شعار قسم مدونات

مؤثرات التواصل الاجتماعي.. بين الواقع والخيال!

blogs لابتوب

نصادف كل يوم العديد من المنشورات والفيديوهات التي تقوم بنشرها فتيات السوشيال ميديا وتكون أغلبية هذه المنشورات كترويج للعديد من المنتجات الاستهلاكية من مواد تجميل وملابس ومحال تجارية ومراكز صحية والكثير الكثير مما تطول القائمة لشرحه وتتمادى هؤلاء المؤثرات في التبجيل والشرح عن منتج معين حتى يخال للمرء أنه الحل السحري لكل المشاكل التي يعاني منها وما أن تبحث عن هذه المنتجات حتى تجد سعرها يتجاوز الدخل الشهري لأسرة كاملة.

إن المرأة اليوم وخاصة العاملة تقف حائرة أمام هذه الإعلانات والفتيات اللواتي هن أصغر أو أكبر بالعمر ونصائحهن المختلفة عن الأزياء والتجميل وتلك المنشورات والفيديوهات التي تشرح بالتفصيل عن كيفية تحويل المكياج اليومي إلى مكياج سهرة أو كيفية ارتداء القطعة الواحدة مرتين وهي لا تعلم أن أغلبية المتفرجات يستطعن إعطائها ١٠٠ طريقة لارتداء القطعة الواحدة وكيفية المحافظة عليها لسنين وليس لشهرين.

لا تعلم المؤثرة أن الكثير من الفتيات يرغبن بطريقة تساعدهن على تجاوز الضغط الاجتماعي المحيط وكيفية التغلب على ضغط من حولها ومن يدفعها للزواج وهي في السابعة عشرة من عمرها وأن الكثير من النساء يرغبن بطريقة لاستغلال الدجاجة الواحدة في أكثر من طبخة وكيف يمكنهن التوفير في مصروف المنزل قدر الإمكان لسد الاحتياجات الأخرى الضرورية. أؤمن بأهمية مواقع التواصل الاجتماعي في الترفيه ولكن يجب أن يتجاوز هذا الدور ويبدأ دور الواقع والخروج من إطار الكذب الإعلاني والتضليل وجعل الحياة وردية بينما أغلبنا مطحونين تحت أسنان الوظيفة والراتب والمسؤوليات.
   

الرقابة على هؤلاء المؤثرين اصبحت واجبة وعدم وجود رادع قانوني أو اجتماعي لهؤلاء جعل الظاهرة تتفشى أكثر وأكثر في مجتمعنا ليتحول إلى مجتمع استهلاكي بحت

لم نعد بحاجة إلى فتيات وشبان لعرض الملابس والماركات العالمية التي يعجز الكثيرين منا حتى على نطق اسمها وإن كان هذا المستوى المعيشي يتناسب مع الكثيرين وخاصة في دول الخليج فإنه بعيدا كل البعد عن قدرة أغلبنا وأصبح يشكل مشكلة اجتماعية خطيرة ويؤثر بشكل سلبي على حياة المتابعين وخاصة الفئات العمرية الصغيرة الذين يطالبون أهاليهم بتحقيق كل ما يشاهدون وأن يحصلوا على كل ما يعرض والذي جعل البعض يدخلون في حالة تناقض ورفض للواقع. نحن بحاجة ماسة إلى مؤثرات ومؤثرين من الواقع، نحتاج من يرشد المراهقين إلى التفكير والإنتاجية وليس فقط الاستهلاك.

  
ولا تقف تلك المؤثرات عند الإعلان عن الملابس فقط وتتمادى نصائحهن إلى أطباء التجميل وتبجيل العمليات وابر البوتوكس والفيلر التي تراها تضج بوجوههن حتى تكاد تنفجر، ولتنصدم بعد ذلك بكذب الإعلانات وتضليل المتفرجات والإعلان لأشباه أطباء مقابل بضع دولارات، فتتعامل الواحدة منهن بالجمهور كأرقام مدرة للمال ولا تعير أي انتباه لهم او لحياتهم، فتنحط بتصرفاتها وتنزل أكثر كلما زاد عددهم فتعتقد أنها أصبحت فوق القانون والعادات والأخلاق العامة وتفرض عادات جديدة تؤثر تأثيرا سلبيا على بناتنا وأبنائنا.

إن الرقابة على هؤلاء المؤثرين اصبحت واجبة وعدم وجود رادع قانوني أو اجتماعي لهؤلاء جعل الظاهرة تتفشى أكثر وأكثر في مجتمعنا ليتحول إلى مجتمع استهلاكي بحت لا يفكر سوى في صرف المال والشراء ولا ترى أحدا يخبر أبنائنا بطريق النجاح أو تحقيق الذات أو طرق لجلب المال عدى عرض الملابس ومستحضرات التجميل، فعلى الرغم من السنين الطويلة التي حاولت فيها المرأة أن تثبت نفسها وتخرج من إطار الأدوار الاجتماعية التي فرضت عليها تأتي تلك المؤثرات من بنات جنسها لعرض المرأة كأداة للعرض ومنيكان ووجه إعلامي وصورة جميلة فارغة.

أعلم أنها ظاهرة وستنتهي ولكن أتمنى أن أرى مؤثرات حقيقيات ينقلون مواضيع جدية لتغيير المجتمع والتأثير فيه. أن نرى انعكاسا لدور المرأة الحقيقي في المجتمع، أولئك النساء اللاتي لعبن دورا كبيرا في تغيير المجتمع والنهوض فيه، أولئك هم من يجب التركيز عليهن وعلى تجاربهن. حتى أولئك الأمهات اللاتي يلتزمن بيوتهن ويتفرغن لتربية ابنائهن أرى فيهم التأثير الأكبر وإن لم يستطعن الخروج إلى حقل العمل أو النشاطات الأخرى ولكن دورهم ينعكس في خلق أعضاء فعالين للمجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.