس أو العرق أو الصور النمطية للمناطق السكنية. بل يمكن أن تكون له عواقب سياسية، يحتمل أن تقيد التعبير عن وجهات نظر معينة. على سبيل المثال، قطع YouTube الإعلانات عن أنواع معينة من قنوات الفيديو، مما يكلف صانع المحتوى أموالًا.

  

السياق أيضًا هام جدًا. يمكن لمعاني الكلمات أن تتغير بمرور الوقت. ونفس الكلمة يمكن أن تعني أشياء مختلفة على المواقع الليبرالية والمواقع المحافظة. على سبيل المثال، من المرجح أن تكون إحدى الأخبار التي تحتوي على مصطلحات "ويكيليكس" و "DNC" على موقع أكثر تحررًا، أخبارًا، بينما يمكن أن تشير على موقع محافظ إلى مجموعة معينة من نظريات المؤامرة.

 

استخدام الذكاء الاصطناعي لاختلاق أخبار وهمية

غير أن التحدي الأكبر في استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأخبار المزورة هو أنه يضع التكنولوجيا في سباق تسلح مع نفسها. لقد أثبتت أنظمة التعلم الآلي بالفعل أنها قادرة على خلق ما يطلق عليه "deepfakes" – الصور ومقاطع الفيديو التي تحل بشكل واقعي محل وجه شخص لآخر، لجعله يبدو، على سبيل المثال، أن أحد المشاهير صور مشهدا فاضحًا أو شخصية عامة تقول أشياء لم تقلها في الواقع. حتى تطبيقات الهواتف الذكية قادرة على هذا النوع من الاستبدال -مما يجعل هذه التقنية متاحة لأي شخص، حتى من لا يمتلك مهارات تحرير الفيديو على مستوى هوليوود.

   

  

يستعد الباحثون بالفعل لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتعرف على هذه الصور أو الفيديوهات المزيفة. على سبيل المثال، يمكن لتقنيات تكبير الفيديو اكتشاف التغيرات في نبض الإنسان التي من شأنها أن تثبت ما إذا كانت صورة الشخص في الفيديو حقيقية أم تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر. لكن المزورين سيتطورون، وكذلك برامج الكشف عن التزوير. يمكن أن تصبح بعض المنتجات المزيفة متطورة لدرجة يصعب معها رفضها – بخلاف الأجيال السابقة من المنتجات المزيفة، التي كان من السهل كشفها.

 

الذكاء البشري هو المفتاح الحقيقي

قد تكون أفضل طريقة لمكافحة انتشار الأخبار المزيفة هي الاعتماد على الناس. فالعواقب الاجتماعية للأخبار المزيفة – كزيادة الاستقطاب السياسي، وزيادة التعصب، وتآكل الثقة في وسائل الإعلام والحكومة – وخيمة. إذا كان عدد أكبر من الناس يعرفون أن المخاطر عالية، فقد يكونون أكثر حذرًا في تقبل المعلومات، خاصة إذا كانت تعتمد على نواح عاطفية، لأن هذه طريقة فعالة لجذب انتباه الناس.

 

عندما يرى أحد الأشخاص منشورًا غاضبًا، سيفضل ذلك الشخص التحقق من المعلومات، بدلًا من مشاركتها على الفور. كما أن قانون المشاركة يضفي مصداقية على المشاركات: عندما يراها الآخرون، يميلون إلى الثقة بها أكثر حين ينشرها شخص يعرفونه، ومن غير المرجح أن يلاحظوا ما إذا كان المصدر الأصلي موضع شك.

 

يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وفيسبوك أن تقرر طواعية تصنيف محتواها، وتوضيح ما إذا كان أحد العناصر التي يزعم أنها أخبار قد تم التحقق منها من مصدر موثوق. أخبر زوكربيرج الكونغرس أنه يريد تعبئة "مجتمع" مستخدمي فيسبوك لتوجيه خوارزميات شركته. يمكن أن يستفيد فيسبوك من مستخدميه للتحقق من المنشورات. تقدم ويكيبيديا أيضًا نموذجًا للمتطوعين المتفانين الذين يتتبعون المعلومات ويتحققون منها.

 

يمكن أن يستخدم فيس بوك شراكاته مع المؤسسات الإخبارية والمتطوعين لتدريب الذكاء الاصطناعي، ويغير نظامه باستمرار للاستجابة للتغيرات في مجال الدعاية الزائفة، سواء في المواضيع والتكتيكات. لن يكتشف هذا كل خبر منشور على الإنترنت، ولكنه سيجعل أمر اكتشاف الحقيقي من المزيف سهلًا على عدد كبير من الناس. قد يقلل ذلك من فرص انتشار القصص الخيالية والمضللة على الإنترنت.

 

مما يدعو إلى الاطمئنان، أن الأشخاص الذين يتعرضون لبعض الأخبار الدقيقة هم الأفضل في التمييز بين المعلومات الحقيقية والمزيفة. المهم هو التأكد من أن، على الأقل، بعض ما يراه الناس على الإنترنت هو في الواقع حقيقي.

————————————————————————-

 

مترجم عن (ذا كونفيرزيشن)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.