شعار قسم مدونات

داء الغربة!

blogs قرآن
شعور بالغربة يقرض القلب كل حين، يشُق عصا الروح، ويُزيد أسى الفؤاد، يأبى جُرحُ الغربة الاندمال ولو التفّ حول صاحبه الجمع! يبحث الجسد العليل عن الدواء فيقال: ابحث عن "الأمان"! فهل تغير مفهوم “الغربة”؟! سنوات من عمري قضيتها مؤمنا أن الغربة هي مفارقة “الوطن “ بما فيه من أهل وخِلّان وذكريات، كنت أرى صور أولئك الذين يُقبّلون تُراب أرضهم حال العودة فأحسب أن الغربة تزول بمجرد العودة إلى من فارقناهم، وأن الشوق يُحبب إلينا حتى "تُراب الأرض"!
والآن؛ بتُّ _وكثير مثلي _نعاني غربتنا داخل أوطاننا وفي مقابلة أهلنا وأحبتنا، واستحالت الذكريات إلى مآسٍ، واستحال الوطن إلى سجن، سجّانوك فيه بعضُ من كنت تشتاق إليهم يوما! إنها "الأقدار" إذاً؛ تأبى إلا أن تُزيح عن أعيننا الغشاوة التي أعمتها عن رؤية الأشياء على حقيقتها لعقود، وكأني أسمعها تهتف بي الآن قائلة: يا بنيّ، الغربة أن تفقد روحَك وقلبُك بعدُ لا يزال يوحي بالحياة! الغربة أن ترسم أحلاما فتجدها سراباً، يا بنيّ الغربة ها هنا، الغربة في "قلبك"! إننا نعاني "الغربة" عندما تُكبَّلُ أرواحنا! فابحث عن "الأمان" تجد نفسك وتفقد الغربة معناها!

حالة اغتراب القلب التي نعيشها تحتاج لأن نختلي بالقرآن أكثر وأكثر، وأن نتدبره ونفتش فيه عن كنوزه المخبوءة التي لا يجدها إلا من فتح الله عليه، ولن يفتح الله إلا على من أخذ هذا الكتاب بحقه. "الغربة" داء ، و"القرآن" شفاء.

الآن يمكنني أن أفهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث الصحيح: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل" ناصحاً بعض أصحابه، أراد منهم حبيبُنا أن يعيشوا شعور ذاك الطريد المشرد الذي يبحث دائما عن الأمان والمأوى والركن الشديد، فيقنَع بالقليل من الدنيا، ويبحث دوما عما يكون له ذُخراً في آخرته، ولا يُعلق آماله إلا بمولاه _والله أعلم_ !

وعندما نبحث عن "الأمان" فإننا نجدُ الله سبحانه وتعالى قد أوضح لنا الطريق إليه في قوله تعالى "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، لكن أيّ قلوب تلك التي تستفيد من هذا الدواء الرباني؟! إنها القلوب التي تعرض نفسها علي القرآن عرض المريض الذي أنهكه الداء، واستبَدَّ به الألم، واستفحل فيه الخطر، حتي ما إذا ما استسلم للرحيل وأيقن أن لا مفرّ منه، وجد الدواء الناجع الذي سينقذه من وطأة هذا البلاء، أتُراه يُعرض عن تناوله؟! أتحسبه يقصر في أخذه حسب جرعاته المحددة ومُدَدِه المعلومة؟! قطعا لن يفعل، ولو تعاملنا مع القرآن تعامل هذا المريض مع الدواء، موقنين بأنّه دواء الله الناجع لاستراحة قلوبنا بإذن خالقها!

ويبدو لي _والله أعلم _ أن حالة اغتراب القلب التي نعيشها تحتاج لأن نختلي بالقرآن أكثر وأكثر، وأن نتدبره ونفتش فيه عن كنوزه المخبوءة التي لا يجدها إلا من فتح الله عليه، ولن يفتح الله إلا على من أخذ هذا الكتاب بحقه. "الغربة" داء ، و"القرآن" شفاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.