شعار قسم مدونات

الجفاف العاطفي مدمر العلاقات الإنسانية!

blogs قلوب

قد يتبادر إلى الذهن فور النظر إلى عنوان هذه المقالة أن مصطلح "الجفاف العاطفي" يرتبط فقط بالحياة الزوجية، ولكنه أشمل وأوسع شكلاً ومضموناً. من المسلّم به أن العلاقات الإنسانية قائمة على كتلة من المشاعر والعواطف والتعاملات البينية، فالمكونات الأولية للإنسان عبارة عن جسد وروح تشكلان قناة أساسية للتواصل بين الجنس البشري، يؤثر بها ويتأثر، وبها أيضاً يبني علاقاته الثنائية. لكن، من الملاحظ في بعض الأقطار العربية خصوصاً، أن هناك حالة من الجفاف والركود العاطفي بين أبناء المجتمع الواحد بل أيضاً بين الأسرة الواحدة، يؤدي غالباً إلى خلق حالة من التمرد والنزاع الذي قد يفضي إلى مشاكل أخلاقية وقيمية تزيد من التصدع المجتمعي. فما هو الجفاف العاطفي، وما أسبابه، وأي المجتمعات التي ينشط بها؟

الجفاف العاطفي من المشكلات النفسية والاجتماعية المتفاقمة في المجتمعات العربية، ويمكن تعريفه بأنه نقص حاد في شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد يعاني منها كافة أفراد المجتمع لا سيما فئة الأطفال والمراهقين. يتشكل الجفاف العاطفي نتيجة جملة من الأسباب أهمها الطريقة التي يتم بها تربية الأبناء في نطاق الأسرة، الخطاب الديني واللغة الاجتماعية السائدة، وكذلك موجة التكنولوجيا الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي.

يغيب عند كثير من الآباء روح المكاشفة والمصارحة مع أبنائهم حتى يتمكن بها الآباء من معرفة مشاكل أبنائهم الخاصة التي تتعلق بالتعليم والتصورات الفكرية والعلاقات العاطفية واحتياجاتهم البدنية والروحية.
يغيب عند كثير من الآباء روح المكاشفة والمصارحة مع أبنائهم حتى يتمكن بها الآباء من معرفة مشاكل أبنائهم الخاصة التي تتعلق بالتعليم والتصورات الفكرية والعلاقات العاطفية واحتياجاتهم البدنية والروحية.

في نطاق الأسرة، نلاحظ كثيراً أن العلاقة بين الآباء والأبناء تتسم بالجلافة والتعامل الفوقي المبني على صيغة الأمر والنهي التي يشعر معها الأب أنه أنشأ هذه الأسرة ليكون فيها الحاكم الأوحد الذي يجدر بمن تحته فقط السمع والطاعة والانقياد، بالإضافة إلى ازدواج المعايير في التعامل مع الأبناء إما بالتفضيل أو المحاباة والتفرقة الناتجة عن استسلام مطلق للعواطف الخاصة. كما أنه يغيب عند كثير من الآباء روح المكاشفة والمصارحة مع أبنائهم حتى يتمكن بها الآباء من معرفة مشاكل أبنائهم الخاصة التي تتعلق بالتعليم والتصورات الفكرية والعلاقات العاطفية واحتياجاتهم البدنية والروحية.

يجدر الإشارة إلى أن المشاكل العاطفية التي تحدث بين الأبوين والتعامل المزدوج مع الأبناء يخلق حالة من النزاع بين الأبناء أنفسهم ويتأثرون بجلافة أبويهم فتجف ينابيع العاطفة ويحل الحسد والبغض مشكلاً إثر ذلك نماذج جديدة تتمتع بالجفاف العاطفي وتستمر عجلة التدهور الإنساني، هذه النماذج الجافة عاطفياً تسعى لتفريغ شحنتها العاطفية المختزلة خارج نطاق الأسرة وربما تتكون على أثرها علاقات مختلة أخلاقياً تحت ضغط الكبت الأسري.

الخطاب الديني أيضاً واللغة الاجتماعية السائدة تشكل محوراً أساسياً لهذه المشكلة، إذ أن تطرف الخطاب الديني ونظرته للمخالفين فكرياً وتلغُّم اللغة الاجتماعية بين الجماعات والمذاهب الفقهية والسياسية يجفف ينابيع العلاقات الاجتماعية المختلفة اختلافاً صحياً ويكون خنادق فكرية وجماعاتية متعددة يتسع معها الشرخ المجتمعي وتتفكك بسببها هياكل المجتمع. فنجد مثلاً التعصب الفكري الحاد لجماعة دون أخرى وحزب دون آخر مع نسيان الأهداف والغايات السامية التي رسمت في البيانات الأساسية لتلك المكونات. وهذا المحور الأخطر بحد ذاته إذ أنه يتسبب في نهاية المطاف في نشوب صراع ونزاع فكري غير صحي وحرب أهلية مهلكة، كما هو دائر حالياً في بعض الدول العربية للأسف.

الجفاف العاطفي الأسري يحتاج إلى وعي أبوي ومراجعات شخصية يحرص معها الوالد على تغيير أسلوب التعامل مع أفراد أسرته على أساس تشاركي وتغليب لمبدأ العدالة في التعامل والمساواة في الجزاء وتعميق روح المحبة والمكاشفة والمصاحبة

وبمجيء مواقع التواصل الاجتماعي طفت المشاكل الأسرية والمجتمعية إلى السطح وصارت – أي مواقع التواصل – الوعاء الذكي الذي استوعب هذه المشاكل وترجمها في قوالب ملموسة وواضحة كاشفاً عن مدى الشرخ الاجتماعي الحاصل. ففي هذه المواقع تعرّت بعض المشاكل الأسرية وزاد البون بين أفرداها وتكونت العلاقات الجنسية غير المرخصة وتنامى مستوى التراشق الفكري والديني بين الجماعات والتوجهات السياسية وتطورت، سلبياً، لغة الخطاب حتى بين أبناء المجتمع الواحد والدولة الواحدة.

تعليقاً على ما سبق ومحاولة في نسج الحلول الجذرية لهذه المشاكل الخطيرة، يمكن القول أن علاج المشكلة يأتي من صلب السبب، فالجفاف العاطفي الأسري – مثلاً – يحتاج إلى وعي أبوي ومراجعات شخصية يحرص معها الوالد على تغيير أسلوب التعامل مع أفراد أسرته على أساس تشاركي وتغليب لمبدأ العدالة في التعامل والمساواة في الجزاء وتعميق روح المحبة والمكاشفة والمصاحبة.

 

وعلى نطاق الخطاب الديني والمجتمعي يقع على عاتق الدولة وأرباب الفكر والدين تقريب وجهات النظر وتقديم المصالح الجمعية وإفشاء روح المشاركة والاختلاف الصحي وتربية أفراد المجتمع على قبول الآخر وإعطاؤه حقه في طرح رأيه وممارسة دورة الاجتماعي. أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فهي الإناء الذي ينضح بما فيه وهي المرآة العاكسة لجوهر المجتمع ومستوى وعي أفراده، ويمكن الاستعانة بها في معالجة مشاكل المجتمع وتطوير خطاب أبنائه الفكري والثقافي والسياسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.