شعار قسم مدونات

اغتيال خاشقجي.. هل حرية التعبير كفر؟

blogs خاشقجي

تأثرت وأنا أقرأ آخر مقال للسيد خاشقجي رحمه الله في الواشنطن بوسط والذي تحدث فيه عن الإعلام وحرية الصحافة والتعبير داخل مجتمعاتنا العربية المغيبة بسبب عدم توفر المعلومات نتيجة التعتيم الإعلامي والبروباغاندا التي تمارسها الأنظمة في محاولة لغسل الأدمغة وتوجيهها. تأثري نابع مما أحسسته وأنا أراجع بعض الأفكار التي جاءت في المقال، والتي تبين مدى لباقته في الطرح، وتعبيره الصريح عن حرصه الشديد على بلده ورغبته في تغيير الأوضاع للأحسن، ولما فيه الفائدة للأمة العربية كلها.

غير مُطَّلعين أو "مُضَلَّلَين" هكذا وصف الصحفي خاشقجي العرب وعلاقتهم بالإعلام والمعلومة بصفة عامة، مؤكدا على أن ما ينتج عن هذا التعتيم الممنهج هو عدم القدرة على حل ومعالجة المشاكل التي تعترضهم سياسيا اقتصاديا أو اجتماعيا. وهذا شيء بديهي، فكل مجتمع أفراده إما لا يعلمون أو مضللون لا يمكنهم مناقشة وحل مشاكلهم. فعدم العلم بوجود الشيء، يلغي سبب وجود نقاش حوله من الأصل، والعلم بوجوده على غير ما هو عليه يجعل النقاش عقيما دون أي معنى. فكل ما نقدمه من حلول هو عبارة عن أجوبة لأسئلة هامشية وثانوية، تشتت انتباهنا عن أسئلة "وجودية" أكثر أهمية وأكثر تأثيرا على مصيرنا كأفراد ومجتمع.

إن التشخيص الذي أعطاه السيد خاشقجي لعلاقة الإنسان العربي بالإعلام وحرية التعبير دقيق ومعبر.. فالإنسان العربي سواء كان من غير "المطَّلِعين" أو "المُضَلَّلَين" مفتقد لِحَقِّه في المعرفة بالنسبة للفئة الأولى، ولِحَقِّه في معرفة الحقيقة بالنسبة للفئة الثانية. فالأنظمة القمعية المستبدة لا يمكن أن تحكم إلا في بيئة يسودها الجهل، الباطل، الكذب والخداع. ومثل هاته البيئة لا مجال فيها "للحق في المعرفة" ناهيك عن "حق معرفة الحقيقة". 

قضية خاشقجي تبين مرة أخرى أن القلم الحر والكلمة التي يخطها سلاح يخيف أعتى الطغاة ويزعزع "ستارهم الحديدي" الذي "يحاصرون" به كل صاحب رؤية أخرى أو "اتجاه معاكس"

التحكم، والرأي الواحد المستبد هو ما تقوم عليه هاته الأنظمة متسلحة بالتخويف، الترهيب، التعذيب، السجن والإخفاء، في محاولة لإسكات كل صوت يشوش على "تنظيراتها" السياسية، وخططها "الاقتصادية" واستراتيجياتها "الاجتماعية، والثقافية والدينية.."، وبالتالي فحرية التعبير هي جريمة في نظر كل حاكم مستبد، وتهديد مباشر وصريح لكرسيه ولرؤيته لمصير بلد وشعب ووطن، ظن بجبروته أننا خلقنا كي نكون ملكا له وهو خلق فقط لكي نكون نحن ملكا له!.. فلنحترق إذا غير مأسوف علينا، كالحطب وقودا، كي ننير له الطريق!

قضية خاشقجي تبين مرة أخرى أن القلم الحر والكلمة التي يخطها سلاح يخيف أعتى الطغاة ويزعزع "ستارهم الحديدي" الذي "يحاصرون" به كل صاحب رؤية أخرى أو "اتجاه معاكس" لا يخدم مخططاتهم ولا يذوب في الخلطة التي يصنعونها. فالقبضة الحديدية، هي مجردة حجارة صلبة يخيفها تدفق الماء بحرية، فكل قطرة مع مرور الزمن، ورغم انكسارها، إلا أنها تنتهي بشق الصخر لكي تمر عبره. نحتاج في عالمنا العربي إلى تنفس الحرية، فروائح الاضطهاد أزكمت أنوفنا وكبلت عقولنا وألبستنا أسمال العبودية التي رضينا بها ظانين أن الصمت وقبول الواقع المر هو قدر لا نستطيع تغييره.. فالرضى بالقضاء والقدر ركن من الإيمان! أو هكذا يريدنا البعض أن "نُؤْمِن" بأن التغيير والتفكير خارج السرب (في كُلِّيَّتِهِ) هو ضد الإرادة الإلهية، وخروج من الملة والدين وخيانة للوطن.

فما معنى أن تكون ضد الإرادة الإلهية وأنت مجرد مخلوق ضعيف في كون تتسع أطرافه؟ وكيف سيقف موقفك سواء كمناصر أو معارض ضد هذه الإرادة؟ وما معنى أن يُخْرَجَ إنسان من ملته ودينه ويوصف بالخيانة بسبب مواقفه وآراءه؟ ومن يملك السلطة ليقرر أن رأيا ما، أو موقفا معارضا يمثل خطرا على الدين والوطن والمجتمع؟ هي كلها مصطلحات وجب إعادة تعريفها في سياقها السياسي والاجتماعي والديني والثقافي، فما تحمله من معاني فضفاضة تلبسها سلطة مطلقه على كل شيء وأي شيء وأي شخص.

وإذا بقيت بعض هاته المفاهيم مبهمة، فالتهم ستظل معدة والحكم صادرا قبل أول جلسة والزنزانة تنتظر كل شخص فكر في مس "هاته المقدسات".. إن كنت محظوظا فربما تلفق لك تهمة حسب البلاد التي أنت فيها.. وفي بلد آخر قد يتفننون في تعذيبك فإن كتب لك عمر ستفنيه حتما في السجن.. وإن كان حظك غير مسعف لك، فربما تغتال، تسمم، أو تقطع جثتك بمنشار مع التأكيد على أنه لن يقوم بتقطيعها جزار وإنما طبيب شرعي ذو خبرة يفهم في التقطيع والموسيقى الحلال.. وهذا أضعف الإيمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.